بعد أسابيع قليلة من استقلال تونس في20 مارس1956 صدريوم 13 أوت 1956 القانون المنظم للحياة الأسرية تحت عنوان مجلة الأحوال الشخصية ومنذ ذلك التاريخ وتونس تحتفل به كيوم وطني لتحرير
المرأة وهي أول دولة عربية وإسلامية تتخذ مثل هذا الإجراء الثوري الذي حرر شريحة هامة من شرائح المجتمع ألا و هي المرأة تلك ا لتي نكن لها كل التقدير و المحبة باعتبارها أما و أختا و زوجة و ابنة فهي إنسان كامل الإنسانية فلماذا تبقى تعيش على هامش المجتمع ونلغي لها كل دور تبعا للمنظومة الفقهية التقليدية التي ظهرت في ظروف تاريخية معينة وعادات وتقاليد بالية لا تستجيب لتطلعات العصر وتحدياته بالنسبة لأمتنا التي تحتاج اليوم إلى كل الكفاءات والقدرات فيها لمواصلة مسيرة الحياة دون تعثرعلما بأن الذي كبل المرأة العربية والمسلمة قرونا عديدة هي المنظومة الفقهية التقليدية والعادات والتقاليد البالية خلافا لأحكام الشريعة الإسلامية السمحة التي تقرر أن المرأة مساوية للرجل في الإعتبار الإنساني وفي الحقوق و الواجبات والتقاضي و حق الحياة الحرة الكريمة دون تعسف أوضغط من أي كان وكذلك ضمنت لهاحق الملكية و حق الإرث فكلها حقوق مضمونة للمرأة في شريعتنا الإسلامية لا فرق بين الرجل و المرأة .بقي أن هناك بعض العناصر لا بد من توضيحها في خصوص تعدد الزوجات في الشريعة الإسلامية و منع ذلك في القانون التونسي فهل يعتبر مثل هذا القانون مخالفا لأحكام الشريعة الإسلامية؟ قطعا الجواب سيكون بلا و ذلك أن الإسلام لم يفرض التعدد بقوله تعالى و إن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث
ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أوما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا
) 3النساء
و في آية أخرى يقول تعالى و لن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء و لو حرصتم
129 النساء
فمن مجموع هذه الآيات يتبين لنا موقف القرآن واضحا لا لبس فيه فإنه لم يفرض التعدد فرضا ملزما وإلا لوجب أيضا الإبقاء على الرق لأن الآية الأولى تشير إليه وهو أمر غير مقبول اليوم وإنما سمح به الإسلام في ظروف تاريخية معينة وحاجة المسلمين لزيادة النسل وإن كان الموقف الذي يميل إليه القرآن هو الإكتفاء بواحدة حسب منطوق النص بحيث لا يسمح بالتعدد إلابشرط العدل الذي لا يمكن تحقيقه باستعماله صيغة لن التي تفيد المستقبل أما بخصوص سيرة الرسول عليه السلام فإنه كإنسان عادي اكتفى بالزواج من
امرأة واحدة هي السيدة خديجة رضي الله عنها أما بقية الزوجات فقد تزوجهن لإعتبارات أخرى تتعلق بظروف الدعوة والمواجهة المفتوحة بينه وبين أعداء الإسلام وقتها فالقانون التونسي عندمايشرع للزواج من امرأة واحدة فإنه لم يخرج عن قواعد الشرع الإسلامي بل التزم بمنطوق النص القرآني ومقصده المتمثل في حفظ
كرامة الإنسان ومسايرة الفطرة الإنسانية التي جبلت على الإكتفاء بوحدانية التزاوج وكذلك منع إهانة الإنسان خاصة وأن السماح بالتعدد كان في ظل ظروف قاسية تمتهن فيها كرامة المرأة في العصر الجاهلي فكون المرأة زوجة ثانية او ثالثة أو رابعة أفضل لها من أن تعامل معاملة مهينة ومذلة لكرامتها.
أما في خصوص الطلاق فالقانون التونسي يسمح للمرأة بحق إنشاء الطلاق إذا استحالت الحياة مع شريكها الرجل على أن يكون الأمر في كل الحالات لدى المحكمة وهذا أيضا لا يخالف أحكام الشريعة الإسلامية إذ يقول تعالى فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به ) 220 البقرة فإذا كان القرآن يمنحها هذا الحق فلماذا نحرمها منه وعندما يكون الطلاق لدى المحكمة فتضمن للمرأة حقوقها كالنفقة و الحضانة و السكن بحيث لا يمكن للزوج أن يتعسف عليها أو يخرجها من بيت الزوجية أو يرسل لها ورقة الطلاق
مع قفة المصروف كما كان يحصل سابقا لذا عندما يكون الطلاق بيد المحكمة أي عن طريق القضاء المحايد الذي يراعي ظروف الأسرة و لا يوقع الطلاق بمجردالرغبة بل بعد محاولات للصلح بين الزوجين وهذا الأمر وارد في أحكام القرآن وهو الوحي السماوي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه
أبدا أما المنظومة الفقهية فإنها مجرد إجتهاد بشري محكوم بظروف تاريخية وأوضاع معينة فإن مخالفتها لا تعد تجاوزا للشريعة بل الأصوب أن نجتهد من جديد وفق متطلبات عصرنا بما لا يخرجنا عن ثوابت الدين لذا لا بد من التفريق بين الشريعة وهي أحكام إلاهية لايحق لأي كان مخالفتها و بين المنظومة الفقهية وهي اجتهادات بشرية خاضعة للخطإ و الصواب و تراعي ظروف الزمان و المكان الذي صيغت فيه لذا فمخالفتها
يدخل ضمن الإجتهاد المأجور أصلا .
كما أن الطلاق يقتضي إيقاعه ضمن ظروف عائلية مستقرة أي لا يكون تحت تأثير
النزوة و الشهوة و الغضب لذلك يقول الرسول عليه السلام لآبن عمر عندما
طلق زوجته في طهر مسها فيه لقدأخطأت السنة ما هكذا أمرك ربك ثم أمره
بمراجعة زوجته. فهذا الإستقرار في نطاق الأسرة و التفكير مليا وبشكل جدي هو المعبر عنه بالطلاق السني الذي لا يكون في ظروف نفسية أو عصبية أو مزاجية غير طبيعية للمرأة أو الرجل على حد سواء وهو الأمر الذي يدعو إليه القانون التونسي في إيقاع الطلاق بيد المحكمة .
الناصر خشيني نابل تونس