صباحٌ مرتعشٌ برداً ...

2016-08-13
أفتحُ عينيّ، صباحَ العامِ الجديدِ، هنا، حيث أقيْمُ، في الريف الإنجليزيّ .
اليوم جمعةٌ .
 في الحقول المحيطة التي أراها من موضعي، غطّى الصقيعُ ، العشبَ النضيرَ، وحطّتْ طيورٌ بينها الغربانُ تنبش عن ملتقَطٍ .
لا صوتَ .
حتى السناجبُ المرِحةُ، التي تتواثبُ خفيفةً، اختفتْ، لائذةً بأوجارٍ أو بملتَفِّ نبْتٍ .
القرية ( واسمُها هَيرفيلد يعني حقلَ الأرانبِ ) ستظل نائمةً حتى الضحى العالي . المخزنُ الهنديّ فقط سوف يفتح أبوابه، مبكراً .
ماذا بمقدوري أن أفعلَ، في المنتأى ؟
سأحتفي بالعام الجديد، مع ضيوفٍ، وصديقةٍ . سيكون يوماً هادئاً، فيه من الحُبّ قدرَ ما فيه من التواضع .
ولسوف أراجعُ، خفيفاً، أيامَ العامِ الذي ودّعتُه، كي أستقبلَ العامَ الذي هلَّ، بما يليق .
لن أشعرَ بالخيبةِ وأنا أراجعُ ما فعلتُه .
العام 2015 كان في منتهى المأمولِ، مأمولي .
لم يخذلْني فيه جسَدي .
ولم تخْبُ، أو تَخِب الروحُ .
الشأنُ العامُّ، كان مريراً، قاسياً  :
في بريطانيا، تردّت أوضاعُ الناسِ، الفقراءِ منهم، وازدادت المتاعبُ في المسكنِ والمطعم . لكن عودة الروحِ إلى حزب العمّال، مع انتخاب جيريمي كوربِن زعيماً للحزب،  منحتْني، أنا الفقير إلى الله، فسحةً من الأمل .
في منطقة الشرق الأوسط، وأعني  منها، العراقَ، كان العامُ مؤلماً :
الهجرة المريرةُ إلى شمال العالَم القاسي  .
الحرب الأهلية بين الطوائفِ التي كلّفتْ عشراتِ الالافِ من الأرواحِ .
انتهاب البلادِ حتى بلغ الانتهابُ، حدَّ الإفلاسِ الفعليّ .
التردّي الإقتصادي، وتفاقم الفسادِ، وافتقاد الأمن والأمان .
عودة جنود الاحتلال ...
*
ليس، ثمّتَ، ما يوميء بالتفاؤلِ  في ما اتصَلَ بالسياسات . ورُبّتَما كان العام 2016 أسوأ من العام 2015 !
*
أعودُ لأنظرَ من النافذة المطلّةِ على الساحة الصغيرة . الساعة الآن جاوزت الحاديةَ عشرةَ ضحىً . اختفى الصقيع الخفيف . العشبُ النضيرُ عاد إلى نضارته وخُضرته العميقة . بعد قليل ستظهرُ السناجب .
*
وأعودُ لأتحدّثَ عمّا أنجزتُه في العام 2015، ثقافيّاً  : في التأليف والإبداع .
لقد أنجزتُ ثلاثةَ كتُبٍ :
حياة في خريطة  وهو ترجمتي لقصائد من الشاعر البرتغالي الصديق  نونو جوديس .
محاولات في العلاقة  وهو ديوانٌ جديدٌ لي يضمّ حوالَي خمسين قصيدةً .
الدروبُ الذهبُ وهو كتابُ تناصٍّ مع ابن بطوطة،  بعد أن وجدتُ أنني كنتُ في أكثر من ثلاثين بلداً
مرَّ بها ابن بطوطة المغربيّ الطنجيّ في رحلته الشهيرة !
يضمّ هذا الكتابُ نصوصَ ابنِ بطوطة، ونصوصي أنا التي كتبتُها عن تلك الأماكن المشتركة بيننا.
*
أمسِ، وفي مُهاتَفةٍ من الرباط، عاصمة المملكة المغربية، تلقّيتُ من وزارة الثقافة هناك، ما يشير إلى أن المعرض الدوليّ للكتاب بالدار البيضاء
سوف يخصِّصُ يوماً للإحتفاء بإصداراتي الثلاثةِ .
الموعدُ :
الساعة الحادية عشرة، من يوم الأحد، الرابع عشر من فبراير .
*
إذاً !
سأستقبلُ العام 2016، واثقَ الخطوةِ ...
*
إنّ الثمانينَ، وبُلِّغْتَها !
وأنا ، الآن،  مع 2016، لي اثنتان وثمانون ...

لندن  01.01.2016

سعدي يوسف

 شاعر عراقي وكاتب ومُترجم، وُلد في ابي الخصيب، بالبصرة عام 1934. اكمل دراسته الثانوية في البصرة. ليسانس شرف في آداب العربية. عمل في التدريس والصحافة الثقافية . غادر العراق في السبعينيات وحاليا يقيم في لندن ونال جوائز في الشعر: جائزة سلطان بن علي العويس، والتي سحبت منه لاحقا، والجائزة الإيطالية العالمية، وجائزة كافافي من الجمعية الهلّينية. في العام 2005 نال جائزة فيرونيا الإيطالية لأفضل مؤلفٍ أجنبيّ. في العام 2008 حصل على جائزة المتروبولس في مونتريال في كندا . وعلى جائزة الأركانة المغربية لاحقاً

عمل كعضو هيئة تحرير "الثقافة الجديدة".

عضو الهيئة الاستشارية لمجلة نادي القلم الدولي PEN International Magazine

عضو هيئة تحرير مساهم في مجلة بانيبال للأدب العربي الحديث .

مقيم في المملكة المتحدة منذ 1999.

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved