حاورته بلقيس خالد :
الأستاذ محمد صالح عبد الرضا : مَعْلَم من معالم الثقافة العراقية في البصرة، وجه لا يُنسى، كان يطل على البصرة من الشاشة الفضية في تلك السنوات الذهبية من عمر مدينتنا، يجعل مَن يراه ويسمعه يعشق اللغة العربية، فالأستاذ محمد يعطيها حقها الكامل كلمة كلمة وحرفاً حرفاً، وفي الحياة اليومية هو يتواصل مع الوسط الثقافي كله، بعيدا ً عن مفهوم (الجيل) وهكذا نال محبة الجميع فهو يصغي لكل الأجيال وتسعدهُ إبداعات مدينته البصرة . مسيرته الثقافية حافلة بالتنوع الإبداعي : فهو الشاعر والإعلامي والمحاور والأستاذ التدريسي الماهر في لغتنا العربية، وله مبادرات في كتابة جوانب من التاريخ الثقافي للمدينة من خلال الوقوف عند الاسماء البصْرية التي ارتفعت كالقناديل في أعناق النخيل...
حواري معه : محاول في الإصغاء إلى تجربة ثقافية ثرة، تجسدت في الاستاذ الكبير محمد صالح عبد الرضا .
- اسمٌ بصري عريق، ومثقف موسوعي، تميزت لغوياً وإعلامياً وشعرياً، ولك مساحة اجتماعية حميمة في مدينتنا البصرة، أقرأ لك شذرات تعريفية عن وجوه البصرة، ما الذي يمنع أستاذنا من إصدار الجزء الثاني من كتابك في هذا المجال ؟ وأنت تكتب عن أعلام البصرة، تصون ذاكرة البصرة من التلف الاجتماعي وتمنح الاجيال كنزاً عظيماً ؟
ج- لا شك أني اسعى لإتمام الجزء الثاني من كتابي ( قناديل النخل) وإعداده سفراً يرصد حركة الكلمة وجوهرها عند أدباء البصرة في القرن الماضي، ذلك لأن الكلمة المبدعة عندهم ما كان لها أن تكون كذلك لولا تماهيها مع الواقع الموضوعي لهذه المدينة المعطاء والحس المبدع فكان أدبهم ينبض بأحلامهم لتوكيد جوهر الانسان وأسباب وجوده وحقائقه .
- كيف ترى حال الشعر العراقي الآن ؟ القصيدة العمودية انتشرت مجدداً هل لمست ملامح تجديد في هذا الانتشار؟ وأين تجسد ذلك ؟ ومن هم الشعراء الذين برزوا في هذا المجال ؟
ج- وضع الشعر العراقي الراهن يتذبذب بين انشغال المبدع بتميز في التكوين الشعري والتكلف الفقير في التجربة والتعبير . والقصيدة العمودية التي تنحو نحو الكلاسيكية الجديدة استطاعت عند كثير من الشباب أن تنهل من خيال شعري خصب يلتحم بالواقع وتلك حقيقة مهمة لا تبتعد عن التجديد بل تراهن عليه .
*أصدرت (طائر السعف) وبعد سنوات وسنوات أصدرت (قصاصات جنوبية) ماهي أسباب الانقطاع الشعري ؟ وما هي اسباب الغزارة البديعة حيث بعد سنوات قليلة أصدرت ( الأرجوحة الفارغة) ؟
ج- لعل أهم أسباب الانقطاع الشعري تلك الانشغالات بالقراءآت الأدبية وأهميتها في تكوين مقتربات نقدية سمحت لي في إنجاز ثلاثة كتب هي : ( الموجز النقدي) و ( صور قلمية لمبدعين بصريين) و( سألني صباحي) إضافة إلى كتاب أنجزته في سبعينيات القرن الماضي عنوانه ( احتمالات الكتابة : مقالات وحوارات) كما أصدرت في مطلع هذا العام مجموعة مقاطع ها يكو بعنوان ( اطلالات واضحة) .
- لك تجربة ثرة في الإعلام المرئي والمكتوب.. أين الفضائيات عنك ؟ وأنت علَمٌ من الإعلام في التلفظ البديع للمفردة العربية ولديك نبرة متفردة ؟
ج- الاعلام المرئي والمكتوب يتطلبان التزامات زمنية احترمها احتراماً للزمن، غير أن العمر والمرض أخذا مني ما يحول دون ذلك، والحمدلله الذي وهبني ما يفخر به أهلي وأصدقائي في المخزون اللغوي والقدرة الصوتية المتواضعة .
- هل تطور الإعلام العربي والعراقي بالشكل الذي ينفع المواطن ؟
ج- يبدو أن التحولات الاجتماعية المتسارعة تقنياً وفكرياً القت بظلالها على الإعلام العربي والعراقي، بحيث تطور حينا ً وتراوحاً حيناً آخر، وتشكل الحوارات الديمقراطية معينا مهماً يرفد الاعلام بمتطلبات النهوض، لكن المؤشر المهني يكاد أن يكون به حاجة ملحة للتدريب والتأهيل .
- كيف تنظر إلى الإعلام الشخصي أو الكروبات على الفيسبوك : يصدرون خبراً أو نشاطاً، فيه أحياناً نسبة من الشائعات ؟ بهذا الخصوص كيف يعالج الامر؟
ج- كروبات الفيسبوك بعضها متزن فيما ينشر وله مصداقيته في الأخبار والمعلومات العامة، وبعضها ينشر قصدياً ما يشير إلى الإشاعات قد يتحسسها النابهون ويزدروها، وتلك غرضها قصدي، أما لخلق خصومات أو تسقيطات شخصيّة تخلو من أي حس أخلاقي صائب وإنما حسها يعرض بفقر الحق والحقيقة .
- نحتاجك الآن في محاضرة لغوية لتتنسم الأسماء الجديدة من أريج خبرتك اللغوية ؟
ج- ليس ثمة مانع من تقديم محاضرة لغوية، ولا أجدني أجدر من غيري من المهتمين بالعربية ومشكلاتها اللغوية، وأني أشعر بالأسف الشديد للذين يكتبون ويتصورون أنفسهم ( أدباء) ! وهم يخطئون في ابتدائيات اللغة .
- أنت تجيد التحاور الإعلامي والثقافي، رأيتك تحاور شخصية خصيبية من خلال شاشة التلفاز، لديه كراريس عن تاريخ البصرة، فتعرفت عليك من خلال أحد أخوتى حيث طالبنا بالسكوت وذكر اسمك بإجلال .. وقبل سنوات قرأت كتيبا صادر من الموسوعة الصغيرة وأنت تحاور الجواهري ما أن انتهيت من كتابك التحاوري حتى استعنتُ بأسرتي وتوصلنا إلى كتاب سيرة الجواهري . لذا أتمنى عليك أن تحدثنا عن علاقتك بالجواهري ؟
ج- حواري مع الجواهري الكبير الذي نشرته في كتابي ( حوارات مع الجواهري) كان حواراً افتراضياً، وأما علاقتي بالجواهري فتعود الى المربدين الاول والثاني بين 1971- 1972 فقد قدمني اليه استاذي المرحوم الشاعر الكبير مصطفى جمال الدين، قدمني بوصفي شاعراً شاباً حينذاك .
- شخصية بصرية عظيمة خسرناها ثقافيا . هذه الشخصية أنا التقيت عبر التواصل الاجتماعي مع نجله الأستاذ حسن .. نود أن تحدثنا عن خزائن الاستاذ العظيم كاظم خليفة ؟ وهل يمكن اصدار ما تبقى منها من خلال المواقف النبيلة للأستاذ زكي الديراوي ؟
ج- هذه الشخصية الموسوعية في اللغة والأدب والتأريخ قديماً وحديثاً استاذنا المرحوم كاظم خليفة بالإمكان تقديم محاضرة عنه ولا تكفي سطور قلائل لبيان قدرته الثقافية وبيان بلاغته الأدبية وثقافته اللغوية النادرة . أما عن نتاجه الأدبي واللغوي الذي تجاوز عشرة كتب ( مخطوطة ) فقد غمرها الطين وتلفتها المياه الآسنة في مكتبة بيتية ظلت مغلقة لأكثر من عشرين سنة وسقطت في الطين ولم تعد تقرأ الآن اكثرها مكتوب بالقلم الرصاص .
10- كتبت عن اعلام البصرة وكانت محبرتك قارورة عطر متى يكون لنا من خلالك قارورة عطر أُخرى تحتوي سيرتك الذاتية أو وقفات أو تأملات في سيرتك الذاتية ؟
ج- يبدو لي أن الذين يكتبون سيرهم الذاتية من الشعراء، هم من التميز بحيث تتعاقب عليهم الفصول وهم في تجديد وتجاوز ملحوظين فيما ينتجون، وتكون لهم مواقف شعرية وفكرية لها سحرها الخاص ولأني لست منهم، أرى أن ذلك أمرٌ يقدره الابداع فقط، ولا أقول ذلك تواضعاً وإنما هذا الذي تركز في احساسي وذهني .
11- من خلال تجربتك الثقافية الخصبة هل لديك نصوص قصصية او مسرحية ؟
ج- لم اكتب القصة أو المسرحية، لأن دائرة اهتمامي ظلت بالشعر والنقد واللغة وبحوثها، غير أن لي محاولة وحيدة يتيمة وهي أني كتبت قصة قصيرة رومانسية وأنا في الاعدادية وكانت بعنوان ( فتاة الشاطئ) نُشرت في جريدة وصوت البصرة – صيف عام 1965 .
12- الحركة الثقافية النسوية في البصرة، هل حققت بصمتها الثقافية في رأيك ؟
ج- نعم، ثمة بصمة ثقافية تحققت عند قليلات من مبدعات البصرة، وما عداهن، بهن حاجة إلى التواصل في القراءة الأدبية والتوسع في معرفة أسرار الفن الذي يكتبن في مداره .