الموضوع الذي تنوي الحديث عنه من اختصاصك إلا انك قليل الخبرة في الكلام أمام حشد أو جمهور . لا بأس بذلك , فأنت لست وحدك من يعاني من رهاب الوقوف أمام جمع ليتحدث .
قد يكون من المفيد أن نتذكر بأن الناس لا يكرهوننا ولا يتربصون بنا ولا ينوون اعتراضنا !
الحقيقة هي أن الحضور يودون أن يصفقوا لنا, لم ذلك ؟ لأنهم بذلك يثبتون الحكمة من مجيئهم إلى هذا الحفل !
أن الذهاب إلى هذا الجانب المضيء من التفكير لطالما يقودنا إلى التغلب على مشاعر الخوف السلبية و الاقتناع بأن الحضور يقف إلى جانبنا , أي أنهم يتمنون لنا النجاح عندما نتحدث. ولكنهم أيضاً يودون منا كذلك أن نكون مستعدين كل الاستعداد , قادرين على إدراك الحاجات والمشاكل الخاصة بهم . بامكاننا أن نحقق هذه الأهداف و أن نمنح كل جمهور المستمعين ما يشاء , وذلك باللجوء إلى الخطوات التالية :
1- لن أضيع وقتكم سدى:
الوقت أغلى ما يملكه الإنسان. ليس في يومنا ما يكفي من الوقت للقيام بكل ما نريد القيام به , مما يجعل أي نشاط يؤدي إلى هدر الوقت , عملا مثيرا للاستياء . و إذا ما أضاع المتحدث وقت السامعين , غضبوا منه وتوقفوا عن الاستماع إليه . أما إذا سمعوا منه ان وقتهم لن يذهب سدى , فانهم سوف يستمعون إليه استماعا جيداً . ولكل مقام مقال , فإذا كنت تتكلم , مثلا , كمدير أو خبير مصرف أمام جمهور يهتم بهذا الموضوع فعليك أن تختار استهلالا مناسبا , مما يؤدي إلى حسن الانتباه إلى ما تقوله . مثلا :
(( أشكرك يا سيد ... على تقديمك لي . تحيتي إليكم جميعا أيها السادة . أود أن ابدأ ملاحظاتي المختصرة بأن أطلب من كل فرد منكم أن يتساءل : أين كان يمكن لنا أن نكون لولا الكومبيوتر في المصرف الحديث )) .
استهلال سهل ؟! أليس كذلك ؟ أنما ينبغي لك أن تحذر الوعد بشيء لا تستطيع أن تفي به . لا تستعمل كلمة (( المختصرة )) إلا إذا كنت تقصد ذلك تماما . ليس الخطاب الطويل بمضيعة للوقت بالضرورة . قد تكون لك أسباب وجيهة بطلب وقت إضافي.
كذلك تجنب العبارة التالية : (( في الدقائق القليلة المتاحة لي ... )) أو ما ماثلها . قد تبدو لك أنها إشارات ممتازة , ولكنها تفسر بسهولة على أنها تعني : (( أنه ليس لدي الوقت الكافي للقيام بمهمتي على خير وجه أو لعلها تعني : (( أنه ليس لدي الوقت الكافي للقيام بمهمتي على خير وجه )) أو لعلها تعني للحضور أنهم لن يحصلوا على كل المعلومات التي يحق لهم ان يحصلوا عليها . إن السامعين ينقمون على مثل هذه التلميحات . عليك أنت تدير مسؤولية الموازنة بين الموضوع و الوقت المخصص لك .
و من الطبيعي أنك لا تستطيع التلميح إلى مستمعيك بأنك لن تضيع وقتهم , ثم تسمح لنفسك بالاستطراد البعيد عن الموضوع . كل كلمة تقولها , من البداية حتى النهاية , ينبغي أن تكون لها علاقة بالموضوع . ومعنى ذلك أنه عليك أن تكون ناقدا صالحا لما تعده , بحيث تحذف أي شيء لا يتعلق بالموضوع . ابذل جهدك لتحقق هذا الإيجاز الوافي .
2- إنني أعرفكم حق المعرفة
لا شيء يجذب إليك انتباه السامعين , ويفرض عليهم الإصغاء إليك كالتعبير لهم عن حاجاتهم واهتماماتهم الخاصة . ولكي تفعل ذلك ينبغي عليك أن تعرفهم حقا . إليك بالفقرة التالية بعد الاستهلال السابق عن المصارف :
(( لدينا في شركتنا ... كثير من الزبائن الموزعين , مثلكم ممن يواجهون مشاكل حادة في مجال السيولة النقدية )) .
لقد أصبت بذلك كل الإصابة في حديثك إلى جمهور من أصحاب المحال الصغيرة على سبيل المثال . لقد قلت لهم انك تعرفهم تمام المعرفة . لم تكتف بذلك بل أضفت إليه انك على علم بأحد أكثر مشاكلهم أهمية وخطورة . ثم ألمحت كذلك إلى احتمال عرض الحل للمشكلة . بذلك أثرت انتباههم إلى حد كبير .
لكل حشد من السامعين أرضية مشتركة بالنسبة لموضوع ما، يهتمون به جميعا . إليك مثلا ما قالته رئيسة تحرير إحدى مجلات الأزياء النسائية في محاضرة لها في جمهور غالبيته من الرجال :
(( أعلم أنكم لم تأتوا إلى هذا اللقاء بانتظار سماع آخر أنباء الأزياء من باريس أو نيويورك . ولكنكم تودون أن تعلموا مدى الوقت الذي ستصرفه نساؤكم في المتاجر في هذا الخريف , وكيف ستكون حالتهن حين يخرجن منها )) .
لا ريب أن هذا المثل يفترض أن لدى رئيسة التحرير نبأ مهما تريد أن تنقله إلى الحضور . لا أحد يود أن يصغي نحو ربع ساعة كي يكتشف في النهاية أنه لم يجد أي جديد , أو أن شيئا لم يتغير .
و على هذا الأساس أيضا , يريدك الحضور أن تعترف لهم بمدى ما يعرفونه في اطار الموضوع الذي تتناوله . هذا شيء مهم يجب التعبير عنه . أن السامعين المحترفين يريدونك أن تقر لهم ولو بمستوى معين من الخبرة والمركز الاجتماعي . لا يجوز للمتحدث أن يسيء إلى الحضور بالتلميح لهم بأنهم جميعا مخطئون أو جاهلون , كالقلة من الناس الذين يرتكبون الأخطاء حقا , أو يعانون من جهل بالأمور. مثل هذا القول يؤدي أحيانا إلى نظرات باردة يوجهها الجميع إليك , أو إلى صفير واستهزاء بك .
ينبغي لك أن تعرف الحضور . إذا كنت لا تعرفهم , كان عليك أن تسعى لكي تعرف عنهم كل شيء تجب معرفته عن هذه المجموعة . وإذا كنت تعتقد ان الأمر لا يستحق مثل هذا الجهد , فان حديثك ليس له ما يبرره .
3- جودة التنظيم :
تختلف قراءة الجريدة اختلافا كبير عن الإصغاء إلى محاضرة . فأنت كقارئ تستطيع أن تسيطر كل السيطرة على سيل المعلومات وان تعيد قراءة المادة ما طاب لك ذلك . ولكنك كسامع , لا سيطرة لك على معدل تلقيك للمعلومات . وإذا لم تفهم ما قبل على الفور , فانه لا قيمة له عندك .
و مما يزيد الأمور تعقيد ان الناس لا يذكرون غير قسم صغير مما يسمعون . ذلك يلقي عليك كمحدث , عبء تنظيم خطابك بحيث يمكن إدراك المعلومات على أسهل وجه . يضاف إلى ذلك أنه يجب عليك أن تعطي السامعين وقتا كافيا مسبقا لتنظيم عملية الإصغاء , بأن تلمح لهم بكيفية تنظيم كلمتك . واليك بقسم آخر من الكلمة حول المصارف :
(( لمشكلة السيولة النقدية وجهان ــ من وجهة نظرنا ومن وجهة نظركم ــ أود أن أصرف بضع لحظات في مناقشة كل جانب قبل الانتقال إلى الحل المحتمل لنا جميعا )) .
عند ذاك يصغي الحضور إلى بحث جانبي المشكلة . ثم إلى الحل المقترح . لا حظ أهمية عبارتي (( من وجهة نظرنا , ومن وجهة نظركم )) .
و سواء قصدت أن تقرأ حديثك من نص مكتمل أو أن تلقيه معتمدا على ملا حظات مدونة أمامك , فان حديثك ينبغي أن يشمل جملا وأقوالا قصيرة و واضحة ومنطقية . ينبغي لك أن توجه السامع في طريقة عرضك للموضوع . خطوة خطوة . قد يحتاج ذلك إلى بعض البراعة . ينبغي لك أن تذكر أن قراءة الحديث و الإصغاء إليه شيئان مختلفان .
4- إنني أعرف موضوعي:
إن السامعين يريدون السماع إلى المتكلمين الذين يستطيعون التكلم عن ثقة . لذلك ينبغي لك أن تقول لهم انك مؤهل للحديث عن هذا الموضوع وإلا عدلوا عن التركيز على ما تقول . وقد يكتفون بالإصغاء بإذن واحدة أحيانا . صحيح أن بعض مسؤولية ذلك تقع على عاتق الشخص الذي يقدمك , غير أن مثل هذا التنويه لا يأتي بالضرورة مستقلا , أو منعزلا . وقد يكون جزءا من الحديث نفسه . إليك بما جاء في هذا الاطار في الحديث عن المصارف :
(( أن مسؤولية البرامج التي يستخدمها جهازنا الكومبيوتري لدفع شيكاتكم المودعة تقع على عاتقي بالذات . هذا يعني أنه ينبغي علي أن أتأكد باستمرار أن السيولة النقدية تغطي حاجاتكم )) .
لا حظ أن التعريف بك وبكفاءاتك جاء بدون كبرياء أو مبالغة . المهم في الأمر هو أن تنتقي الكلمات التي تعزز ميزة الإدراك و الاهتمام عند الجمهور حين تعرض أمامهم خبراتك والأدلة الثبوتية على مؤهلاتك .
مرة أخرى نقول أن التلميح إلى معرفتك بالموضوع ينبغي أن يعطى في أول مناسبة ملائمة أثناء إلقاء الكلمة . لا شك أنك لاحظت هنا انه جاء بصورة طبيعية في سياق الحديث .
5- النقطة الأهم :
مهما كانت أهمية الموضوع , أو المتحدث , فان الحضور , على اختلاف أنواعهم , يميلون إلى شرود الذهن أحيانا . لذلك تقع عليك مسؤولية حمل الحضور على الانتباه حين تصل إلى النقطة المهمة حقا في موضوعك . و الواقع أن من الناس من يعتبر نفسه مخدوعا إذا لم تنبهه إلى لحظات الإصغاء اللازمة . وإليك نماذج عن ذلك :
(( آمل أن تتذكروا هذه النقطة . الحقيقة انها الفكرة الرئيسية التي جئت لأعرضها عليكم )) .
(( استنتاج واحد لا غير يمكن الوصول إليه على أساس الإثباتات المتوفرة . ولعلكم توصلتم إلى الاستنتاج ذاته بأنفسكم ... )) .
أنت ترى أن التلميح يأتي على مرحلتين . لا تخش اعتبارك مكررا للكلام , أو قائلا ما لا لزوم لقوله . أنك لن تكون كذلك . أنت في الواقع تقدم خدمة لطيفة للجمهور حين تنبهه إلى النقطة التي يجب أن يتذكرها ــ حتى ولو انه لم يصغ إلى أي شيء آخر في الحديث .
ولكن ... ما هي النقطة ذات الأهمية الأولى في حديثك ؟ لعلك تظن أن حديثك يشمل نقاطا كثيرة , وإنها كلها ذات أهمية واحدة . كلا ! ليس الأمر كذلك ! فكر ثانية . مركزية واحدة لا غير . رجال السياسة الناجحون يعرفونها . هي في الحملة الانتخابية مثلا : (( إنني سأعمل من أجلكم ... إذا انتخبتموني )) .
ناد نسائي مثلا دعاك لإلقاء كلمة موجزة حول السندات معفاة من الضريبة , مأمونة كاستثمار , سهلة البيع إذا كان لا بد من ذلك . أي أن الفكرة الأساسية هي (( اعتبار السندات المالية البلدية استثمارا )) . ولكن النقطة المركزية في الموضوع ليست بالضرورة أكثر النقاط أهمية . لنصغ إلى بعض ما جاء في الحديث : (( ... غير أن السندات المالية البلدية ليست بالاختيار السليم للجميع . هنا ياتي دور المستشارين الخبراء في الاستثمار , أمثالي . لذلك أرجو حمل النصيحة التالية عند مغادرة هذه القاعة . نصيحة من صديق , قبل توظيف الأموال في أي استثمار , تنبغي استشارة الخبير قبل كل شيء .
واضح أن (( أهم نقطة )) هي النقطة الرئيسية في الحديث . بدونها تذهب التلميحات الأخرى سدى . وسواء كانت الدعوة لإقناع الناخبين بالتصويت لك أو لدعم مشروعك , أو لتوظيف الاستثمارات , أو حتى لشراء (( حلويات )) من الشام , فأنت هناك لسبب ما . عرف الجميع به . أشر إليه بوضوح .
6-الختام :
لا بد للممثل على مسرح من فصل ختامي . كذلك لا بد للحديث من نهاية حكيمة وقوية . الناس يريدونها , و ينتظرونها . أنهم سيقدرونها حين تقرؤها لهم شرط أن تنبههم إلى ذلك كان تقول : (( إليكم بالخاتمة , أيها المستمعون . استعدوا للتصفيق )) . إليك ببعض النماذج : (( أنتم جمهور عظيم . وأود قبل توديعكم أن أعرب عن تقديري بأن ... )) .
(( منذ سنوات حدث شيء أود أن أشرككم فيه قبل أن نفترق )).
لا حظ أن التلميح يتبعه شيء آخر : التفكير بفترة زمنية , أو بقصة قصيرة . تلك الإشارات قد تكون مجرد ملهاة أو (( ترفية )) . أن الجمهور يستحق مثل هذا التكريم .
إن القصة الحقيقية مقدمة عظيمة للخاتمة , شرط أن تكون ملائمة , فهي تجذب أنظار الجمهور , وتوجهه نحو الخاتمة . أليس هذا هو ما تريده ؟
لا شك أن الأثر الذي لا تود أن تتركه وراءك، هو الأثر السلبي بالنسبة لك أو لحديثك : لا تقل أبداً : (( حسنا . أحسب أنكم تتوقون إلى القيام بأعمال أخرى )) . ان مثل هذا القول , حتى ولو كان يعبر عن واقع , يترك في أفواه الجمهور طعما كريهاً . لا تقل (( أرى أن الوقت قد انتهى , لذلك ... )) . أن الجمهور سيشعر أنه مخدوع , حتى ولو كان الوقت قد انتهى فعلا .
و مهما قال لك الآخرون , فان الفقرة الختامية الجيدة ليست تكرارا للنقاط الرئيسية في حديثك . التكرار يعني أنك لم تقم بمهمتك على خير وجه , وهو إثبات لهذه الحقيقة .
أن تقديم شيء جديد ومختلف لجمهورك يعزز رسالتك العامة ويهيئهم لكلماتك الأخيرة . ينبغي لهذه الكلمات أن تكون كلمات شكر , للسامعين لأنهم منحوك وقتهم , وللمشرفين على البرنامج , إذا كان ذلك مناسبا , لأنهم وجهوا إليك الدعوة . (( اشكر ... لأنه دعاني للمساهمة في هذا البرنامج , وأوجه إليكم شكري الخاص . أنتم لم تكونوا الجمهور العظيم وحسب , ولكنكم جعلتم من وجودي معكم خبرة سارة لي من خلال جميع الوجوه أيضا )) .
أخيرا لابد من قطعة (( حلوى )) لك . بعد أن تنجز كتابة خطابك , خذ لنفسك بضع دقائق وأكتب فيها التعريف بك ــ كلمة فكلمة . دعك من ذكر اسم مدرستك , وبلدتك . ركز على القضايا المهمة : مؤهلاتك للحديث , والدافع للإصغاء إليك . ثم لا تذكر أسمك إلا في نهاية التعريف تماما . هنا يقول قارئ التعريف : أقدم إليكم ... مما يثير عاصفة التصفيق .
ذلك هو أفضل تقديم لك ... وترحيب بك .
المصادر:
· مرشد الخطابة , تأليف : ايد ولموث.
· خطاب لا خوف, تاليف : دوغ ستانيرت.
· فن التخاطب مع الجمهور, تأليف: ستيفين لوكاس