ثلاث طرق إذا ما سلكها الزوجان تقودهما إلى جهنم العنف الأسري، وهي الخلل في العلاقة الجنسية، والتشوش في قنوات الحوار والتفاهم، والتوتر الناجم عن المشاكل الاقتصادية .
الطرق الثلاث استخلصها خبراء ومتخصصون في مجال مجابهة العنف ضد المرأة عبر دراستهم المستفيضة لحالات واجهت العنف الأسري، مؤكدين أن وضع الإصبع على الخلل هو نصف الحل.
أما النصف الآخر للحل فيساهم به المجتمع وما تقدمه مؤسسات المجتمع المدني من حلول لتخطي العنف وآثاره لمن يتمكن من الوصول إليهم.
وبرأي الخبراء فإن السكوت عن الأسباب السابقة يفاقم حالة العنف داخل الأسرة، ما ينعكس سلبا على المجتمع المحيط بها.
ودعوا إلى إدخال تعليم أساليب الحوار والاتصال المجتمعي، والتثقيف الجنسي ضمن ضوابط علمية ودينية، في المناهج الدراسية للراشدين والمقبلين على الزواج.
وخلصت دراسة وطنية إلى أن 6و40 بالمائة من الزوجات والأمهات هن أكثر تعرضا للعنف داخل الأسرة.
وأشارت إلى أن أكثر الفئات ممارسة للعنف داخل الأسرة هم الزوج بنسبة 5و43 بالمائة والأب 4و31 وتأتي في المرتبة الثانية الزوجة والأم بنسبة 6و8 بالمائة.
وتتفاوت الأسباب السابقة من حالة إلى حالة، غير أن اللافت وفق ما قال الخبراء أن أسباب العنف الأسري ومسبباته تختلف من فئة عمرية إلى أخرى.
وقسمت مديرة دار الوفاق الأسري أمل العزام المتعرضين للعنف إلى ثلاث فئات عمرية، مشيرة إلى أن السبب الأبرز الذي يقود على العنف في الفئة العمرية (14 - 25) سنة التواصل العائلي الضعيف .
ولفتت إلى أنه إذا كانت هذه الفئة من المتزوجين فإن الزواج المبكر أحد هذه الأسباب، إلى جانب عدم التفهم لاحتياجات العلاقة الخاصة بين الطرفين، وضعف الفهم المتبادل لاحتياجات كل طرف.
وعبر خبرتها التي اكتسبتها من دراسة الحالات التي تأتي إلى دار الوفاق فإن عدم تلبية الاحتياجات العاطفية لأفراد العائلة يقود إلى العنف الأسري ، والاحتياجات العاطفية هي بين الآباء والأبناء وبين الزوجين أيضا.
وتقع هذه الفئة بحسب العزام في فخ التعبير غير الصحيح عن المشاعر بمعنى أنها تسلك طرقا لتعبر عن شعور ما يصيب الطرف الثاني (الأب أو الزوج أو الأخ)، بحالة تدفعه إلى العنف، كالتعبير عن شعور الإهمال. والفتيات ما بين عمر 14 و20 سنة يقعن وفق العزام في مأزق الجرأة غير المتوازنة، وعدم تقدير عواقب الأمور ، يصحبها عدم امتلاكها لرؤية واضحة لمفهوم العلاقة مع الجنس الآخر.
وشددت على أهمية توعية هذه الفئة على مهارات التواصل الاجتماعي، مشيرة إلى أن التوعية تقع على عاتق الأسرة والمدرسة ومؤسسات المجتمع المدني.
وبينت أن الفئة العمرية من (35 - 40) العامل الرئيسي الذي يؤدي إلى العنف بالعلاقة هو عدم تفهم مشاعر الطرفين ، موضحة أن جزءا كبيرا من حل الإشكال هو معرفة احتياجات الشريك أو الابن، بحيث يصلون إلى تسوية، ليست على حساب الاحتياج.
ويصعب الوصول إلى العلاج مع الفئة العمرية من (40 - 60) وفق العزام، لتراكم المشاكل، ولأنهم تعودوا على نكران الذات، وكلا الطرفين يعتبران نفسيهما مضحيين.
ومعضلة هذه الفئة أن أولادهم يتأثرون بهذا الوضع، ما يشعرهم بالخوف من تكرار التجربة نفسها، ويلتصق فيهم شعور بالذنب نابع من تكرار ذويهم القول لهم إننا نضحي ونتحمل من أجلكم .
وطالبت لتجاوز دوامة العنف إلى توعية أفراد المجتمع كافة على أساليب الحوار والتواصل، وتفهم احتياجات بعضهم البعض، داعية أن يتم البدء مع فئة المراهقين والمقبلين على الزواج والمتزوجين حديثا.
وفي السياق ذاته بينت المديرة التنفيذية لمجموعة القانون من أجل حقوق الإنسان المحامية إيفا أبو حلاوة انه عبر ودراسة الحالات التي يستقبلونها فإن المشاكل الزوجية أساسها العلاقة الجنسية .
وفسرت بأن الخلل في العلاقة الجنسية يتعلق بعدم تفهم كل طرف احتياجات الطرف الآخر، والجهل بحقوق وواجبات كلا الطرفين بهذه العلاقة.
وأوضحت أنه في الغالب لا يفصح الزوجان عن هذه الأسباب، حتى عند وصول المشكلة إلى الأهل لا يتحدثون عن هذا الخلل في العلاقة بل يتذرعون بالمشاكل السخيفة، هروبا من الحقيقة.
وأشارت إلى عنف آخر يخص فئة الأزواج الشباب وهو العنف الاقتصادي، موضحة أن بعض المتزوجين حديثا تبرز عندهم هذا النوع من العنف الناجم عدم السماح لزوجة بالقيام بواجباتها المالية تجاه أهلها أسوة بالزوج، فتبدأ دائرة المشاكل والعنف بينهما.
والنوع الثاني وفق أبو حلاوة يعود إلى تراكم الديون والمشاكل المالية التي ترتبت على الزواج، فبعد فترة قصيرة من الزواج تبدأ الخلافات على الأمور المالية وتسيير الأمور.
وبينت أن النوع الأول من العنف الاقتصادي تجبر المرأة من بداية الزواج على أن لا يكون لها قرار براتبها، إلى حد أن الزوج يتصرف بالصراف الآلي الخاص بها دون العودة إليها، ما يشعرها أنها تعمل بالسخرة.
وركزت أن الجهل بحقوق المرأة وواجباتها بعقد الزواج يساهم بالإمعان بهذا العنف، فالمرأة بحسب أبو حلاوة لا تدرك أن من حقها أن توثق بعقد الزواج الأمور المالية، بما يكفل حقوقها في حالة الطلاق أو الوفاة.
ولا تختلف مسؤولة البرامج والأنشطة في المعهد الدولي لتضامن النساء إنعام العشا مع الاتجاه القائل بان الوضع الاقتصادي يسبب حالة إحباط وتوتر وضيق يؤدي على العنف، ومن المسببات أيضا الجهل والمخدرات.
ولفتت إلى أن معظم الحالات التي تراجع المعهد بقصد طلب المساعدة النفسية والقانونية، عند التحدث إليها نستكشف أن العلاقة الخاصة بين الزوجين مضروبة بالصميم، وهي عامل أساسي بالاستقرار النفسي والعاطفي .
وقالت إن الغياب الكامل للثقافة الجنسية أحد مسببات العنف، مشيرة إلى أن كل ما يتعلق بهذه العلاقة يدخل في إطار المسكوت عنه ضمن منظومة اجتماعية تدخله في باب الحياء .
وأضافت أن بداية التنشئة يكون هناك فهم مختل عن العلاقة الجنسية وعن الحقوق، لذلك تصبح العلاقة بين الزوجين غير سوية تؤدي إلى العنف. ودعت إلى وضع استراتيجية يتوافق عليها الرسمي والأهلي ويتم إقرارها، لإرساء قواعد تدريس الثقافة الجنسية بالمناهج، ضمن ضوابط علمية ودينية، حتى لا يكون ثمة داع للشك بالحديث عن الإباحية الجنسية.
وحضت الإعلام والمؤسسات الدينية أن يكون لها دور في الموضوع، لتوضيح حدودها وضوابطها، نظرا لأن الأذن تستمع بسهولة ويسر للرسائل الدينية.
وشددت على أن تكون رسائل التوعية موجهة إلى المجتمع بكامل فئاته العمرية وللنساء والرجال معا، وحتى وإن كان مدخلها الشأن الصحي.
ولفتت أن دائرة العنف تشمل الجميع ولا يستثني أي إمرأة بناء على مستواها العلمي أو وضعها المادي أو مكان سكنها، ولا يختلف من مكان جغرافي إلى آخر، والدليل انه مشكلة عالمية.
وتناولت العزام الأساليب العلمية الحديثة التي تتبعها دار الوفاق في التعامل مع الحالات التي وصل عددها في العام الماضي 290 حالة والعام الحالي ارتفع العدد إذ يقارب الرقم السابق مع انقضاء شهر آب الماضي.
ولفتت إلى أن العنف يعرف بأنه يبدأ بفكرة آلية تأتي من الذهن بطريقة تلقائية مبنية على شيء قديم سواء كان معتقدا أو شيئا تربينا عليه ، إذا كانت الفكرة الآلية من تجربة مريرة تحتاج إلى علاج، وإذا عدنا إلى مصدر الفكرة تحل المشكلة.
خطوات علاجية
وتحدثت عن خطوات العلاج التي تبدأ باستقبال الحالة لتي تتعرض للعنف إما عبر إدارة حماية الأسرة أو مؤسسات المجتمع المدني أو عبر الخط الساخن لدار الوفاق الأسري.
الخطوة التالية وفق العزام تكون بترك الحالة مدة تتراوح ما بين 24 ساعة إلى 48 ساعة حسب طبيعتها ومدى الأذى التي تعرضت له. وأوضحت أن هذه الخطوة تعد جلسات تفريغ للحالة، بحيث يقدم لها الدعم النفسي دون أن تسال عن وضعها.
والخطوة الثالثة يتم اجتماع الحالة مع الإدارة والأخصائية التي عينت لحالتها، لوضع خطة عمل علاجية، يستخدم فيها تقنيات مختلفة وهي (خرائط الذهن أي إعادة الشخص إلى الذكريات القديمة وصولا إلى السبب الأساسي للمشكلة)، (العلاج المعرفي)، و(النظرة الشاملة للوضع الصحي، والاقتصادي، ووضع جميع أفراد العائلة).
وأضافت أنه إذا كانت الحالة محملة بأعباء كبيرة يتم البدء معها بتفريغ (كأس العواطف) وهو الإفصاح عن التجارب السيئة والسلبية حتى يحل محلها الأمور الإيجابية.
وعلى ضوء ما تقدم توضع الخطة التقييمية ومن يجب مقابلتهم من الأهل، ويتم التعامل معهم بنفس الطرق السابقة، وبعدها تقارن بيانات ومعلومات الطرفين، إذا تطابقت تعد خطة العمل وتوقع الفتاة عليها لتحمل المسؤولية، وتنفيذ أي هدف بالخطة للوصول إلى حل.
أما إذا ظهر تناقض بين بيانات الطرفين فتعاد دراسة البيانات كاملة لإيجاد نقاط الخلاف بين الفتاة والطرف الآخر إلى حين التوصل إلى الحقيقة بالأمر. وبينت العزام أن نسبة التوصل للحل للحالات التي راجعت الدار وصلت إلى 91% وعادت الحالات إلى بيتها الأصلي بنسبة 74% وفيما 17% تم إرسالهن إلى أسر بديلة من الأقارب.
وشددت على نقطة بالغة الأهمية وهي أن علاج العنف لا يتأتى بالشعارات، بل ينبغي أن يتضمن التوعية الشاملة بطرق التواصل بالأسرة والسعي إلى تلبية احتياجات العاطفية للأفراد، على أن تبدأ التوعية مع فئة المراهقين، مع التركيز على المقبلين على الزواج، والمتزوجين حديثا كمرحلة أولى، على أن تشمل كل أفراد المجتمع، ولا تقتصر على النساء.
داعية كل إنسان يشعر بالتوتر أن يلجأ إلى مختصين لتفريغ كأس العاطفة الذي بداخله ليتمكن من استقبال العواطف الإيجابية الأخرى.
وعن الحلول التي تطرحها مجموعة القانون من أجل حقوق الإنسان (ميزان) للمرأة المتعرضة للعنف قالت المحامية أبو حلاوة إنهم ينفذون برنامج وئام للمصالحة الأسرية.
ولفتت إلى أن المرأة التي تتعرض للعنف وتصل إلى ميزان يتم طرح أمامها حلين الأول إما اللجوء إلى قانون العقوبات لمعاقبته على جريمة الإيذاء إما بالغرامة أو بالحبس أو كلاهما معا، أو إلى قانون الحماية من العنف الأسري.
فيما الحل الثاني يتمثل وفق أبو حلاوة بالتوجه إلى المحاكم الشرعية لطلب الطلاق أو كلا الحلين معا (الطلاق والعقاب).
وأوضحت أن نحو 99% من النساء اللواتي يراجعن ميزان يرفضن اللجوء إلى الحلين السابقين فلسان حالهن يقول نريد حلا آخر غير الطلاق، فنحن نحتاج إلى التخلص من العنف مع الاحتفاظ بالزواج .
ولفتت إلى أن ميزان لديه برنامج وئام للمصالحة والتوفيق الاجتماعي، الذي يساهم بحل القضايا الأسرية، موضحة أنه عندما تأتيهم الزوجة المعنفة وتشرح حالتها، يتم توجيه رسالة إلى الزوج إما التفاهم للوصول إلى حل النزاع أو اللجوء إلى المحاكم.
واللافت بحسب أبو حلاوة فإن 90% من الأزواج التي توجه لهم رسائل يأتون إلى ميزان، لكن هؤلاء تتنوع أسباب مجيئهم ما بين أنهم غاضبون لأن الرسالة موقعه من محامية وكيف تجرؤ على طلبهم للمثول أمامهم، فيما القسم الآخر لأنهم يرغبون بالصلح وحل النزاع.
وترى أن النزاع الأسري له طرفان ينبغي سماعهما ومعرفة الأسباب المؤدية له، فإن الحوار ضرورة لحل النزاع وإيضاح للزوج أن العنف لا يؤدي إلى حل الخلاف.
وأشارت إلى أن الزوج عندما يشعر أن جهة تساند زوجته ينصاع إلى الحل، ففي البداية يأتي وهو يعتقد أن زوجته ضعيفة معنويا وماديا لن تتمكن من مواجهته بالمحاكم، لكن حين يدرك أن ميزان سيتكفل بمصاريف المحاكم وهنا نطرح الحل عبر الحوار ، وفي الإثناء تتم توعية المرأة بالقانون.
ولفتت أبو حلاوة إلى أنه عندما ترجح كفة المرأة عبر معرفتها بحقوقها القانونية، يتوصلون إلى الحوار والتفاهم مع زوجها للوصول إلى حل النزاع. وقالت أن نصف الحل نتوصل إليه عندما يتحدث الزوجان بصراحة عن مشكلتهما والتي يكون سببها بالغالب العلاقة الجنسية بين الزوجين، فالوضوح والصراحة توصلهما إلى الحل.
ويتبع ذلك وفق أبو حلاوة توقيع اتفاقية مرضية لكلا الطرفين، يتعهد بها الزوج بعدم التعرض لزوجته بالعنف، والتأكيد على أن العنف ليس طريقة لحل النزاعات الأسرية.
ونوهت إلى أن الاتفاقية لها قيمة قانونية تستخدم أمام المحاكم، مشيرة إلى أن لها تأثيرا في حل الخلاف، مبينة في حال استعصاء الحل يتم اللجوء إلى الخبراء أو رجال دين أو الأطباء النفسيين.
مكتب للشكاوى
وعلى صعيد متصل وبهدف الوصول إلى رؤية وطنية متكاملة لمجابهة العنف ضد المرأة،أنشأت اللجنة الوطنية لشؤون المرأة مكتب الشكاوى حيث سيستقبل الحالات مطلع الشهر المقبل.
وسيساعد مكتب الشكاوى بالتنسيق مع مختلف الجهات المعنية بقضايا المرأة بحيث يستقبل الشكاوى بالطرق كافة سواء الحضور إلى المكتب أو الاتصال، ومن ثم توثق الشكاوى مع مراعاة السرية عند اللزوم.
وسيعمل على توفير قاعدة بيانات لتوثيق الحالات التي ترد إلى الجهات المعنية كافة لتجنب وجود حالات تكرار لنفس الشكوى، وستكون المهمة الأساسية للمكتب هي استقبال الشكوى وتقديم المساعدة الأولية من خلال طاقم العمل في المكتب والمتضمن أخصائيين قانونيين واجتماعيين، ومن ثم إحالة الشكوى للجهات المختصة، ومتابعتها، حتى يتسنى للجنة عمل تقارير دورية حول أنواع الشكاوى وعمل إحصائيات دقيقة حول أعداد الشكاوى.
ولتسهيل مهمة مكتب الشكاوى تم تشكيل شبكة شمعة (شبكة مناهضة العنف ضد المرأة)، وهي شبكة مكونة من عدة منظمات ومؤسسات حكومية ومدنية تعنى بقضايا المرأة.
وستحال الشكاوى التي يستقبلها المكتب إلى أعضاء هذه الشبكة وحسب اختصاصاتهم بالإضافة إلى منظمات أخرى ، كما ستعمل الشبكة على المساعدة في تنظيم عمل المكتب والتنسيق معه ومع الجهات الأخرى المعنية.
وعبر لجان شمعة الفرعية المختلفة سيتم عمل دراسات تتناول العنف من وجهة نظر الدين والحياة الاجتماعية والقانون.