كتب الصديق المناضل الأديب لطفي شفيق سعيد الطائي مُعلِّقاً على مقال كنت نشرته قبل خمس سنوات في موقع "الناس" الأغر وأعدت نشره وقتها في صفحتي على الفيسبوك الذي ذكّرني بها مشكوراً عن الصديق "الشاعر المغربي أحمد لوغليمي وزهرة الأرطانسيا" .
بدءاً أقول لشخصك الفاضل : لست مركوناً في زاوية النسيان، قط بل حظيت كتاباتك بتقديري مذ بدأت بالكتابة، ودونك الجواب :
أول من علّق على كتاباتك عن "ألف يوم في سجن نقرة السلمان" هو أنا ثم الشاعرة وئام ملا سلمان.. كان ذلك بموقع النور . وأُذكِّرك بموقع النور لكي ترجع الى مدونتك هناك وتجد ذلك..
ثم كتبتُ مقالة مستفيضة عنها في مدونتي على "عرب تايمز" تحت العنوان السابق، وجعلت لها عنوانا إضافيا "سبتايتل" هو : من الملاحم النضالية للشيوعيين العراقيين . وأشدت بك وبرفاقك وأسهبت بالنضال ذاكراً واقعة "قطار الموت".. وهو نضال يشهد له الأعداء قبل الأصدقاء ولا يحتاج شهادتي .
وكتبت عن رسوم تشكيلية كنت قد تفضلت بإرسالها لي واستفضتُ باستعراضها ونقدها، وأرجعت الرسوم الى "موتيفها" بطاقات مديرية السياحة وأذكر منها بشكل خاص "سوق الصفافير"..
كتبت على الأغلب عن ذكرياتك وخاصة فيضان بغداد !
عن الهايكو : خصصتك بمقال ضمن سلسلة عن شعراء الهايكو العراقيين نشرت في "المثقف" وفي مواقع أخرى منها "معكم" و "النور" و "الناس".. أسوة بسلسلة من مقالات "من الساكورا إلى الهايكو" بما في ذلك عمّن كتبوا من الشعراء العرب في هذا الفن أعني الهايكو، وتوقعت أن الهايكو العربي والعراقي تحديداً هو فورة سوف تخبو أنفاسها، وهذا ما حصل وذكرت سبب ذلك.. بوسعك أن ترجع اليها ضمن الرابط في المقالة أعلاه مكتوب بالأزرق، مع بقية مقالات السلسة وقد سهّل موقع "الناس" مشكوراً الوصول اليها .. كما يمكنك الرجوع الى أرشيفي في " المثقف" التي توقفت عن النشر فيها.. مع محبتي واعتزازي بالصديق محررها الأستاذ "ماجد الغرباوي"..
فارجع إليها متلطفاً أخي الكريم وستجدني أول من نوّه بمجمل نشاطك، بينما لم أجد من طرفك أي رد فعل سوى أنك تذكّر لكي أكتب ما فاتني من كتاباتك كهذا المقال أو ذاك الشعر.. الخ ولله در الشاعر القديم :
كأن لم يكن بين الحَجون الى الصفا – أنيسٌ ولم يسمر بمكة سامرُ
مع خالص محبتي وعتزازي
20ت/1أوكتوبر 2021
ملحق :
الأستاذ لطفي شفيق سعيد - وما أجمل الأسم !- هو الآخر ضابط بل هو من الضباط الأحرار وهو مناضل يساري عتيد وصلب حُكم بعد الإنقلاب الدموي في 8 شباط عام 1963 حيث عكس تجربته في نقرة السلمان تحت عنوان "1000 يوم في سجن نقرة السلمان"، وهي من أهم الكتابات التي كتبت في أدب السجون في العراق، حيث صوّر حياة السجناء اليومية بدقة بالغة وكذلك رسم أهم الشخصيات التي عايشها ونسي نفسه بتفان ونكران ذات، كما صور الحياة الثقافية في داخل السجن وروح التعاون الجماعي بين السجناء.. كل هذا بإسلوب شيق وجميل .
وكتب الاستاذ لطفي ذكرياته عن بغداد وعن حياته في الكلية العسكرية وكان وصفه لفيضان بغداد في الخمسينات وكفاح طلاب الكلية العسكرية من أجل إنقاذ المدينة من النهر الثائر تعد من أروع الذكريات، وخاصة خوضه في المياه حتى بعقوبة فهو من مدينة الخالص.. والأستاذ أبو فراس رسّام مُجيد له لوحاته التي صوّر فيها الحياة البغدادية، وجمع بين مختلف الأساليب من الإنطباعية والتجريدية الحديثة، ولا غرابة فالأستاذ على صلة قربى بالعائلة الفنية لآل سليم وأعني بهم جواد ونزار ونزيهة .
مارس شاعرنا الفنان قصيدة النثر، وتعرّف قبل عام على قصيدة الهايكو عند قراءته ماكتبته عن الشاعر جمال مصطفى وقد أعجبه هذا الفن فراح يمارسه بلباقة وحماس الشباب، والعم لطفي قد نيّف على الثمانين ولكنه شاب في روحه ونشاطه واهتمامه وثقافته التي تجمع بين القديم والحديث وكلتاهما مشفوعة بخبرة عملية وفنية وثقافة واسعة.. كما سنرى من هاي - كو عراقي :
رأسُ سهم ظلُّه/ فوق بحيرة راكدة-/ بطٌّ يهاجر توّاً .
صفوفٌ متراصة/ سعفات ترتجف !!/عمال مسطر .
إنها أجواء الإرهاب التي تعكر صفو الإنسان حتى في عزلته مع الطبيعة حين تمر نفاثة وترسم خيطاً من دخان وتهزم أسراب البط ! عمال المسطر الكادحون يعرضون قوة عملهم بانتظار من يشتري، يرتجفون خوفاً من مفخخة طالما استهدفتهم.. رائع يا أستاذ لطفي، الكلمات مقتصدة لكنها مشحونة بحسن الإيماء وجمال التصوير.. وفي السياق نفسه يتحول لليومي العادي :
أكثر ما يعجبه فيها !/ صدرها وأفخاذها/ يتناولها بشهية .
أراد المزاوجة بين الدجاجة المشوية والإيماءة الخادعة عن جسد المرأة الذهبي !
أسرار مهمة/ يخفيها صاحبها :/ يستلمها الدّفان .
وهنا أتذكر حكاية علي آل صويّح عندما أوصى أن تُخرج يدُه من التابوت عارية ويمر موكب المشيعين القلائل على الشيخ حمد آل حمود فصاح عندها حمد : حتى وأنت ميّت تنصحني ! وكذلك بشخصية الدّفان السكير في هاملت حين يصيح بالأغنياء : أطعموا ديدانكم !
رفقاً بالحيوان / مطلوب أيضاً رفقاً بالإنسان .
المفارقة عادية جداً ولغة تخلو من الشاع رية، ليتك تحذفة يا أبا فراس على خلاف ما سبقه . ومن ناحية أخرى، سنجد كيف انعكست تجربة سجن نقرة السلمان في هذه المقتطعات :
سجين سياسي/غادر السجن/ ليعود مجدداً للحياة .
في غياهب الجبِّ/ 6 أمتار تحت الأرض/ قبو السلمان .
لامكان لشخص آخر/ 180 زفير وشخير/ قاووش 3 السلمان .
القمر منيرٌ/ في الداخل-/ فانوس في القاووش .
في هذا النضد لغة واضحة وتصوير دقيق لحياة السجن، وأعتبرها تجربة فريدة في شعر السجن تقترب من الهايكو.. لكنني لست مع الأرقام بل أريدها بلغة مكتوبة بالأحرف حيث الأرقام لغة الإحصاء وليس لغة الشعر . أختار منوعات من الهايكو للأستاذ لطفي :
التي وهبتني قبلة/ أمام زوجها !!/ ابنتي .
بعيد ميلاده 17 (السابع عشر-خ)/ يتقن ثلاثة (ثلاث-خ) لغات-/حفيدي .
ولننتقلِ الآن إلى هذه المقتطعات الهادفات اللاتي تنم عن ثقافة الأستاذ لطفي شفيق سعيد والتزامه السياسي والإنساني :
عَشاء في الخيام/ رملٌ وهوام !!/ كم هو رخيص .
جسر الأئمة / جسر بزيبز/ جسر التنهدات .
رواية/ لمن تقرع الأجراس/ تقرع اليوم للإرهاب .
مشابهة لآلهة الجمال/ بندقية بيد وراية بيد-/ من أجل الحرية .
يتناول الشاعر محنة المهجرين في الأول والثاني، ويستحصر مشهد جسر الأئمة حيث إزهقت أرواح المئات من زائري الإمام الكاظم بحادثة معروفة، وتجمع النازحين من الأنبارعند جسر بزيبز إحدى البوابات المؤدية الى بغداد... وبين رواية لمن تقرع الأجراس لأرنست همنغواي التي عكست أجواء المتطوعين الأممين للدفاع عن الجهورية الإسبانية الفتية وخاصة البطل الأمريكي روبرت جوردَن الذي ظلّ مترددا بين تفجير الجسر لمنع قوات فرانكو من الزحف وبين تعلقه بالشابة المقاتلة التي أحب.. ثم أدخل الفنان لطفي شفيق سعيد في المقتطعة الأخيرة اللوحة الشهيرة للفنان الفرنسي أوجين دو لاكروا "الحرية تقود الشعب" والتي تتوسط اللوحة الحسناء الفرنسية الثائرة في الثورة الفرنسية الثانية عام 1830 والتي أسقطت عرش شارل العاشر ولتنصّب لوي فيليب الذي سيسقط هو الآخر بعد ثمانية عشر عاماً والأيام دول !!
1تموز/يوليو2015
ودونكم رابط موقع "معكم" الأغر:
https://maakom.link/article/mn-lskwr-flhykw-l-mwj-lhykw-l-rqy-5