لم تخشَ يوماً أن تكون ( شهيدة الحق الليبرالي )، كما وصفها الباحث شاكر النابلسي في مقال دافع فيه عنها " غادرت الجامعة التونسية رفضاً لسياسة الوصاية والتدجين التي فرضها النظام السابق، لكنّها لم تعتزل التحريض على الثورة . وعندما عادت إلى بلادها من القاهرة بعد انتصار الثورة، فانها عادت على جناح الأمل، امل التغيير الذي تناضل من اجله، ومن أجل المساهمة فيه، سواء من خلال عملها الأكاديمي كأستاذةً لمادّة الأدب القديم، أو نشاطها في نشر ثقافة حقوق الإنسان والمواطنة، مع رفاقها من المدافعين عن تونس العلمانيّة . عادت إلى بلاد الطاهر الحداد، وهي تعرف أن فتوى إهدار دمها تنتظرها في ساحة ( الباساج ) في قلب العاصمة، حيث توعّد أوصياء الدين الجدد بشنقها .
هي ابنة الحقبة التي شهدت صعود حركات تحرر المرأة في أوروبا، وانهيار الأنظمة الشموليّة، وانفجار أفكار دوبوفوار، وبورديو، ودريدا، وفوكو، وبارت، انها ابنة العقد الذي هبّ فيه الطلاب الباريسيون لدكّ أركان البديهيات الثقافية والسياسية والجنسيّة، وقضوا على الهيبة الأبويّة في العائلة، وهيبة رأس المال في المصانع، وهيبة الأساتذة في المدارس. لذا فانها تمسّكت بفكر الاختلاف، والنقد والتحرر.
بجراة وثبات علمت طلابها كيف يشيدون سماءً أوسع من اللغة، وكيف يتجرأون على إشعال الحرائق في بيادر المسلمات والبديهيات والحقائق الجامدة، الا ان هذا المنهج المتحرر، دفع المتشددين إلى اتهامها بالتهجّم على الإسلام والعقيدة، الا ان ذلك لم يثنِيها عن السير في خطوات متقدّمة في نقدها للفكر الديني والمجتمع الذكوري، من خلال مؤلفاتها التي تعدّ إضافة نوعية إلى المكتبة العربية الحديثة، وخصوصاً ( صمت البنيان ) و( نقد الثوابت ) و( بنيان الفحولة ) فكان تمرّدها في الكتابة جسراً لعبورها نحو الممارسة الميدانية، وبذا اصبحت من أوائل المنخرطات في ( الجمعية التونسية للنساء الديموقراطيات ) .
أنها كما تؤمن بفكر الاختلاف، انها امرأة حرّة في عشقها وحبرها، بذا تقنعك صاحبة ( نقد الثوابت ) بأنّ تاريخ الميلاد ليس مهماً، بل السياق الذي نولد فيه... ولدت رجاء في مدينة القيروان في الوسط التونسي، وهي مدينة عقبة بن نافع، وابن رشيق القيرواني، والإمام سحنون، وعلي الحصري، وابن الجزار. هي ابنة عائلة بن سلامة التي تقول كتب التاريخ إن جزءاً منها سافر إلى تونس مع عقبة بن نافع خلال الفتوحات الإسلامية، في حين حلّ جزء ثان منها في الجزائر والمغرب مع طارق بن زياد . مدّت سليلة بن سلامة فتوحاتها إلى ميدان العلم والأدب، وصارت في هذا المضمار، لا تعترف بأيّ حدود .
من يدخل صفحتها، سيعرف أن هذه المرأة جُبلت على المواجهات، تكتب عن الجهل المقدس، وعن رجال الدين المقنّعين، وعن الخطر السلفي، تدعو إلى مؤسسة الثورة التونسية، ومقاومة المسامير الصدئة، وتحرّض على مقاومة الخوف والتردد لدى الخائفين .
في كتابها الأوّل، ( صمت البيان)، الصّادر عن المجلس الأعلى للثقافة في القاهرة في 1998، تجد حفنة من موضوعات جاحظيّة وتراثيّة تعيد طرقها من خلال السيميائيّات الحديثة وفلسفة دريدا في الكتابة، منها مبدئيّة الصمت وسلبيّة اللسان، والكتمان والإظهار في الشعر، ومرجعيّة الخبَر الموضوع، وصورة البكّاءة المتغزّلة في أشعار النساء في الأدب العربيّ القديم، وفي جميع هذه الدراسات تسعى الناقدة وقارئة الموروث إلى البحث عن المخفيّ والمسكوت عنه الذي يشكّل بالأحرى محرّكاً أوّلياً للكتابة .
في كتاب الاغاني مثلاً انها في خبر موت عمر بن ابي ربيعة لم تكتف بما جاء في مصنّفات الأخبار بل دأبت على تقصي ما يعتمل في رواياته المتعدّدة أو يكمن وراءها من استيهامات جماعيّة وتعويضات رمزيّة . وإذ تتوقّف عند الشعر النسائيّ القديم تستنطق البكاء والغزل باعتبارهما الوظيفتين الوحيدتين اللتين كان مؤرّخو الشعر العربيّ القديم ونقّاده يقرّون بهما للنساء الشاعرات .
وفي كتابها الثاني، الموت وطقوسه من خلال صحيحَي البخاريّ ومسلم، ترجع إلى السنّة تقرأها أنثروبولوجيّاً ونصوصيّاً لتخرج منها بموقف إسلاميّ ناضج من الموت، وبطقوسيّة كاملة تتعهّد عمل الحِداد وتهب الجنازة مكانها اللائق بين الأحياء، بما يتيح تكريم الميت من جهة وتمكين الحياة من مواصلة سيرورتها السرمديّة من جهة أخرى . وهكذا فانها من خلال اعمالها ان كانت كتبا او مقالات قد أعربت عن مرونة عالية في القراءة النقديّة بلغت ذروتها في عملها الضخم الصادر عن دار الجمل بألمانيا في ستمئة وأربعين صفحة من القطع الكبير، ( العشق والكتابة ) .
رجاء بن سلامة باحثة وكاتبة تونسية، ولدت في 2 أوت 1968. حصلت على شهادة الأستاذية في اللغة والآداب والحضارة العربية عام 1985 من دار المعلمين العليا بتونس، ثم على شهادة التبريز في اللّغة والآداب والحضارة العربيّة عام 1988 من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بتونس، ثم شهادة دكتوراه الدولة في اللغة والآداب والحضارة العربية بأطروحة عنوانها "العشق والكتابة" : قراءة في الموروث". درست التحليل النفسي بتونس وبفرنسا، وهي أحد الأعضاء المؤسسين لرابطة العقلانيين العرب، ولجمعية "بيان الحريات بفرنسا"،" وهي حاليًا محللة نفسية، كما تعمل كرئيسة تحرير مجلة الأوان .
من آرائها
* لا يحق لك أن تمنع غيرك من أن يعتقد ما يشاء، ولا يحق لك أن تحرض على قتله بسبب معتقده، ولكن يحق لك انتقاد معتقده بشتى الأساليب التي تجود بها قريحتك .
* لا تقتضي حرية المعتقد التي تفترضها العلمانية احتراما للعقائد، بل تقتضي احتراما لحق كل انسان في أن تكون له عقيدة، ونحن نجد على الدوام خلطا بين احترام ( حرية المعتقد ) واحترام المعتقد في حد ذاته .
* كل المعتقدات بما في ذلك عدم الايمان قابلة للنقد والتفكيك والسخرية، ووضع الخطوط الحمراء وعدا ذلك هو من باب فرض " ممنوع اللمس " على التفكير .”
* عنف الوصمة والبصمة التي تحول المرأة إلى كائن لا اجتماعي أسود لا يكاد يظهر ولا يتكلم، لأن التي يكون كامل جسدها عورة، تكون حركاتها عورة، ويكون صوتها عورة، ويكون ظهورها في حد ذاته فضيحة لا بد من مداراتها
* المنظومة الفقهية تقوم على هرم اجتماعي أعلاه الرجل تليه المرأة ثم العبد ثم الأمة ثم الطفل والمجنون .
* من طبيعة العنف أنه لا يسمي نفسه عنفا، ومن طبيعة حقوق الإنسان أنها ليست منزلة ولا مقدسة، بل قابلة للتطور والاكتشاف المستمر لمناطق اللامساواة والكرامة .
* من فُتنَ، أي : صرف عن ذكر الله، وغشى عن رؤية علاماته . الفتنة في الوقت نفسه هي ما يجعل المرأة صنِواً للشيطان بما أن الشيطان يسمى بالفتان لأنه يضل الناس ويزين لهم شهواتهم .
* ظهر وانتشر قديماً فن الغزل بالمذكر، وبشعراء كأبي نواس يدعون إلى المجون وينشدون في الخمرة وحب الغلمان ولهم مع ذلك حظوة لدى العامة والخاصة .
في سطور
• أستاذة محاضرة بكلّيّة الآداب والفنون والإنسانيّات، بمنّوبة، وتونس العاصمة .
• محلّلة نفسانيّة، عضو جمعيّة "فضاء التّحليل النفسيّ" بفرنسا .
• عضو مؤسّس لجمعيّة "بيان الحرّيّات بفرنسا، ولـ"رابطة العقلانيّين العرب"، ولـ"الجمعيّة الثقافيّة التّونسيّة للدّفاع عن اللائكيّة"
• من مؤلّفاتها:
o في نقد إنسان الجموع، دار الطّليعة ورابطة العقلانيين العرب، بيروت،
o بنيان الفحولة، دار بترا، دمشق، 2005، دار المعرفة، تونس 2006
o نقد الثّوابت، دار الطّليعة ورابطة العقلانيين العرب، بيروت 2005
o العشق والكتابة، دار الجمل، كولونيا، 2003
o صمت البيان، القاهرة، المجلس الأعلى للثّقافة، 1999
o الموت وطقوسه من خلال صحيحي البخاريّ ومسلم، تونس، دار الجنوب، 1997
• من ترجماتها :
o الإسلام والتّحليل النّفسيّ، فتحي بن سلامة، دار السّاقي ورابطة العقلانيين العرب، لندن 2008.