أُمُّ الدنيا !

2016-09-03
ب. ثيرو   Paul Theroux الذي رحلَ عن عالمِنا، منذ عهدٍ قريبٍ، أكاديميٌّ مرموقٌ، وروائيٌّ أُخرِجَت رواياتٌ له في السينما، ومن بينِها سانت جاك، وساحل البعوض، وشارع القمر المنتصِف .
لكن شهرته الباذخة أتت من رِحلاته، التي دوّنَها كتُباً في غاية الجمال والفائدة والدُّعابةِ .
أزعُمُ أنني قرأتُ مُعْظمَ ما كتبَ، وما كتبَه ليس بالقليل  .
وأزعمُ أيضاً أنني انتفعتُ بما كتبَ وتلذّذتُ .
من كتُبِ الرحلة التي أعجبتْني، كتابه الصادر في العام 2003، بعنوان " سِفارُ النجم الأسود"،
بَرّاً من القاهرة إلى مدينة الكاب .
لقد انحدرَ مع النيل عبرَ السودان والحبشة وكينيا وأوغندا، ليحطّ الرحالَ في منتهى إفريقيا الجنوبية .
وفي رِحلته هذه، استعملَ وسائطَ نقلٍ عدّةً : القطار . الزورق المنحوت من جذعٍ . حافلة الدجاج .
شاحنات الماشية .
*
أمُّ الدنيا  تعبيرٌ من ثيرو نفسه :
The mother of the world
أورِدُ بعضاً من انطباعاته عن القاهرة :
حالة الطقس المنشورة في " برواز " بالصحيفة القاهرية هي ( غبار ) في يومٍ باردٍ من فبراير وصلتُ فيه،
يومٍ ذي ريحٍ رمليّةٍ وسماءٍ مغبَرّةٍ . حالة الطقس في الغدِ، كانت ( غبار ) أيضاً، ليس من درجات حرارة،
لاشيءَ عن الشمس  والغيم والمطر . كلمة واحدة فقط ( غبار ) . كان نوعاً من تقريرٍ جوّيٍّ  قد تتوقّعه عن المرِّيخ .
بالرغم من هذا كله، فإن القاهرة ( عديد سكّانها 16 مليون نسمة )، مدينةٌ ذات هواءٍ فاسدٍ واختناقٍ مروريٍّ، لكنّ العيش ممكنٌ فيها، بل مؤنسٌ، بفضلِ أهلِها الأصَلاء،  ونهرِها العريضِ المتطامنِ، بُنِّيّاً
تحت سماءٍ بُنّيّةٍ .
السائحون ظلوا يزورون مصر، منذ 2500 عام .
وكان هيرودتس ( 480- 420 ق.م ) أولَ زائرٍ منَظَّمٍ . لقد أدهشته جغرافيا مصرَ وأطلالُها، وكان أيضاً يجمع معلومات عن كتابه " التاريخ " الذي كرّسَ مجلّده الثاني بأكمله عن مصر . بلغَ هيرودتس في رحلته
" الشلاّلات الأولى "، أي هي أسوان .
في ما بعدُ، تدفّقَ الأغارقةُ والرومان على مصر، ينهبون القبورَ، ويسرقون ما يقدرون على حمله، مخلِّفين غرافيتي  ما زالت ماثلةً حتى اليوم .
حتى  الـمُشَيَّداتُ الكبيرةُ سُرِقتْ جزءاً جزءاً، ولألفَي عامٍ، كانت هذه ( مثل المسَلاّتِ ) تؤخَذُ لتُنصَبَ
في بقاعٍ أخرى، للفُرْجةِ .
ومع أن المسلاّتِ كانت مقدّسةً عند إله الشمس، فلا أحد يحملُ فكرةً عن معناها .
المصريّون يسمّونها  Tekhenu
والأغارقةُ يسمّونَها Obeliskos
لأنها تشبه أسياخَ الكباب .
المسلّة المسروقة الأولى نُصِبَتْ في روما  في العام العاشر قبل الميلاد .
ثم تلَتْها عشرٌ أخرَياتٌ .
الراهبُ الألماني فليكس فابري من " أولْم "  زار مصر في العام 1480، ودوّنَ ملحوظاتٍ عن رحلته .
في هذه الملحوظات تخطيطُ لمسلّةٍ في الإسكندرية .
هذه المسلّة منتصبةٌ، اليوم،  في الحديقة المركزية بنيويورك .
وبروح النهب والغنيمة إيّاها سرقَ موسوليني مسلّةً أثيوبيّةً من القرن الرابع، هي مسلّة أكسوم، التي تنتصبُ الآن أمام  " منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة "  في روما .

لندن 30.11.2015

سعدي يوسف

 شاعر عراقي وكاتب ومُترجم، وُلد في ابي الخصيب، بالبصرة عام 1934. اكمل دراسته الثانوية في البصرة. ليسانس شرف في آداب العربية. عمل في التدريس والصحافة الثقافية . غادر العراق في السبعينيات وحاليا يقيم في لندن ونال جوائز في الشعر: جائزة سلطان بن علي العويس، والتي سحبت منه لاحقا، والجائزة الإيطالية العالمية، وجائزة كافافي من الجمعية الهلّينية. في العام 2005 نال جائزة فيرونيا الإيطالية لأفضل مؤلفٍ أجنبيّ. في العام 2008 حصل على جائزة المتروبولس في مونتريال في كندا . وعلى جائزة الأركانة المغربية لاحقاً

عمل كعضو هيئة تحرير "الثقافة الجديدة".

عضو الهيئة الاستشارية لمجلة نادي القلم الدولي PEN International Magazine

عضو هيئة تحرير مساهم في مجلة بانيبال للأدب العربي الحديث .

مقيم في المملكة المتحدة منذ 1999.

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved