عصابةُ مافْيا دَوْليّة من الجهَلة والمحتالين ...

2016-11-23
أحياناً، أرى عجباً، آنَ أسمعُ نبأً عن كتابٍ عربيّ حديثٍ ( قصّة أو شِعر ) يترجَمُ إلى اللغة الإنجليزية، ليُنشَرَ في لندن مثلاً .
مَرَدُّ عجَبي أن هذه العمليّة تتِمُّ في ظروفٍ ليست ثقافيّةً، ظروفٍ مُعَدّةٍ سلَفاً، من جانب مافْيا دوليّةٍ تتولّى العمليّةَ البائسة ، بدءاً من لجان التحكيم، وانتهاءً بالمترجِمين .
أمّا الغرضُ الأساسُ من غرفة النصّابين والنصّابات هذه، فهو المالُ وسوءُ المآل .
المالُ يقدَّم من مشيخات الخليج وشيخاته، ومن دوائرَ متّصلةٍ بوزارة الخارجية في بلد المتروبول، ويذهب إلى جــــــــيوبٍ  "إداريّة " تتضخّم باستمرار، وإلى مترجِمين محتالين، ونفقاتِ اجتماعاتٍ وفنادقَ ومطاعم .
حتى إذا بلغت عمليّةُ النصْبِ منتهاها، طُبِعَ من الكتاب البائس خمسمائة نسخة ( ترفضُ مطابعُ لندن أن تَطبع أقلّ من الخمسمائة )، لتستقرّ النسَخُ في مستودعٍ أو سقيفة حديقةٍ منزليّة، بعد أن يتسلّمَ المؤلفُ عشرين نسخة من كتابه المرموق !
يصِحُّ هذا على " جائزة بوكَرْ العالميّة للرواية العربية "
كما يصِحُّ على ظواهرَ مافيويّةٍ مماثلة .
*
لم أستهدِفْ في مقالتي هذه، تفصيلاً عن عصابات المافيا الثقافية الناشطة في تدمير الثقافة العربية، والمتجذرة في المتروبول، إذ الحديثُ سيطول ويطول، ( فضيحة رَبعي المدهون هذا العامَ ) لكني  استهدفتُ تنبيه القاريْ إلى حقيقةٍ سائدةٍ في أوربا، تتعلّقُ بالنظرة إلى الكتابات القادمة من خارجِ قارة الرومان والأنجلو سكسون والوندال  والفايكنج، أي من خارج المركزيّة الأوربية المتسيِّدة المستبدّة . 
*
في العام 2001 تسلّم ف.س. نايبول .S. Naipaul V. 
جائزةَ نوبل في الأدب من ملك السويد، في حفلٍ مَهيبٍ، ارتدى فيه المؤلف السترةَ السوداء الطويلة ... إلخ.
في ذلك العام، شرعتُ أطوف في لندن ومكتباتها، بحثاً عن أعمالٍ لنايبول غير التي كنتُ قرأتُها من قبلُ .
( هل أذكرُ أنني كنت نقلتُ إلى العربية كتابَين من نايبول ؟ )
الغريب أنني لم أجد حتى واحداً من كتب الرجلِ معروضاً في واجهة مكتبة !
يُعتبَر ف. س. نايبول أفضلَ ناثرٍ باللغة الإنجليزية .
إذاً، ما سِرُّ الإهمال الذي يتعرّضُ له ؟
نايبول، ليس أبيضَ . نايبول ولِدَ في ترينيداد، في عائلةٍ هنديّة !
*
ديريك والكوت، الشاعر العظيم من الكاريبي، الذي كتبَ أشعارَه الباذخة بلغةٍ إنجليزيّةٍ مستحدَثةٍ، لا وجودَ له في بانوراما الثقافة ببلاد الإنجليز .
ما السببُ في الإهمال، إذاً ؟
ديريك والكوت ( كنت اشتركتُ معه في توقيع كتُبٍ ونحن في بْراغ )، ليس أبيضَ .
امرأته بيضاء، لكنه أسودُ !
*
سُعَداءُ، أولئك، الذين يظنّون أن عصابة المافيا المتخصِّصة بتدمير الثقافة العربية، سوف تفتح لهم أبوابَ أوربا، مُشْرَعةً ...
*
مرةً، كنت أتحدّث مع ناشرٍ فرنسيّ، عن نجيب محفوظ، ونقل أعماله إلى اللغة الفرنسيّة .
قال الناشر الفرنسيّ بالحرف الواحد : نجيب محفوظ ممِلٌّ . ينبغي تلخيص رواياته !
*
أمّا " الخبز الحافي " للمغربيّ محمد شكري، فلم تنتشِر في أوربا لأن كاتبَها  مغربيٌّ  من طنجة، يسْمى محمد شكري .
سببُ الإنتشار أن واحداً من جيل البِيت، بول بولْز، هو مترجِمُ العمل !


تورنتو   30.05.2016

سعدي يوسف

 شاعر عراقي وكاتب ومُترجم، وُلد في ابي الخصيب، بالبصرة عام 1934. اكمل دراسته الثانوية في البصرة. ليسانس شرف في آداب العربية. عمل في التدريس والصحافة الثقافية . غادر العراق في السبعينيات وحاليا يقيم في لندن ونال جوائز في الشعر: جائزة سلطان بن علي العويس، والتي سحبت منه لاحقا، والجائزة الإيطالية العالمية، وجائزة كافافي من الجمعية الهلّينية. في العام 2005 نال جائزة فيرونيا الإيطالية لأفضل مؤلفٍ أجنبيّ. في العام 2008 حصل على جائزة المتروبولس في مونتريال في كندا . وعلى جائزة الأركانة المغربية لاحقاً

عمل كعضو هيئة تحرير "الثقافة الجديدة".

عضو الهيئة الاستشارية لمجلة نادي القلم الدولي PEN International Magazine

عضو هيئة تحرير مساهم في مجلة بانيبال للأدب العربي الحديث .

مقيم في المملكة المتحدة منذ 1999.

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved