ما نحن في صَدَدِهِ في هذه الحلقةِ
من الرسائلِ الاشوريَّةِ القديمة
رسالةٌ تتناولُ الهمومَ التي تكتنفُ التجارة .
دون مقدماتٍ تقول الرسالة :
أخْبِرْ آيْنا Inâ))
أنَّ كلًّا من:
آيْكوبيجا (Ikuppīja)
وألِيل – باني ( Ellil - bâni)
وآشور- تَكْلاكو (Aššur - taklāku)،
يرسلونَ اليكَ الرسالةَ التالية :
سمِعْنا هنا أنَّك قد صُفِّدْتَ بالْأغلالِ
من قِبَلِ القصر (السَّراي)،
ولم نكن لِنُصدِّقَ ذلك اوَّلَ الأمر،
حتى أعلِنَ الخبرُ رسميًّا .
فَهَرَعْنا نسألُ إيدِسِن (Iddissin)
وكيلَ النقلِ لقصر إنا - سِن Enna-Sin))
حيث أكَّد أنك حقًّا وُضِعْتَ في العزل.
ولذا بادرنا بالاتِّصالِ
ببيلُم – باني ( Bélum-bâni)
ليتولى رعايتَك.
عليكَ ألّا تهْتمَّ ولا تقْلقَ لِلبضاعةِ التي تعود لك،
ولا تلك التي تعودُ لصاحبِ المتجر.
إنَّ بيلُم - باني Bélum-bâni))
ليس مُطالَبًا بالبقاء هناك
ولو ليومٍ واحدٍ اكثرَ مِمّا ينبغي.
أعْلِمْنا بتقريرٍ عن أحوالك
خِشيةَ أن نبقى في قلقٍ من جانبِك.
انتهت الرسالة !
قارئي الحصيف
توحي الرسالةُ رغمَ اقْتِضابِها
بأنَّ الثلاثةَ الذين أرسلوا الخطاب
هم مِمَّن يشتغلون مع آيْنا Inâ))
في نفس المجموعة التجارية
أو
أن هناك رابطًا ما يربطهم
وأُرَجِّحُ الاحتمالَ الأول .
هذه ناحيةٌ اما الأخرى
فيبدو أنَّ هذا الحجزَ يتعلق بأمرٍ مهم
ولولا ذلك ما اضْطرَّت السلطةُ المحليَّةُ
ممثلة بالقصر او السراي
الى القيام به
وإنَّ آيْنا Inâ)) لم يجد بُدًّا من الإذعان
فلا تَمَرُّدَ ولا وَساطات .
إنَّ خبرَ حجزِ آيْنا Inâ))
كان صاعقًا على الشُّرَكاءْ
حيث لم يكونوا لِيُصَدِّقوا به
لولا أنَّ السلطةَ أعلنت ذلك
على رؤوسِ الأشهادِ حالًا
دون تأخير او إخفاء .
ما أكَّدَهُ وكيلُ القصرِ لشؤونِ النقل
من إيداعِ آيْنا Inâ))
في سجنٍ انْفرادِيٍّ،
يوحي أنَّ القضيةَ ذاتَ بالٍ،
وأنَّ السلطةَ أرادت ان تحولَ
دون اتصالِ آيْنا Inâ)) بأحد .
إعلانُ الحجزِ يشيرُ الى وجودِ شفافيةٍ قائمةٍ
بين السلطة والشعب
وأنَّ القانونَ هو القانونُ في كل مكان
وليس للجميع إلّا الإحترام.
لم يتوقَّفِ الأمرُ عند ذاك؛
بل إنَّ الشركاءَ لم يتركوا صاحبَهم
عند الشِّدَّةِ وحيداً !
عَيَّنوا بيلُم - باني Bélum-bâni))
ليقوم برعايته،
على ألّا يمكثَ اكثرَ مما يلزم .
إنَّهُ دليلُ الإخلاصِ في الصُّحبةِ،
والوفاءِ بمسؤوليةِ الشراكةِ في العمل.
همُ اسْتسلموا للأمر الواقعِ
ريثما ينتهي التحقيق !
تكليف بيلُم - باني Bélum-bâni)) هذا
يُدلِّلُ على السماحِ لرعاية السَّجين،
على الرغم من أنَّ السجنَ
كان انْفراديًّا !
واخْتُتِمَت رسالةُ الأطمئنان هذه،
بأنَّهم أوْصَوْا آيْنا Inâ))
ان يرفعَ اليهم تقريرًا عن احوالِه،
لكي لا يَبْقَوْا في قلقٍ بشأْنِه،
بعد طمأنتِهِ بألّا يقلقَ على ما معه من بضاعة .
ما أخلصُ اليهِ أنَّ القومَ آنذاك،
كانوا عمومًا يعيشون حياتَهم
في السَّراءِ والضَّراء
بوضوحٍ وسلامْ،
لأنهم عرفوا معنى النظامْ !
وأنا إذ أقولُ هذا
فلا تظنَّنَّ خُلُوَّ المجتمعات
على مرِّ العصورِ،
من سلبيّاتٍ ومتناقضات،
قد يمارسُها أفرادٌ وجماعات،
فلا تعميمَ ولا مِثاليّات .