زهاء حديد مهندسة معمارية عالمية مبدعة تمثل قصة للإبداع في اعلى درجاته، تتنقل بين العواصم الأوربية لتضع لمسات إبداعاتها في كل مكان، إذ أن الطلب عليها لا يتوقف وهي العربية الجذور فقد ولدت في أرض بلاد الرافدين هذه الأرض العريقة ذات الحضارة التاريخية الرائعة لتكون ظاهرة تحيّر المختصين والمعماريين العالميين، .فقد إستطاعت أن تكون من رواد مدرسة قائمة بذاتها مدرسة لا إنتظامية تعتمد على التفكيك وتدعو إلى إنعدام التوازي والتقابل في الخطوط والأشكال من أجل تحقيق أشكال درامية وفنية،.وأجمل أعمالها تلك التي لم تنفذ بعد، ولا زالت حبيسة المخيلة، أو في التصاميم التي لم تفصح عنها بعد، زهاء حديد فعلا إسم على مسمى، هي إمرأة من حديد إخترقت عالماً عامراً بالمشاق والتنافس، لتضع بصمتها الغائرة في أعماق تاريخ العمارة الحديثة.

 تقول زها حديد أنها كانت طفلة في السادسة من عمرها حين بدأت تستوعب العمارة من حولها خاصة حين كان والداها المحبان للعمارة يصحبانها إلى معرض خاص بفرانك لويد رايت بدار الأوبرا ببغداد حيث إنبهرت بالأشكال والأشياء وكذلك تتحدث عن إجازاتها التي تقضيها مع والديها في الأهوار جنوب العراق حيث جمال الطبيعة وحين إنبهرت بشدة بهذه الطبيعة التي تجمع بين الماء والحياة والرمال والبناء وحتى الانسان الأمر الذي أثر فيها كثيرا وتبعها حتى هذه اللحظة حيث جعلها تجمع  في عملها بين الطبيعة البدائية ومكونات الحضارة المعاصرة .

 تلقت  زهاء تربية عصرية وعاشت وسط أفكار مستنيرة خلقت لديها الثقة التي غذت طموحها وشذّبت احساسها، لذا تقول عن نفسها أنها إمرأة قوية جدا وتملك إرادة من حديد وهذا ما ساعدها في تحقيق كل ما وصلت إليه إلا أنها لا تنكر أنها عاشت لحظات إحباط ولكنها سرعان ما كانت تتمالك نفسها وتعود لتخوض التيار من جديد ولتواصل العمل وتحقق المزيد من النجاح ،وهذا بالطبع يعود إلى طبعها المتفائل مؤكدة بأن التجارب علمتها بأن على الانسان أن يغير نمطه ليناسب اللحظة.

أنها لا تعتقد بأن نجاحها يعود إلى أسباب محددة إنما هو نتاج تجارب إنسانية وعوامل أخرى عديدة قد يكون منها قوة شخصيتها وإرادتها ومثابرتها وحبها الشديد للعمل خاصة أنها كانت في بداياتها تعمل لساعات طويلة وتصل أحيانا الليل بالنهار،.وترى أن هذا الإصرار ليس نابع من كونها إمرأة فحسب فكونها إمرأة وعربية عصرية وجهان لعملة واحدة مشيرة إلى أنها عربية إلا أنها لم تتربى بالطريقة التقليدية العربية وهي لم تقطن في بلد عربي لأكثر من ثلاثين عاما وهذا ما يجعلها تعيد صياغة نفسها أو صياغة عالم خاص بها.

 ولدت زهاء حديد عام 1950 في بغداد. من اسرة موصلية موسرة، فهي ابنة محمد حديد الصناعي المعروف الذي اعتلى وزارة الصناعة في عهد عبد الكريم قاسم، أنهت دراستها الثانوية فيها ثم دراستها الأولية في الجامعة الأمريكية في بيروت عام 1971 ثم التحقت بالدراسة في بريطانيا حيث تدربت في الجمعية البريطانية للمعمار في الفترة بين 1972 ـ1977، عملت في بريطانيا بعد تخرجها عام 1977. ومنذ تخرجها ادارت مشغلا في نفس المدرسة. وابتداءا من العام 1979وهي تدير مكتبها الهندسي الخاص.

في عام 1983 فازت المهندسة (زهاء حديد) بالمسابقة العالمية لتصميم مشروع (ذي بيك) في هونك كونغ الذي انتهى تنفيذه في العام 1993، أثار المشروع الأنظار إلى مقدرة المهندسة المعمارية (زهاء حديد) وحسها الفني واتجاها الفريد في العمارة الحديثة.

كانت لندن تمر مخاضات عسيرة في زمن الاصلاحات الاقتصادية في السبعينيات، عندما قصدتها حديد، كما ان مهندسيها ومعمارييها كانوا فاقدي الثقة والطلب على خدماتهم على حد سواء. كانت جمعية المعماريين التي درست فها (زهاء حديد) بين 1972 - 1977 مرتعا خصبا للتوجهات الهندسية الجديدة، كما منحتها الفرصة لدراسة احد اعظم التوجهات المعمارية في القرن العشرين، وهو فن التركيبية أو الانشائية (Constructivism) الروسي. كانت تلك المرحلة نقطة انطلاق مشروعها المتميز بـ (القمة The Peak)، وهو مجمع سكني وناد يطل على مدينة هونج كونج الا انه جلب انظار العالم، وما زال له أثر في اعمال حديد الى اليوم. بالاضافة الى مشاريعها واعمالها المميزة، لعبت (زهاء حديد) منذ تخرجها دور استاذة زائرة في عدة جامعات في أوروبا وأمريكا، منها هارفرد، وجامعة شيكاغو وهامبورج ونيويورك. يذكر ان مكتبها قوامه 250 موظفا يعمل في عدة مجالات تتراوح بين مشاريع معمارية ضخمة في سنغافورة واسطنبول وقطع الاثاث المنزلي.

بدأت (زهاء حديد) بالظهور في اسلوبها الجديد بتصميم محطة إطفاء الحريق في (مدينه فايل) على الراين بألمانيا الذي يعتبر مثالا لأسلوب الهندسة المعمارية العالمية المستوى في مجال العمارة. .في العالم العربي كما صممت جسرا في امارة (ابو ظبي) فاز بالجائزة الاولى في مسابقة عالمية. في ألمانيا تولت مشروعين الأول (متحف العلوم) والثاني مصنع شركة سيارات (ب م دبلو) في لايبزك شرق المانيا. وتصميمها متحف في الدانمارك ومتحف في الولايات المتحدة الأمريكية . قدمت المهندسة المعمارية (زهاء حديد) خصيصا معرضها في فيينا وعلى مساحة 300 متر مربع تجربة علاقة المبنى بالفضاء الداخلي والخارجي، تصميما يحمل (العاصفة الثلجية) او الفضاء التجريبي.

فازت المهندسة (زهاء حديد) في الكثير من المسابقات العالمية وحازت على العديد من الجوائز منها جائزة (مايند زون) في نهاية الألفية في لندن عام 1999. وهو مبنى مستقل من مجموع أربعة عشر مبنى آخر مرتبطة بقاعة عرض في تخطيط المدن ولها مشروع في سنغافورة (فستا). وتوسيع (متحف اوردوبغارد) في كوبنهاغين بالدنمارك. من اعمالها الرائعة متحف (غوغينهايم) والمكتبة الوطنية في كيوبك (كندا). كما صممت ونفذت العديد من الجسور والمحطات والمصانع وقاعات الموسيقى والمتاحف والمكتبات والمباني السكنية والمكاتب والمباني الرياضية كلها تمثل الخيال المستقبلي في تصميم الفضاءات الداخلية والخارجية.

ومما يذكر فأن زها ء حديد إنطلقت إلى عالم العمارة ودخلت تاريخ الهندسة المعمارية مع حصولها على جائزة بريتزكر للعمارة وهي تماثل جائزة نوبل وأصبحت أول إمرأة تحصل على هذه الجائزة

وهناك العديد من المشاريع التي ستنفذها في منطقة الشرق الأوسط إلا أنها تطمح لبناء حي حضري متكامل توظف فيه كل ما تعلمته من تصميم الأماكن المغلقة والمفتوحة بشكل ضخم وهذا لا يعني إلتزامها فقط بالبيوت والبنايات إنما أيضا المطاعم والفنادق.
وحين نسالها : هل تشتاق زهاء حديد إلى بغداد الجميلة ؟ تقول "طبعا أشتاق إلى موطني بغداد وإلى بيتي الذي يعود إلى فترة الثلاثينات ويحمل أثاث الخمسينيات وهو لايزال قائما، كما أشتاق لحي الحدائق الذي تتراص فيه البيوت عصرية.