عرض كتاب عرب الأهوار
للكاتب البريطاني ولفريد ثيسنجر
مع تدفق نهري دجلة والفرات اكتشف ويلفريد شيسنجرجنة عدن
في هذا الكتاب الساحر استطاع الكاتب ثيسنجر وبعد معايشة أكثر من سبعة سنوات، وبشكل تدريجي، تكوين علاقات متينة مع بعض سكان هذه الاهوار، من القبائل العربية والذين يختلفون عن سكان الصحراء في نمط حياتهم، إنهم يعيشون حياة فيها الهيمنة للمياه بشكلٍ كامل، يصطادون بالرماح، يأكلون الرزوالخبز، يشربون الماء وحليب الجاموس، يبنون الجزر والبيوت بركائز معقدة من البردي العملاق، ويتعلمون جذف الزوارق قبل أن يتعلمون المشي.
يعتبر الرحالة ثيسنجر من أعظم الرحالة البريطانيين عبر البلاد العربية، ففي كتابيه القيمين، رمال العرب وعرب الأهوار استطاع ان يعطي وصفاً مفعماً بالحيوية والصدق لطريقة حياتهم، والتي هي استمرار لآلاف السنين، ففي رمال العرب وصف رحلته عبر صحراء الربع الخالي العربية الواسعة الخالية من الماء، والتي اعتبرها الاصعب من بين رحلاته، ولقد صنفت مجلة التايمس البريطانية كتابه هذا في إطار الإسلوب الكلاسيكي في كتابة الرحلات، وبذا حصل على مكافأة H Heinemann. .W
بعد كتاب رمال العرب سجل الكاتب سنينه التي عاشها مع سكان الأهوار الواقعة في القسم الجنوبي من العراق، وعن رحلته الأولى للأهوار يقول:
إن هذه الذكريات لم تفارقني أبداً، ضوء النار المنبعث من المواقد، صياح الاوز،عراك البط وقت الأكل، صوت غناء الصِبْية الآتي في الظلام، المشاحيف التي تسير مواكب تمخرالمياه، غروب الشمس التي ُترى قرمزية خلال دخان القصب المحروق، الطرق المائية التي تَنْدَّسُ عميقاً في الأهوار، الرجال العراة في مشاحيفهم يحملون بأيديهم رماح الصيد، بيوت القصب التي بنيت فوق الماء، انعكاس النجوم الماسْيِ على صفحات المياه الداكنة، ضجيج الضفادع، المشاحيف العائدة إلى أماكنها وقت المساء، الأمن والديمومة، الصمت الذي لايخدشه صوت المحركات والآلات الحديثة، كل ذلك جعلني أعود ثانيةً لأُشارك في حياةٍ مثل هذه، ولأكون فيها أكثر من مجرد متفرج.
وجودي متعتي
يقول ويلفرد: لقد عشت في أهوار العراق منذ نهاية عام ألف وتسعمئة وواحد و خمسين إلى الشهرالسادس من سنة ألف و تسعمئة و ثمانية و خمسين لقد كتبت من هناك، وكتابي لم يكن مجرد كتاب رحلات محصورة في هذه المنطقة التي عشتها، وكذلك لا أدَّعي إنها دراسة مفصلة عن الأهوار التي عشت فيها، لأنني لست عالم من علماء البشريات،ولست مختصاً لأي علمٍ من العلوم، إنني قضيت هذه السنين في الأهوار لأن وجودي هنالك كان متعتي، وخلال هذه المدة التي عشتها في الأهوار كأحد سكانها، وبشكلٍ حتمي أصبحت خلال هذه السنين متآلفاً مع طرقهم في الحياة.
من خلال قراءة كتاب ثيسنجر نجد أنه قد حاول أن يعطي صورة للأهوار وسكانها بنظرة حقيقية غير منحازة، ساعده في ذلك يومياته، ذكرياته، عدسة كامرته، موهبته الواسعة، عينه المكتشفة،وحبه العميق للأنسان.
إن نقل أجواء الحياة في الأهوار شئ مختلف، لاتستطيع أن تنقله البعثات الإستكشافية بالدقة والتسجيلية، وبالشكل الساحر الذي نقله به ويلفرد ثيسنجر، ويعتبر هذا الكتاب مكافأة غنية عامرة بصدق الإحساس والموضوعية والتسجيلية.
عشق الإنسان
لقد أعطى ويلفرد شرحاً مفصلاً لجغرافية المكان، المساحة التي تحتلها الأهوار، ارتفاع المياه وانخفاضها، تصنيف الأهوار كدائمية أو موسمية أو مؤقتة، أصل الأهواروالأنهار والأماكن التي تزودها بالمياه، اسمائها، المدن والقرى القريبة منها وكانت طريقته بنقل مظاهر الحياة تعلن بالدرجة الأُولى عن عشقه لإنسان الأهوار.لقد وصف ثيسنجر وصفاً دقيقاً كل ما يتعلق بحياة إنسان الاهوار، المأكل، الملبس، العادات والتقاليد، الأعراس والمآتم،العلاقات الأُسرية، العلاقات العشائرية،علاقة أفراد العشيرة برؤسائهم، هوساتهم ،أغانيهم ورقصاتهم، وقد كان موفقا ًكل التوفيق بجعل القارئ يتنقل بين صفحات كتابه- المائتين والثلاثة والثلاثين ومجموعة صوره التي تحتل خمسٌ وعشرون صفحةٍ إضافية- وكأنه يعيش كأحد أفراد سكان هذه الأهوار، أو كأنه يشاهد فلماً من الأفلام التسجيلية.
يقول ويلفرد في تصريحٍ له لإحدى الصحف البريطانية في عام ألفٍ وتسعمئةٍ وخمسٍ وتسعين :" منذ آلآف السنين، هذه القرون المغرقة في القدم،بقيت هذه الأهوار تعيش حياتها كسلسلة ممتدة لم يمسسها أحد، لكن الآن وتحت نظام صدام حسين،أصبح سكان الاهوار ومواطنهم يتخربون بشكلٍ منظم. إن طغيان السياسة الجديدة في العراق جعلها تغلق هذه المنطقة أمام الزوار، وربما ستجفف هذه الاهوار،وعندما يكون ذلك فإن الحياة التي تسلسلت منذ آلآف السنين ستختفي." (وبعد مدة قصيرة من تصريح ثيسنجرهذا جفف نظام صدام تلك الاهوارالساحرة ودَََمَّرَ سكانها قتلاً وتشريداً وضاع سحرها وهاجرما تبقى من أهلها وهاجرت طيورها أسراباً). ظهر هذاالكتاب بطبعته الأُولى عام ألفٍ وتسعمئةٍ وأربعةٍ وستين والثانية في عام ألفٍ وتسعمئةٍ وسبعٍ وستين أما هذه الطبعة التي بين يدينا وهي الاخيرة فكان إصدارها عام ألفٍ وتسعمئةٍ وخمسةٍ وتسعين أي قبل وفاة التاتب بثلاث سنوات تقريباً.
عن المؤلف
ولد ويلفريد ثيسنجر في اديس ابابا عام ألفٍ وتسعمئةٍ وعشرة وكان تعليمه في جامعتي أيتون وأكسفورد البريطانيتين، و في عام ألفٍ وتسعمئةٍ وخمسٍ وثلاثين التحق بالخدمات الدبلوماسية في السودان وبعد إنتهاء الحرب نقل إلى قوات الدفاع السودانية وبعدها خدم في أثيوبيا، سوريا، وفي الصحراء الغربية، سافر إلى العراق شماله في كردستان وجنوبه في الأهوار، سافر إلى مواطن الهندوس والمغرب،كينيا وطنجنيقا. وسائله في النقل كانت على الأغلب مشي على الأقدام أو على ظهور الدواب. وقد حصل على جوائز تقديرية عديدة عن مؤلفاته التي سجل فيها مشاهداته في الصحراء العربية والأهوار في العراق.
هامش
المشاحيف : زوارق بشكل خاص
بردي : قصب
هوسات : اهازيج