وبينها شيءٌ ينتفض

2008-03-29

من//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/a62dc726-032f-4730-b2eb-b1168fd2dfdd.jpeg عمق نومها المخضب بدموع القلب؛ تجتاحها اليقظة، تنهض من مرقدها ساندة ظهرها على تلك الوسادة الناعمة، تمد يدها لتلتقط نظارتها وتضعها فوق عينيها المجهدتين، تنظر مليا للمرآة المقابلة لسريرها فلا ترى شيئا، تحاول مليًا أن تركز فى المرآة كي ترى صورتها فلا تراها، ينتابها القلق وتخلع النظارة فاركة عينيها بأصابعها، محدثةً نفسها: لعله النوم ما زال يوشح عيني. تنتبه كيف ترى المرآة ولا ترى صورتها... ما الذي يحدث لها؟
تمد يديها أمام عينيها فتراها، ترفعها لتتحسس جسدها فتجد كيانًا هلاميًا، وكأنه وجود افتراضي يسمح بمرور يديها الى داخله، فتفزع... تخرج يديها مسرعة فتجدها سماءً مملوءةً بنجيمات تلمع بالدموع الحمراء، يصاحبها صوت لم تميز كونه موسيقى أم انتحاب، ربما كان خليطًا من الحالتين.
تحاول إعادة النظر إلى مرآتها مرة أخرى فيدهشها ما ترى.. لا وجود لها فى حجرتها، ولكن هنالك شاطئ وبحر وجو؛ غائمًا، وقليل من البرودة.. تراها هناك جالسة القرفصاء، وهو يجلس أمامها مباشرة، وبينها شيء ينتفض.. شيء صغير بحجم كف اليد يميل لونه للأحمر القاني، ولكنه يشع نورًا غريبًا، ويصدر منه صوت أميل إلى صوت عينيها في حالة الشجن العميق.
تنهض قليلاً وتقترب أكثر لعل الرؤية تتضح، تحاول مليًا أن تفهم ما الذي يحدث لها، ومن أين جاء البحر بمرآتها، ولم هو هنا بينما تبعده عنها آلاف الأميال؟ وما ذلك الشيء النابض بينها؟
تقترب أكثر وأكثر وتنصت السمع لهما، فهنالك حوار يدور، ووعيها المشوش يخبرها أنه من الأهمية بحيث يتوجب عليها ألا تجترح وجودهما بوجودها الهلامي. تقترب قليلا قليلا فتتوحد وإياها، لتسمعها تقول له: ( ألم أخبرك من قبل أن طرق السعادة قد تكون هي طرق الجراح، وأن كل شيءٍ في الحياة يحمل الضدين ونحن لا ندري، ما يسبب لك التعاسة يومًا قد يجعلك تبتسم لاحقا، وما يفرحك حقًا قد يجعلك مثخنا بالآلام بعد حين. الحياة لا أمان لها يا عزيزي، وكياننا مزور بقدر الحقيقة. أفكارك المطلقة حبيسة حارات تجاربك، والتجربة مشاكسة حية بين لاوعيك وانسحابك من الإبحار داخلك. كيف ستشعر بوجودك إن لم تعاكس ريح الاعتياد وتشعر بلطمات اليقين على طرقات خدك، من سيحصد نتاج تيهك وتيهي ليطهو منهما كعكة تحصن العاشقين ضد الضياع.
ينظر إليها ويبتسم ويقول لها: "تلك هي الحقيقة، وعليكِ أن تصدقيني".

تشرد بعيدًا عنه بنظراتها حيث المدى يمتد إلى بحر بلا أشرعة تسكنه، ولا نوارس ترقص فوقه رقصة الحضور والغياب. تحاول أن تتحسس صدرها بيديها وهى ممتده اليقين نحو ذاك البحر، تخبره بصمت: "ها أنا أقول لك الآن، ليس هذا الزمن بزمني، ولا تلك الأرض بأرضي، يومًا سأرحل حيث الشطآن تملك نبض عيونى، وبعض من يقين. هنالك سأفترش رصيفًا يتوسط الوجود وأنثر عليه الكثير من أسراري، وسأنشد بقيثارة نبراتي، من يشترى مني يقيني مقابل سره؟!!
هل تعلم يا منية الفؤاد، من يهبني سره لأحوله الى يقين؛ سأمنحه قُبلةً من ذاتي، سأتلذذ بمنحه هبةً من الإنسانية تجعله يرفع وجهه للسماء دائمًا، ويبتسم.
ينظر إليها مواربًا قلبه، ويقول لها: "تلك هي الحقيقة، وعليكِ أن تصدقيني".

تسحب نظراتها قليلاً إلى ذلك الشيء النابض بينها. شيء صغير بحجم كف اليد يميل لونه للأحمر القاني ولكنه يشع نورًا غريبًا، ويصدر منه صوت أميل إلى صوت عينيها في حالة الشجن العميق. وتسأله: "ما رأيك فيه؟!".
يستمر بالابتسام ويقول: " نادر هو، ويلمع مثل عيون الآلهة. يملك تلك الترنيمة الشجية التى يستحيل علينا فك شفرة أنغامها".
تمارس تعرية الرغبة فى الحياة من الخوف قائلة له: " ألا تدرى يا عزيزى أن جيوب القلب تخبئ يقين الحواس، والحواس معابر لحقائقنا المدمجة على شرائح الذاكرة. ألا تدري أن ما بين العشق والكراهية أراواح تحسد العشاق على آلامهم، وأن لحظاتهم قد تتجمع فى تينك الحضور الحالي، حيث تتمدد علاقتنا على طرف اجتراح.
ينظر مليا إلى عينيها ويقول: "تلك هي الحقيقة، وعليكِ أن تصدقيني".

تمد يديها إلى وجهه وتلتقط شعاع شمس من عينيه وترفع كفها باتجاه شفتيها لتنفث فيه، فيتبعثر الضوء لامعًا على حافة الموج، معلنًا بدء ولادة الحزن من اندماج نظراته ونفثات روحها، فكما لكل شيء ميقات للولادة، للأحزان أيضًا مواقيت.
والميقات استمرار لحالات المواربة وقتما تكون المصارحة هى دواء القلب النازف؛ للقلوب أيضًا مواقيت للولادة، والولادة تمخض من وجع، والوجع تعري الحقيقة حيث لا ملجأ لها سوى المنطق.. للعلاقات مواقيت للولادة، والمولود يدلف لتغيير سر ناموس اللحظة ضمن طريقتين، انصهار قلبي فيك، أو انشطاري بعيدًا عنك.

تخبره بهمس: هل قلت لك يومًا بأن البحر معبدي، وقد آن الأوان أن أمارس طقسي. تنهض قليلاً من جسدها، وترقص على حافه الموج، وكلما رقصت كلما زاد البحر توهجًا، وكلما اشتعل بريق عينيه حيث يمارس الموج شبقه، يخبرها لا تبتعدى كثيرًا سيجرفك الموج بعيدًا عني، وهنالك شيء ما يخصك بيننا فعودي.
تمارس الرقص وتضرب الموج بقدميها أكثر وأكثر، تتمايل ثنايا روحها، ومع كل تمايل تمارس حاستها تلمس الحقيقة، وهو يمارس الارتباك والخوف من ابتلاع البحر لها، يناديها: هنالك شيء ما يخصك بيننا فعودي.
يأتيه صوتها لاهثًا، أيها الوجود.. الحب كشجر الطقسوس، لا توجد بذوره سوى بالأنثى. وأنثاه هي الجزء المطهر من السُمية، يحكمها غلاف المحبة من ضنين العلاقات، تمكث داخل غلافها المترفع عن الأكاذيب الصغيرة، حيث لا روافد تصب بنهر الأنانية، وحيث يمكث الغفران على شاطئ محيط الرحمة. وحين يجترح الإدراك ستر غلافها، نراها تسقط لتنبت من جديد، حيث الموت نوع من الولادة ولكن بطريقة أخرى.
يصرخ بأعلى صوته: " تلك هي الحقيقة وعليكِ أن تصدقيني".
عودي فهنالك شيء ما يخصك بيننا.

تقف هنالك في منتصف البحر على قمة موجةٍ، وتشرع يديها على امتداد الوجود، كصفصافة تنوى خلع جذورها لتمارس الطيران، مولية نظراتها نحو المدى البعيد لتعلن عن بدء تعويذة الرجفة.
" أنا امرأه اليقين، حيث تمتزج الاتجاهات فيتضح العالم أمامى ككرة بلورية، أملك وصاية المرور لما يخبئه القلب العاهر، والعقل العاهر، والزمن العاهر. العهر كيان التقوى، كما الولادة حلم امرأة أفاقت يومًا لتحققه*. وكما الخطيئة شعلة الخجل، وكما أنت هنا تجترح ضميرى بنكرانك الأعظم، وتنثر عمري وقودًا لسنواتك الراحلة، لعلك تستجدي القادم بزور وبهتان عظيم. مسكين هو قلبك المرتعش، ألا تملك كوبًا من صفحي يمدك باشتعال، ذاك قلبي بينى وبينك يشع نورًا ودفئًا ورحمة، التقطه وارتشف منه رشفه وهج، تلذذ بعصارة تجربته، لتدرك كيف أعبر منك فيك. وأكشف بهتان خوفك.
جبان هذا الخوف إن امتص حياتنا، حقيرة هي الحياة التى ترهبنا مما وراء الأبواب الموصدة. الحب رحمة؛ وقلبي يخبئ لك فى كل جيب حكاية وأمنية.
يصرخ بأعلى صوته: " تلك هي الحقيقة، وعليكِ أن تصدقيني".

تميل برأسها إلى الخلف وترمقه بنظرات تملؤها الحسرة، تحدث نفسها: "أي كيان هذا الذى يرفض احتواءً بلا حدود، وغفرانًا فقط يستجدي الحقيقة".
تعلم يقينا أنها ستغفر. الصدق يجعلها تغفر ما وراء متاريس العلاقات، فقط الصدق يطهر دنس الجراحات، ولكنها تعلم أن وجع التشظي أصبح قريبًا منها. حيث انشطارها ما بين رغبة اليقين به، وشريعة آخر قد تجبرها الحياة أن تمارس فعل الخواء والانتحار معا.

تنزل بقدميها عن قمة الموجة لتتوحد وعتبات البحر نزولاً إلى قاعه، فقد بدا لها صراعه وذاته كزمن مترهل ينشد ظلام الكهوف، حيث يشعل أمانيه لتحترق، ويحرم نفسه من معزوفات السؤال، ومقامات الإجابة.

رحلت، وهو ما زال هناك على الشاطئ؛ يصرخ بأعلى صوته: " تلك هي الحقيقة، وعليكِ أن تصدقيني".

وبينها شيء ينتفض. شيء صغير بحجم كف اليد يميل لونه للأحمر القاني ولكنه يشع نورًا غريبًا، ويصدر منه صوت أميل إلى صوت عينيها في حالة الشجن العميق .

 

 

نجلاء صبري

http://nirfana.elaphblog.com

- كاتبة وأخصائية نفسية من مدينة المنصورة، مصر.

- البريد الإلكتروني: nirfana_s@hotmail.com

- الموقع الإلكتروني: http://nirfana.elaphblog.com



 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2025 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2025 Copyright, All Rights Reserved