اعتبر الغرب داروين اعلى مكانة من اينشتاين

 جارلس داروين 1809 - 1882 يوصف بكونه عالم في الطبيعة Naturalist كان عضوا في الجمعية الملكية الجغرافية Royal Geographical Society حصل على جوائز المدالية الملكية Royal Medal (1853) و مدالية ولستون Wollaston Medal (1859) ومدالية كوبلي Copley Medal (1864) وهي مداليات تقديرية عن اعماله الخارقة في اصل الاحياء وليس الانسان فقط.

 انجز تشارلز داروين كتابه (اصل الانواع) الذي كان بداية انبثاق عصر ما قبل الحداثة الاول وبقي عشرين عاما تحت الغطاء خشية نشره لانه كان يعيش عصرا غير العصر الذي تعيش فيه اوربا وامريكا،  اذ كانت المشاعر الدينية قوية وكانت في الحقبة الاخيرة من التزمت الديني، كان ذلك في القرن التاسع عشر.

 واجه داروين بشكل خاص غضب زوجته (ايمما) الكاثوليكية التي كانت ترتاد الكنيسة كل احد دون ان يصاحبها، وكان يخشى التحدث معها في نظرية التطور لانها كانت تتوقع له ان يذهب الى النار في أخرته، وكان والده قد حذره من زواج (ايمما) لان الكثير من الرجال الذين لم يكونوا يصاحبون زوجاتهم الى الكنيسة يلاقون الصعوبة في زيجاتهم.

 ولد تشارلز داروين في 1809 وكان والده طبيبا لذا فقد نشأ تشارلز داروين في بيئة علمية اهلته لابداع ما جاء به في نظريته الجديدة في عالم كان مايزال في طريقة للخروج من قوقعة الماضي الفكرية. تشارلز داروين كان الاول في استخدام تعبير (الاختيار الطبيعي) في 1842 في بحث عنوانه (في اصل الانواع بالاختيار الطبيعي) الذي بقي في الادراج حتى نشر في 1859 لانه كان يرى ان البحث هذا لن يقلق زوجته فقط بل المجتمع المتزمت دينيا بكامله والذي كان على وشك الاندثار والبدء بعهد جديد، كان فيه تشارلز داروين احد الطليعين الذين ايقضوا الفكر من التزاماته السابقة انه عصر ما بعد عصر النهضة في نهايته الى عصر الانفتاح الاكبر.

  ولد تشارلز داروين في عائلة على المسيحية الانكليكانية، وهي نوع من البروتستانية التي احدثها المصلح الديني (مارتن لوثر) في العشرينات من العمر اصبح داروين مؤمنا بالله فقط في عصر (التنوير) وقد اورد جملة (الخالق نفث الحياة) وفي نهاية حياته اصبح (اغناطوسيا) اي الاعتقاد بالله وطبيعته الا ان اصل الكون امر عسير معرفته. اما زوجة تشارلز داروين المؤمنة فقد اصيبت بالمحنة عندما مات ثلاثة من ابناءها العشرة واعتبرته قدرا الهيا.

ولد تشارلز داروين فى إنكلترا 1809 انتمى للجامعة فى السادسة عشرة من عمره لدراسة الطب ثم انتقل إلى جامعة أخرى لدراسة اللاهوت، ثم سافرعلى السفينة (بيغل) في جولة حول العالم كباحث في العلوم الطبيعية، اعترض والده أول الأمر لكي يكمل دراسته الجامعية الجادة ثم وافق على هذه الرحلة الفريدة فى تاريخ االعلم بعدئذ. أبحرت السفينة سنة1831 وكان داروين آنذاك فى الثانية والعشرين من عمره، وخلال 5 سنوات من الرحلة زارت السفينة شواطىء أمريكا الجنوبية وجزر غالا باغوس النائية وكثيرا من جزر المحيط الهادى وجنوب المحيط الأطلنطى وخلال هذه الرحلة الطويلة شاهد داروين ودرس كثيرا من الغرائب في النباتات والحيوانات والحفريات والقبائل البدائية. درس وجمع وسجل الكثير الملاحظات والنماذج التي كانت الاساس في تحقيق نظريته العلمية في اصل الانواع.

عاد داروين فى 1836 وبقي 20 عاما ينشر أبحاثة في نظريته التى جعلته من أبرز علماء الحياة فى العالم فاحدث ضجة في العالم العلمي والاجتماعي والديني، فى 1838 درس نظرية القس توماس مالثوس في (تكاثر السكان) التي تقول ان الحصيلة الزراعية تتكاثر عادة بنسب حسابية اي المائة تزداد فتصبح 101 او 102 اما السكان فيزدادون بنسب هندسية اي المائة تصبح مأتين ثم 400 ثم 800 ..

 (كنت قد نشرت عنها مقالا في بداية الخمسينات في بغداد في اول عدد من المجلة الطبية لجمعية الاطباء العراقية) هذه النظرية فتحت له الطريق في نظرية (الانتخاب الطبيعى للبقاء). رغم اهتداء داروين لنظرية (الانتخاب الطبيعى) الا انه لم ينشرها بل صرف وقتا طويلا فى دراستها وتمحيصها وتزويدها بالأدلة والبراهين قبل نشرها.

 كتب خلاصاتها فى 1842 ثم عاد فى 1844 وألف عنها كتابا كاملا وفى 1858 تلقى مخطوطة من العالم البريطانى (ألفردرسل والاس) الذي كان يعيش فى جزر الهند الشرقية تدور حول ما وصل اليه والاس في التطور وكانت مطابقة لما اكتشفه داروين. كان الوضع فى حرج أيهما كان الأسبق فى التوصل لهذه النظرية الفريدة.

 قدمت مخطوطة (والاس) وقدم أيضا عرض موجز لنظرية داروين لإحدى الهيئات العلمية الا ان الامر لم يثر اهتمام اعضاء تلك المؤسسة العلمية فرفضتها لكن الضجة الكبرى جائت عندما أصدر داروين فى عامٍ تالٍ كتابه (أصل الأنواع). الواقع ان صدور كتاب (أصل الأنواع) احدث من الضجة العلمية ما لم ينله كتاب علمي آخر في اوساط متعددة من المجتمع اليقض في انكلترا والعالم حين اخذت بوادر انقلاب فكري وربما يكون كتاب (أصل الأنواع) الفاعل الاكبر في استيقاض العالم الاوربي والامريكي الذي خلف لنا هذا العهد الجديد من الحداثة ثم ما فوق الحداثة في وقت كان العثمانيون وغيرهم من الامم ينامون نوما عميقا على الماضي التليد!.

 كانت الصعقة الكبرى عندما قال داروين في كتابه أن الإنسان سليل الشمبنزي،فأحدث غضباَ في بعض الاوساط العلمية وغضبا دينيا عارما! ولا ندري ماحدث له مع زوجته المتدينة (ايممأ) بعد نشر داروين كتابه. الواقع ان داروين لم يكن البادئ بنظرية التطور بل سبقه بها كثيرون كالعالم الفرنسي (لامارك) و (أرازموس داروين) جد تشارلز داروين. الذين سبقوا داروين ولم يلقوا هذا التقدير العالمى لأنهم جاؤا بافتراضات علمية غير مسندة بشواهد او ادلة مقنعة كما خلق داروين مفردات فى الفكر المعاصر كـ (التطور البيولوجي) و (الكفاح من أجل الحياة) و (الانتخاب الطبيعى) و (البقاء للأصلح) وان الحياة ليست جامدة بل في تطور وارتفاع في الحياة عامة وخاصة في الانسان في ارتفاع مستوى استعياب العقل لدفقات المعرفة.

استطاع داروين ان يقنعنا بأن الإنسان ليس إلا واحدا من الكائنات المتطورة وان الإنسان ليست له هذه الاهمية التى نتصورها فمن يدرى ربما سبقته كائنات أخرى فى التطور وقد أدت هذه النظرية إلى فزع رجال الدين الذين رأوا في داروين كافرا وملحدا لأنه لم يأخذ بما جاء فى الكتاب المقدس حرفيا.

كانت تقييمات الدوائر العلمية خاصة الجامعية منها تقييمات عالية ففي كتاب (بنية الثورات العلمية 1962) اعتبر توماس كون من جامعة شيكاغو، ان نظرية داروين نموذجا لما يمكن ان تفعله الثورة العلمية في قلب مقاييس الزمن وكانت من القوة بحيث قلبت الكيان الفكري، كما حدث في نظرية اسحق نيوتن في الجاذبية من قبل.

 اذا كان كتاب (اصل الانواع) قد نال الشهرة العظمى فلشارلس داروين كتاب ( ارث الانسان، الانتخاب في العلاقات الجنسية) و (التعبير العاطفي لدى الانسان والحيوان) و (قوة حركة النباتات). جاء داروين بالبراهن العلمية بفكرة ان كافة الخلائق على الارض من بشر وحيوان ونبات وكائنات دقيقة قد جائت من جد واحد او عدد قليل من الاجداد خلال عملية الانتقاء الطبيعي natural selection هذه النظرية التي قبلتها المجامع العلمية ادت الى انبثاق (نظرية تطور حديثة) متطورة، الا ان فكرة نيوتن بقيت الاساس في علم التطور الحياتي في مجال التنوعية الحياتية.

 الباخرة (بيغل) خرجت من انكلترا متجهه نحو امريكا الجنوبية ثم اتجهت نحو جنوب القارة عابرة المحيط الاطلسي الى المحيط الهادي ثم يممت شمالا، محاذية سواحل امريكا الجنوبية الغربية ومن ثم عبرت (بيغل) المحيط الهادي الى استراليا مرورا بالجزر العديدة ثم اتجهت الى راس الرجاء الصالح في جنوب افريقيا ثم عبرت الاطلنطي الى امريكا الجنوبية ثم قفلت راجعة الى انكلترا في رحلة استمرت 5 سنوات.

لم تكن الرحلة رحلة تنقلات سريعة بل توقف في المناطق الغنية بالانواع الحيوانية والنباتية وخاصة جزائر (غالاباغوسGalápagos Islands,) الثرية بالحياة على اختلاف اشكالها. استمرت رحلة (بيغل) خمس سنوات قضى دراوين ثلتي الخمس سنوات منها على الارض جمع فيها عددا هائلا من الاحافير التي اغنت العلوم البايولوجية منها ما كان جديدا على العلم ودون رصيدا هائلا من المعلومات الخطية يوم لم ير داروين ألآلة الكتابة ولو كان القمباطور موجودا لاغنانا بمعلومات تزيد على ماكتبة بعشرات الاضعاف.

 كانت الكشوفات الخطيرة التي إكتشفها داروين بداية لانبثاق فجر جديد في المعرفة التي نشاهدها الآن خاصة في مواضيع الوراثة ورسم الخوارط الوراثية الحية لكافة انواع الحياة ابتداء من الانسان حتى الكائنات الحية الدقيقة. ومنذ نشر بحث داروين (أصل الأنواع) شرع آلاف العلماء في رسم وتخطيط وإستكشاف أشكال الحياة ومظاهر التطور بما لم يخطرعلى بال داروين.

تقديرا لاعمال نيوتن الرائعة فقد دفن في مكان كان قد دفن فيه اسحق نيوتن وغيره من العلماء الافذاذ في تاريخ العلوم. خلال حياة داروين قامت العديد من المؤسسات باطلاق اسم داوين على الكثير من المعالم منها (جبل داروين) لاحد جبال الانديز في امركا الجنوبية و (ميناء داروين) في استراليا و (جامعة شارلس داروين) و (غابة شارلس داروين الوطنية) و (كلية داروين - كامبرج) في انكلترا. وفي الحيوانات اسموا بعض طيور جزائر غالاباغوس (بلابل داروين).

في عام 2000 اصدر بنك بريطانيا وضع صورة شارلس داروين على ورقة نقدية بقيمة 10 باونات. في 1992 وضع مايكل هارت في قائمة اعظم 100 بريطاني عبر التاريخ فذكر شارلس داروين في المرتبة السادسة عشر بالاضافة الى كل ذلك فان الكثير من المعارض العلمية اقيمت باسم شارلس داروين ومن احدثها معرض (المتحف الامريكي للتاريخ الطبيعي) في نيويورك.

 اصيب داروين فيما يعتقد انه (مرض شاغاس) نتيجة تعرضه للسعات الحشرات في امريكا الجنوبية. انجب داروين من زوجته ايمما عشرة ايناء وبنات، مات اثنين منهما خلال الطفولة، وكذلك فتاة في العاشرة، ومن ابنائه (هوريس) اصبح عضوا في الجمعية الملكية وهو متخصص في علم النبات وفلكي ومهندس مدني. أصيب داروين بمرض كان يعاوده بين حين وحين بسبب لسعات الحشرات فى المستنقعات والغابات في أمريكا الجنوبية.

 أحدثت نظرية داروين انقلابا فى العلوم الاخرى فقد أصبحت فكرة التطور خطأ أساسيا فى التفكير الإنسانى بكامله فى نهاية القرن التاسع عشر. كان من الممكن أن تنتشر نظرية التطور هذه، حتى إذا لم يولد داروين، لأن العالم (واللاس) قد اهتدى لها. وهذه حالة فريدة بين كل الخالدين المائة ولكن ما كتبه داروين وما نشره وأسلوبه فى التعبير والإقناع كان السبب الأول فى ضخامة هذه النظرية واتساعها بين ملايين الناس ولعشرات السنين! في الاحتفال بذكرى ميلاد تشارلز داروين، نشرت مجلة "العلم" (Science) مقالا تخليدا لذكراه والمعروف ان مجلة ساينس تأسست عام 1880، اي بعد مايقرب من الخمسين عاما من انبثاق الثورة الداروينية ويشرف عليها علماء لهم مكانة غليا في البحث وتقييم للمقالات التي تنشرها المجلة ولها كلمتها ومكانتها في كافة ارجاء العالم.

ولايزال كتاب السلاطين في الصحافة في البلاد العربية بل حتى في تورونتو يطبلون ويزمرون للنهضة الموهومة التي قامت بايحاء محمد عبدو وجمال الدين الافغاني متناسين الدعوة العلمية التي قامت بها مجلة (المقتطف) حيث اوجدت يقضة علمية في وقت كان فية الوطن العربي في ثلاجة الجمود العثماني الذي جمد العقول العربية لثلاثة قرون او اكثر.

كانت مجلة (المقتطف) العلمية الزاهرة في مصر قبل قرن من الزمن شعلة علمية ثقافية يديرها فارس نمر ويعقوب صروف، عملا في ايقاض الفكر العربي في دنيا العرب الجامدة آنذاك، قبل قرن قام اللبنانيون بنهضة كبرى في مصرالتي كانت هي الاخرى نائمة تحت انقاض الماضي التليد يسيطر عليها الازهر بافكاره البائدة. عندما كنت في المرحلة الدراسية المتوسطة كنت ارتاد مكتبة العشار العامة في البصرة لاقرأ (المقتطف) وربما كانت النسخة الوحيدة التي تصل البصرة، كنت اقرأ كل ماهو جديد في العلوم فيها في وقت كانت فيه الجرائد والمجلات تلوك وتثرثر بالمعلومات وفي وقت لم يكن في اكثر الجرائد مترجمين من الصحف الاجنبية. ومجلة )المقتطف( الوحيدة التي عرفت العرب قبل قرن بنظرية داروين في النشوء والارتقاء في الانسان، كان مقدمها الاول شبلي الشميِّل الذي مات في (1917) وحنا نمر (1964)، ثم إسماعيل مظهر الذي ترجم كتاب داروِن (أصل الأنواع) إلى العربية، وكان من انصار نظرية النشوء والارتقاء الشاعر العراقي جميل صدقي الزهاوي، وغيرهم ممَّن كتبوا بحوثًا عدة في تأييد المذهب.

كانت مجلة المقتطف، اولى الصحف التي فتحت عيون القراء العرب، على مذهب داروِن، حين قال الشاعر اللبناني (تيقظوا واستفيقوا ايها العرب). واقرؤا ما يقوله احد كتاب السلاطين الليبي د. ولد البحر المصاب بمرض "القذافية" (اعتقد ان تشارلز داروين كان سكرانا عندما قال ان الانسان كان قردا يقطف الفواكه من اشجار الغابة)،

 على الرغم من ارتفاع مكانة الصحافة التقنية في السعودية، لايزال الحيز الاكبر من تلك الجرائد ساحة للافكار المتهرئة التي تدور حول فائدة ابوال البعران في علاج السرطان والاستهزاء بالداروينية وان كانت بعضا ينشر حيزا صغيرا للعلوم والتكنولوجيا فان الجزء الاكبر منها يدور في الاجترار. نشر الاستاذ احمد المغربي في جريدة الحياة الصادرة في لندن مقالا قيما عن داروين فادرج في النهاية ما اجده اهانة لداروين فقال (من الصعب ان «ننزه» داروين عن تفلتات الفكر النازي في السياسة والفكر. والارجح ان المقولة الجاهزة عن سوء استخدام السياسة للعلم، تمثل تبسيطاً مملاً لأمر معقد تماماً. فبأثر من قوة نظريات داروين وانتشارها، راجت مقولات اليوجينيا "الصفاء العنصري" في المانيا النازية) هذه العبارة قاسية (من الصعب ان «ننزه» داروين) على داروين الالمعي الذي احدث ثورة دفعت العالم فراسخ الى الامام. ويقصد باليوجينيا (العليائية العرقية) في وقت قالوا تعليقا عن داروين (ان داروين نفسه اكد بان السياسة الاجتماعية ينبغي لها ببساطة ان لا تستغل بافكار الكفاح والانتقاء في الطبيعة والتعاطف ينبغي ان يمتد الى كافة الاعراق والامم) غفر الله لاحمد مغربي مما قاله ونسي في التاريخ يوجينيا (التعقيم القسريcompulsory sterilization) للعبيد والمماليك وقتل الرجال وسبي النساء في عصور الفتح والسبي باسم الله.