بعد خمسين كيلو متراً من مدينة تطوان، في اقصى شمال المغرب، في أراضِ تزداد في الإرتفاع والخضرة، تمتد مدينة " شفشاون " وتعيش آمنة بين جبلين عملاقين هما جبل " تيسوكا " وجبل " القلعة " .
الغابات والبيوت وعيون المياه تحدد لنا موقع شفشاون ذات البيوت الناصعة البياض، الراقدة في أمان تحت أشعة الشمس .. كل شئ أبيض شديد النظافة .. البيوت .. الأزقة .. حتى الإرض التي نمشي عليها، لكن دهشتنا لا تستمر طويلاً حين نرى بعض النساء يطلين جدران بيوتهن والأرض المحيطة بها بالجير الأبيض، وعلى ما يبدو إنها إحدى المهام اليومية في حياة نساء شفشاون، بالإضافة للطهي والتنظيف ورعاية الإسرة .
عند تجوالنا في أسواق شفشاون الشعبية التي تكتض بالسلع والخضر الطازجة المتنوعة عرفنا أن المرأة في شفشاون لا يقتصر دورها على أعمال المنزل وصبغ الجدران والأرض بل َتعداها ألى التجارة والبيع والشراء، فقد وجدناها حاضرة فاعلة تقف بزيها الشعبي الخاص وشاشيتها على رأسها ( الشاشية هي قبعة كبيرة جداً مصنوعة من سعف النخيل ) تبيع وتشتري بمهارة تفوق مهارة الرجال ..
يتكون اسم شفشاون من كلمتين شوف وشاون وهو اسمُ بربري معناه انظر القمم وعلى ما يبدو أن اسمها جاء من موقعها بين قمتي الجبلين المحيطين بها ..
ُينسب تأسيس هذه المدينة إلى علي بن راشد في عام 1471م والذي ُبنيَ ضريحه فيما بعد في قلب المدينة حيث يؤمهُ أهاليها للتبرك وطلب المعونة في الشدائد كمعتقد من معتقدات أهالي شفشاون .. ولقد أحيطت المدينة بأسوار لا زالت قائمة ولها أبواب عديدة وهذه الأسوار كانت قد بنيت كحصنٍ واقِ من غزوات الأعداء . تمتاز مدينة شفشاون بالإضافة ألى جمال طبيعتها وحدائقها الغنّاء وعيون المياه المنتشرة ومرتفعاتها المكسوة بالزهور والنباتات المتنوعة وبالمناخ الجبلي الجاف وربيعها الذي تشتد فيه زرقة السماء وكثافة الأزهار وهدوء حدائقها الذي لا يقطعه سوى خرير مياه العيون وتغريد الطيور، .فبالإضافة ألى كل ذلك إنها تمتاز بخلوها من الصناعات الحديثة واحتفاضها بالصناعات التقلديدية المتمثلة بالحدادة
والنجارة والخرازة والدباغة والنسيج، وعلى الأخص نسيج السجاد والجلابات التي تلعب دوراً هاماً في الصناعة لإقبال النساء على شرائها . يقال أن شفشاون كانت مشهورة بطواحينها المائية التي لم نجد منها في زيارتنا هذه سوى ثلاث عشرة طاحونة هي ما تبقى من زمانها القديم، لكننا استطعنا أن نتجول في حوماتها ( أحيائها ) التي يعود بناؤها ألى بدايات تأسيسها فمن حومة ريف الأندلس ألى حومة العنصر وأسفلها حومة السوق، تحتها حومة الخرازين حيث بنى سكان كل حومة مسجداً للصلاة، وكذلك الحمام في ساحة القصبة وباسمه سميت الساحة حيث يقال لها أُطاحمّام أي (وطأ الحمام ) وحوانيت السويقة ..
ومن أهم الآثار الفريدة الرائعة التي تصارع الزمن والتي تعبر عن قوة وحضارة من بنوها هي القصبة والجامع الكبير الذي لا زال يؤدي رسالته ألى الآن ..
ومدينة شفشاون مدينة صغيرة تبلغ مساحتها 700هكتامتر لكنها عامرة بالسياح في جميع فصول السنة لينعموا بهدوئها وجمال غاباتها المترامية الكثيفة والمتنوعة الأشجار، ومياهها العذبة الدافئة وكذلك لاقتناء ما خف حمله من صناعاتها التقليدية الجميلة ..