إذا كان للفشل السياسي والأمني من معنى مفجع؛ فإنما يتمثل في خضوع الدولة بأسرها لهيمنة الميليشيات والعصابات الدينية والطائفية التي تقتل على الهوية وتمارس الجريمة في الهواء الطلق وتتعلل بالشعارات الدينية والطائفية لتحاول تطبيقها بمعزل عن القانون، وفي ظل احتقار فظيع للدولة ومؤسساتها ولكل القوانين والأعراف الدينية أو الوضعية.
ووضعية المرأة العراقية منذ العقود الثلاثة الأخيرة من الزمن العراقي هي واحدة من أبشع الأوضاع في العالم، ففي ظل نظام البعث البائد الذي كان يرفع شعارات التقدم والاشتراكية والعدالة والمساواة تدنت مكانة المرأة العراقية للحضيض، بعد أن تحولت لمستودع للأحزان والآلام والدموع بفعل مرحلة الحروب العبثية والعدوانية ولحملات التهجير والتسفير والظلم الاجتماعي، تجتر أحزانها وتودع أحباءها للمقاصل والمجازر، وتطحن تحت ذل الحاجة والحصار مع كل ما تعنيه معاني كلمة الحصار القاسي من انتهاك للإنسانية وللكرامة البشرية.
وكان النظام البعثي في سنواته الأخيرة بعد هزائمه قد دخل في مرحلة الدروشة والتدين المزيف، وعاد القهقرى ليسن القوانين الرجعية التي تحط من قيمة المرأة وكرامتها، مثل قوانين الأخذ بالشرف وغسل العار وغيرها من الخزعبلات التي استغلها النظام، ليصفي حساباته مع مخالفيه عبر حملات الرعب في مجازر رؤوس النساء المقطوعة بسيوف (جند الفضيلة) من عصابات فدائيي صدام التي تحولت فيما بعد لمجاميع العصابات الطائفية والدينية التي تمارس القتل الشامل في العراق اليوم، بعد أن أبدلت السلاح من الكتف الأيسر للأيمن لتستمر قوافل الدم ومهرجانات الجريمة.
وبعد سقوط البعث كانت الآمال معقودة وطموحة على متغيرات حقيقية قد تغير وجه العراق المظلم بالكامل، إلا أن البديل للأسف كان أشد بؤسا وظلاما من سابقه، وكانت المؤشرات واضحة منذ البداية بعد أن ملأت العصابات الدينية الفراغ الموحش والمريض للدكتاتورية البعثية المقبورة، فهي وحدها التي تملك القوة التي تؤهلها للهيمنة على الأمور، فرياح العقلية الطائفية الخرافية قد هبت على العراق بعواصفها الرهيبة لتجتاح كل أسس البناء الهش الذي كان قائما، يستوي في ذلك الفكر السلفي الرجعي القاعدي الذي يحاول إحياء الرميم، والفكر الطائفي للجماعات الشيعية الذي يمارس بقوة الدعم الإيراني أساليب البلطجة.
وفي ظل تراجع القوى التقدمية والمتحررة التي لاذ بعضها بالعمائم واللحى من أجل حظوة سلطية أو الحصول على عظمة تلقيها له الجماعات الطائفية المريضة التي تسيدت الموقف مثل حال اليسار العراقي الذي تراجع بشكل مفجع ومؤلم تحت خيمة ديمقراطية مشوهة ومريضة يقودها دكتاتوريون لا علاقة لهم بقيم الديمقراطية الحقة وثقافتها الثرية التي شوهت سمعتها في العراق المعاصر، فحينما يعلن قائد شرطة البصرة اللواء عبد الجليل خلف عن تصاعد أرقام الضحايا من النساء العراقيات اللواتي سقطن تحت سكاكين وحراب ورصاص العصابات الدينية والطائفية؛ فإن الأمر لا يتعلق بأهل البصرة فقط بل يتعلق الأمر بالحكومة العراقية العاجزة عن الفعل والشاطرة بالكلام والمتحصنة بأسوار المنطقة الخضراء واللهلوبة في الاستجداء الخارجي والشفط الداخلي.
فتحذير قائد شرطة البصرة من تصاعد الجرائم ضد نساء العراق وضد حملات الوأد الجاهلية الجديدة، والذي يؤكد من أنه لا يعرف الجهات التي تقوم بتلك الجرائم، يؤكد ضلوع سلطات الإدارة المحلية وأحزابها المتوحشة بكثير من عمليات القرصنة والقتل الإرهابية. فالتحذيرات بالحبر الأحمر التي تهدد بها تلك الجماعات النسوة اللواتي لا يلتزمن بالحجاب الإيراني أو الأفغاني والمنتشرة على حيطان البصرة وغيرها هي تهديدات واضحة بالقتل، وهي فعل جرمي مع سبق الإصرار والترصد تمارسه الأحزاب والتنظيمات الإرهابية والدينية تحت سمع السلطة وأمام عيونها.
فالسلطة بأجهزتها الأمنية المختلفة من أمن قومي!! أو وزارة الأمن الوطني أو المخابرات!! أو حتى الموساد.. تعلم جيدا من يقف خلف تلك الجرائم الفظيعة؟ وهؤلاء موجودون في البرلمان والوزارة وفي مجالس المحافظات وفي أجهزة الأمن والشرطة.. بعد ذلك لا يلام الذئب في عدوانه إن يك الراعي عدو الغنم..! وذئاب السلطة الطائفية مشخصون بشكل جيد وموثق، إنهم طالبان العراق الجدد من سنة أو شيعة.. وإنهم المجرمون المحترفون الذين تدروشوا ولبسوا أسمال التدين المزيف رياء ونفاقا، ومالم تبادر الحكومة بحماية أرواح الناس والنساء منهم بوجه خاص فإنها تصبح فاقدة لمصداقيتها.
فالدماء العراقية لا قيمة لها أبدا، فتأملوا العجب العجاب..! وأد النساء في العراق لن يتوقف ما دام المشروع الوطني الحداثي الحر غائبا عن الساحة، وما دام الأمريكان يتمسكون بالخرق الطائفية البالية التي يحمونها لتحكم العراق..