لم يذكر لنا التاريخ عن اصل الموازين الموسيقية سوى نتف مبعثرة وردت في بعض كتب الادب والتاريخ
العربي وكلها عبارة عن الغاز معقدة يصعب فهمها على الباحثين لانها ترتكز في صيغتها على التعقيد اللغوي والنظري في الموسيقى
ويعرف صفي الدين عبدالمؤمن البغدادي الايقاع الموسيقي بقوله: "هو جماعة نقرات يتخللها ازمنة محدودة المقادير على نسب واوضاع مخصومة بادوار ميزان الطبع السليم" الى ان يقول: "ان الايقاع يختلف باختلاف عدد الازمنة او النقرات او باختلاف مقادير الايقاع على ضربين موصل ومفصل ولكليهما تقاسيم وكل جماعة نقرات ان كان بينهما ازمنة متساوية فإنه يسمى الايقاع الموصل وان كانت متفاصلة فإنه يسمى الايقاع المفصل".
وللموصل اربعة انواع يمكن تفريقها بحسب الزمن الفاصل بين النقرتين، فإن كان الزمن يساوي واحداً "وهو الوحدة المتخذة عيار القياس الازمنة مثل قولك (ت).. (ن).. أي اذا كان الزمن يساوي المدة الفاصلة بين الحرفين (ت) و(ن) يسمى هذا الايقاع الموصل (سريع الهزج) واذا كان الزمن يساوي ضعف الوحدة المتخذة عياراً للازمنة مثل (تن تن) سمي (خفيف الهزج) واذا كان الزمن يساوي ثلاثة اضعاف الوحدة مثل قولك (تنن تنن) سمي (خفيف ثقيل الهزج) واذا كان يساوي اربعة اضعاف الوحدة مثل قولك (تننن تننن) سمي (ثقيل الهزج) ويسمى ايضا الفاصلة الصغرى (فعلن).
اما الفاصلة الكبرى وهي قليلة الاستعمال (كما زعم الفارابي) فزمنها يساوي خمسة اضعاف الوحدة مثل قولك (تنننن) (فعلتن). اما المفصل فان النقرات يتخللها ازمنة متفاضلة مثل قولك (تن.. ت.. تنن) (تن.. ت.. تنن) ومجمل النقرات الثلاثة هذه يسمى جملة والجملة تؤلف من نقرتين او ثلاث نقرات او اربع. وذلك في ازمنتها المتساوية وعدمها بشرط ان يكون الزمن الفاصل بين جملتين اكبر من أي زمن كان من ازمنة الجملة. مثل قولك (تن تن تنن تن تن تنن) فزمن (تنن) اكبر من زمني الجملة وهي عبارة عن (تن وتن).. وهذه الجمل هي كأجزاء بيت من الشعر تتألف منها ادوار الايقاع.. واذا تساءلنا: هل يتوافق الشعر مع ايقاع الغناء؟.. يجب علينا اولاً ان ننظر الى ما جاء على لسان العلماء الاقدمين مثلاً قال الفارابي: (ان الاشعار ليس فيها موصل اصلاً) وهو يعني بذلك ان ايقاع الشعر كله مفصل. ولكن أي نوع من المفصل؟والمعلوم ان علم العروض لا يوضح لنا ايقاعات الابحر ولا يذكر قياسات الازمنة وطرق تنسيقها ولكنه يكتفي باظهار الترتيب الذي يجب حفظه بين الاحرف الساكنة والاحرف المتحركة لتطابق عليها الكلام ما تستسيغ سمعه فكأنه قد بسط لنا مادة الايقاع وطوى صورته.
ولقد جاء في الرسالة الشرفية في اول مقالته الخامسة عن الايقاع: (اذا ازدادت نقرات احدى الجملتين على الاخرى ولو بفقرة او زمن فإنه يخيل في النفس خروجاً عن اعتدال الوزن فلا تقبله النفس).
ويقول صاحب الاغاني عن مالك بن ابي السمح: (اني سألت يوما ابن سريج عن قول الناس فلان يصيب وفلان يخطئ وفلان يحسن وفلان يسيء.. فقال: المصيب المحسن من المغنين هو الذي يشبع الالحان ويملأ الانفاس ويعدل الاوزان ويفخم الالفاظ ويعزف الصواب ويقيم الاعراب ويستوفي النغم الطوال ويحسن مقاطيع النغم وصيب النغم القصار ويصيب اجناس الايقاع ويختلس مواقع النبرات ويستوفي ما يشاكها في الضرب من النقرات). ثم يقول: عرضت ما قاله على معبد، فقال معبد: (لو جاء في الغناء قران ما جاء الا هكذا).
ونستنتج من ذلك كله ما معناه ان الغناء في الشعر لا يحصر بحدة الصوت او ثقله فحسب، بل هناك الوزن لان للنغمة مدة او زمان تشغله أي تدوم فيه. وهذا الزمن يختلف فيكون مرة قصير المدة واخرى طويل المدة وفي كل ذلك درجات شتى، ويكون الغناء موزوناً اذا كانت ازمنة النغم محدودة في ادوار متساوية كما في الشعر ولاظهار هذا الوزن ينقر (ضابط الايقاع) على الدف او الطبلة في وقت الغناء فيرافق المغني مع الجوقة العازفة فيسير الكل مهما كثر عددهم، في توقيت واحد ورنة واحدة لا يختلف احدهم عن الاخر فيوفوا الانغام حقها من الطول والقصر فيخيل للسامع ان ما هو صادر عن هذه المجموعة كأنه صادر عن واحد..