راديكالية الأدب

2008-08-24

من هول المأساة يبرز بشدة قهر المستحيل,ولا شىء ينقص الآن سوى إكمال ما بدأه الذين قال عنهم مكسيم غورغي ..(الشعراء هم رسل الحق,و أنبياء الكلمات)

أولئك الكتاب والمفكرين الذين بكلمات بسيطة استطاعوا ! أن يخلقوا ! وطنا يدفئ الوطن الذي بات يحتضر من شدة البرد والجنون .

في (المسالة الفلسطينية ) الفعل الحقيقي المؤثر المتكامل مع أي فعل آخر, هو فعل الكلمات التي يدركها المرء صاحب القدرة الذكية على التفاهم مع انعكاسات ماساته, ومن هذه الأخيرة ينجز المبدع الأسطورة الخاصة لمن يمثلهم .

فالقدرة الخارقة لدى الشعب الفلسطيني,والتي تتمثل في ظهور وتجدد الإبداع على هيئة أشخاص خارقين بدورهم للمأساة ,تساهم بشكل فعال في تعزيز الاندفاع تجاه تحقيق المنشود,ومن هنا فان عملية البحث عن نص يصل في عمقه وصدقه إلى درجة القداسة في نقله للمأساة الفلسطينية يساعد في تحويل الإبداع من طفرة او حالة تتجدد ما بين فترة وأخرى , إلى نمط سائد يباغت الأخر و يفاجئ الذين لا يتوقعون شيئا من شعب فقد أرضه وشرد في أصقاع الأرض .

والتاريخ في جدله المثير يدعم ويؤكد التجربة الإبداعية (الكلماتية) الفلسطينية من خلال ما يحتويه من تجارب وأمثلة تتقاطع في بعض الجوانب مع رسل الكلمات لفلسطينين, فالذين حملوا على كاهلهم وأقلامهم تمثيل المعاناة الجماعية والتطلعات (الثورية لشعوبهم ) إما أدبا أو فكرا أو ثقافة هم الذين أسسوا تاريخ الأدب الإنساني الأسطوري الذي يعد جواهر نفيسة تسعى جاهدة إلى إضفاء مسحة جمال على جسد الانسانسية المثخن بالجراح.

كما إن الإبداع الأدبي على وجه التحديد , هو نتاج لانعكاسات مأساة أو حدث ادمي قلب العدل والإنسانية, و لكن وحدها التي تجعل الاندماج والتوحد ممكنين ما بين الكاتب وماساته هي تلك القدرة على التقاط الهاجس لأذى تطلقه المأساة في أجواء الكتابة , دون أن ترشد المتأثر والملتقي إليه ,فهو بعبقريته أو بالأحرى سعيه إلى إيجاد دفقات الكلمات ووقودها يقوده إلى التقاء الهاجس, والأهم من ذلك هو تمكنه من إعداد اللغة المناسبة للتناغم ما بين الكاتب وهاجسه فهذا الأخير هو الذي يحتوي داخلة على خلاصة و كثافة المأساة التي تتمثل في ضرورة إيصال (أو حكي القصة)والإيمان بان نشرها بإبداعية ساطعة كفيل بالإسهام في حماية الذاكرة الجمعية من جهة , وتلبية التطلعات والأهداف الشعبية المنشودة من جهة أخرى.

هاجس المأساة هو وقود الكلمات بل هو منبعها الخالي من شوائب الابتزال والمألوف والحقد المزيف, و في المرحلة الحالية لا يمكن القول إن هاجس المأساة ما زال يتمتع بوهج ساطع, فالمتغيرات في عوامل القضية الفلسطينية الذاتية أدت بصورة غير مباشرة إلى إضعاف عناصر المأساة وأهمها هاجسها الذي يطالب بعدم تهميشه,والمطلوب ألان بعد رحيل شاعر التيه وهوميروس الفلسطيني (محمود درويش) هو البحث عن هاجس غيابه وتأثيراته , بعد إن كان شاعل الثورة رسولا لماساته من خلال الكلمات والقصائد الملحاحية تتمثل في إيجاد (تقنية ) أدبية تتناسب وتجربة الشعب الفلسطيني المفعمة بالحزن والخذلان,تقنية تحفز على الإبداع المستمر وتستفز الهاجس بشدة لكي يتمرد الأدب ويتحرر أكثر من أي وقت مضى وفي مرحلة الخاسرات و ضياع الأرض ثم استرجاع بعضها ثم اختلال هذا البعض,تتجلى ضرورة حماية الأدب بشكل خاص وإبرازه و تجديده عبر مفكرين ونقاد وأدباء وكتاب ,يعتمدون منهجا علميا صارما و(تقنيا) في التعامل مع الحراك الأدبي الفلسطيني وكيفية تحويله أدب يمثل بوضوح وبراديكالية صادقة (عمق المأساة لكي يصبح أدبا فلسطينيا مؤسس على قاعدته الأصيلة إلا وهي الأدب المقاوم الذي كان نتاجا عظيما لعقليات مبدعة وعبقرية نشأت و ترعرعت في أجواء ما بعد النكبة وهواجسها .

لذلك فان الأسئلة الكبيرة المتعلقة بالإنتاج الأدبي و(الثقافي) الفلسطيني تبرز بعد الغياب المفجع لمحمود درويش ,والإجابة الصحيحة تتمحور في تحويل الأدب الوطني و(المحلي) إلى أدب عالمي في زمن وعالم مفتوحين على كل الفضاءات ,إلا إن التحول نحو العالمية يصبح تهديدا وخطرا كبيرين إذا لم يكن الأدب متينا و متماسكا وقادرا على محاكاة الآداب الأخرى بعناصره الخلاقة والمبدعة إن الاتفاق على تسمية الإنتاج الكتابي المقروء في كافة المجالات والأصناف أدبا .

لا يمكن أن يتم و إن يحقق هدفه الإنساني النبيل ,التمثيل الصادق للمعاناة و الفرح و الحزن و العرس و الجنازة .

اذا لم تكن التقنية الشرفة على استيعاب و إعداد و بناء الأدب قائمة على أساس نقد معرفي, نقد لا يتعاون مع الرديء و لا يعترف بحلول الوسط مع الإنتاج المكتوب,

و لعل ابتكار تلك التقنية وحده ما يكفل الوصول إلى الأدب الفلسطيني الذي يواجه العالمية بطمأنينة و صدر رحب .

و ألان أكثر من أي وقت مضى على المبدع ان يستمد الكلمات من وطنه و ماساته و من رسل الكلمات الذين رحلو مخلفين وراءهم الكلمات و قهر المستحيل

 

الأسير باســـــــــــم الخندقجي

عضـــو اللجنة المركزية لحزب الشعب الفلسطيني

سجن جلبوع المركزي

الحكم مدى الحياة

 

 ‏‏

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved