ناهده الرماح (1938 - 2017 ) اعتلت خشبة المسرح في عام 1956

جاءت ناهده الرماح الى المسرح ، وهي شابه متزوجه حديثا، بعد فتره قصيره نسبيا من دخول آزادوهي للمسرح، في عام 1956 بالتحديد عندما مثلت في فرقة المسرح الحديث مسرحية ( الرجل الذي تزوج امرأة خرساء ) من اخراج سامي عبد الحميد، وكان هذا العمل يعتبر العمل الاول الذي يخرجه سامي عبد الحميد، وقدمت على قاعة مسرح الامير عبدالله في الاعظميه .
كانت ناهده الرماح في تلك الفتره قد انتهت توا من تمثيل بطولة فيلم ( من المسؤول )، وكان تحت الانجاز والذي عرض فيما بعد في عام 1957 .
فهي ولجت مجال السينما اولا، كزميلتها زينب، قبل ان تصعدا خشبة المسرح . ودخلتا كلتيهما هذا المجال عن طريق اعلانات كانت منشوره من قبل الشركتين السينمائيتين في الجرائد تطلبان فيها وجوه نسائيه جديده للعمل في الفلمين . ( من المسؤول ) و( سعيد افندي ) على التوالي .
تقترب من ازادوهي في الظروف الشخصيه التي ساعدتها في دخول مجال المسرح، توفر اناس متفهمون في عائلتها ساندوها وشجعوها لتحقيق حلمها، اولهم زوجها شوكت الرماح المتفتح والمتنور الذي وقف بحزم الى جانبها ووالدتها .
وكما كان اخوة آزادوهي يرافقونها في تمارين الفرقه، كان زوج ناهده الرماح يرافقها في التمارين، واحيانا والدتها المسانده الثانيه لناهده في العائله والتي كانت ترافقها اثناء تصوير ( من المسؤول ) وظهرت في الفيلم ايضا ببعض اللقطات كنوع من تضامن قوي معلن من ام تؤيد وتزكي خطوات ابنتها الشريفه في الحقل الفني، وكحصانه لها درءا للقيل والقال .
تختلف بدايات ناهده الرماح عن ازادوهي التي جاءوا بها الى المسرح طفله بمعنى الكلمه، بينما بدأت ناهده وهي امرأه ناضجه تعرف ما تريد، وتقدر نتائج ما تفعل، بالرغم من النقص في اهليتها ان تكون ممثلة مسرح متكامله في البدايه، كما جاء على لسانها .
فهي تذكر في احدى لقاءاتها الصحفيه (( ... لم اكن افكر مطلقا ان اغدو ممثله، ففي مطلع الخمسينات لم تكن هناك حركه فنيه، والدخول الى مضمار الفن كان يعتبر عارا واساءه اجتماعيه بالغه، لكني بدأت اتغير ونما عندي حب الفن تدريجيا من خلال مشاهداتي للافلام السينمائيه التي كانت تعرض في دور السينما انذاك، وأختلاطي بالوسط الفني من خلال حضور متفاوت لتمارين فرقة المسرح الشعبي، ومعهد الفنون الجميله، بمعية السيده ليلى العبيدي، سحرت بعالم الفن وانشددت اليه بقوه غرائبيه . )) . وصممت ان اكون ممثله .
وتتحدث عن بداياتها في مكان اخر، انها كانت خجوله، ومتهيبه تماما، وغير مشجعه، او ان يكون هناك امل في ان تكون شيئا، بحيث تذكر دائما حكم بدري حسون فريد عليها آنذاك بأنها (( لن تصبح ممثله طوال حياتها )) .
لكنها بدأت تعزز من ثقتها بنفسها ومن ثقافتها العامه والفنيه بقراءة نهمه لما كان متاحا انذاك من مجلات وصحف، وتعلمت فنون المسرح على اصوله ( كما تقول ) على يد اساتذتها الاوائل في الفرقه، ابراهيم جلال وسامي عبدالحميد ويوسف العاني .
ومع ارساء اصول هذا الفن تعلمت قيمه ومثله الراقيه، وفي الفرقه بدأت تدرس وتتعلم قواعد اللغه العربيه وسلامة النطق بمساعدة زميلتها ( زينب ) التي كانت مدرسه للغة العربية، والزملاء الاخرين المجيدين في اللغة العربية . كانت الفرقه بمثابة ستوديو ومدرسه حقيقيه في تثقيف موهبتها الفنيه .
نشأت ناهده الرماح في بيت، كان فيه اخيها ناشطا سياسيا، تعرضت ناهده الرماح للآعتقال من قبل الحرس القومي بعد انقلاب 1963، وفصلت من وظيفتها التي كانت تشغلها في احد البنوك، لكنها ظلت متعلقه بالمسرح، الذي سرعان ماعادت اليه بعد اعادة تشكيل ( فرقة المسرح الفني الحديث)، واعيد تعيينها بعد عام 1968 كموظفه في مصلحة السينما والمسرح بعد ان شملها ايضا قرار اعادة المفصولين السياسيين الى وظائفهم الذي صدر من الدوله آنذاك .
اهم اعمالها في فرقة المسرح الحديث والتي يتذكرها فيه جمهورها ( آني امك ياشاكر ) و( الخال فانيا ) و(مسألة شرف ) و( النخله والجيران ) و( الخرابه) و(المفتاح ) و(القربان) و(الصوت الانساني )واعمال عديده اخرى .
اشهر الافلام التي اشتغلت فيها ( من المسؤول ) و( الضامئون ) وحصلت خلال مسيرتها الفنيه في المسرح على عدد من الحوائز لنشاطها الابداعي في المسرح، وجوائز تقديريه .
اصيبت بتلف في شبكية العين اثناء ادائها دور زنوبه في مسرحية القربان، اعداد ياسين النصير عن رواية لغائب طعمه فرمان، اخراج فاروق فياض عام 1976، وارسلت للعلاج فورا، وخضعت لعدد من عمليات ترقيع الشبكيه، الا انه لم يجدى نفعا، واضطرت اللجوء الى بريطانيا بمعية كافة افراد اسرتها بعد تأزم الوضع السياسي في العراق في نهاية السبعينات، بعد تنقل وتشتت بين لبنان وسوريا ودول اشتراكيه سابقه واوربا .
بقيت تحن للمسرح، العالم الذي نذرت نفسها اليه وارغمت على ان تبعد عنه وهي في عز عطاءاتها الناضجه، ولم تنقطع في غربتها عن اجترار ذكرياتها عنه، وحاولت ان تعوض عن هذا البعاد بالقيام بفعاليات مسرحيه عديده للجاليه العراقيه ومحبيها في الخارج اشبه بالمونودراما تعيد تقديم مشاهد من اشهر ما أدته على المسرح طوال نصف قرن تقريبا هو عمرها الفني .. تجولت بفعالياتها هذه في معظم دول اوربا واسكندنافيه والولايات المتحده الامريكيه وبعض دول الخليج .
وبالتدريج اخذ ينطفيء عندها البصر، وعاشت ناهده الرماح بالظلمه في لندن ترعاها ابنتها هند، الا انها بقيت متوهجه بحبها القديم الجارف للمسرح، الذي ضحت من اجله الكثير، ولم تحصد منه غير نسيان اصدقائها والوسط الفني لها بسبب الانقطاع الطويل عنهم، الذي فرض عليها، وانبعث جيل كامل من الجمهور لم يسمع او يرى او يعرف شيئا عن ناهده الرماح او عن زينب على المسرح . توفيت الفنانة الرائدة اثر اصابتها بحروق بالغة من ماء ساخن اثناء استحمامها، وذلك بتاريخ 22 03 2017، وتركت وراءها تاريخ من الكفاح والإبداع ورغبة لم تتحقق في مواصلة المسير ...