هي واحدة ممن لعبوا دوراً في معركة الجزائر، بانضمامها الى صفوف جيش التحرير الوطني، جنباً الى جنب مع المناضلين : العربي المهيدي،علي لابوانت، عمر الصغير، حسيبة بن بوعلي، طالب عبد الرحمن، وجميلة بوحيرد، من مجاهدي المرحلة .
عاشت الثورة وشاركت في عمليات نُفذت في العاصمة، ولها كتاب باللغة الفرنسية "مذكرات امرأة مناضلة" عن حرب التحرير الجزائرية استعادت فيه ذكريات مرت عليها في أكثر من 60 سنة، بدأت فيها النضال السياسي والعسكري ضد الاستعمار الفرنسي .
ترجمت كتابها للغة الانكليزية ايماناً منها بانها الوسيلة الانجع كي يتعرف العالم على الثورة الجزائرية، قام بالترجمة الامريكي أندرو فاروند، تضمن كتابها اهم المراحل التي عاشتها المناضلة منذ طفولتها الى المشاركة الفعلية في حرب التحرير الجزائرية .
وعن الهدف من اصدار كتابها تقول : كتابي عبارة عن تسجيل ما تحمله ذاكرتي عن تلك الحقبة قبل الإستقلال، نحن نكتب للذين ولدوا بعد الاستقلال، ليتعرفوا على الصفحة النضالية التي صنعتها الاجيال التي سبقتهم، وليفخروا بهم لأنهم بنضالهم وضعوا اسس بناء دولتهم، ولإيمانها ان كل دولة كي تسير بالطريق الصحيح يجب ان ترتكز على تاريخها .
من خلال كتابة هذه المذكرات تقدّم زهرة ظريف اعترافا لوالديها، ولوالدي سامية لخضري، ولأستاذها في مادة الفلسفة، Czarnecky، الذين كان لهم دور كبير في تنمية وعيها والالتزام بالقضية الوطنية، كما يأتي الكتاب تخليدا لذكرى سامية لخضَري التي رحلت في صمت في أول جويلية 2012 . فالكاتبة، ومن خلال هذا العمل الذي يندرج في السياق الاجتماعي التاريخي للجزائر المستعمرة، تريد السمو بألم فراق رفيقة النضال سامية لخضري، المجاهدة الأسطورة التي يظل نضالها مجهولا . فالكتاب هو أيضا تذكير بوقائع وظروف وأجواء وأشخاص مثل العربي بن مهيدي، ياسف سعدي، علي لبوانت، جميلة بوحيرد وغيرهم .
تقول المناضلة الجزائرية زهرة ظريف، إن الفرنسيين الذين بلغ عددهم في منتصف خمسينيات القرن الماضي 2.5 مليون، كانوا يعيشون في أحياء راقية ومناطق آمنة، في الوقت الذي كان فيه الجزائريون يعانون من "وحشية الاستعمار الفرنسي في الأرياف والقرى" .
وتضيف المتحدثة أن الأوضاع المزرية التي كان يعيشها الجزائريون والأساليب الوحشية التي كان يستخدمها الفرنسيون ضد الجزائريين "جعلتنا نشعر بواجب الثورة في داخلنا في سن مبكرة".
ان كتاب المجاهدة زهرة ظريف - كما تقول - ليس عمل مؤرّخ ، ولا سيرة ذاتية، ولكن تكريما لأولئك الذين ضحوا بحياتهم من أجل الجزائر. فباستدعاء الذاكرة، نعطي الكلمة للتاريخ الشخصي، ولتاريخ الأسرة، تاريخ كما عشته وأحسّته، في الألم وفي الأمل . فانه اعادة بناء أحداث ووقائع حرب التحرير كما عايشناها، وذلك بإعطائها معنى وتناسقا . فالكتاب في الوقت نفسه استحضار لمسار حياة ولحظة انعكاسية تأملية لهذا المسار . إنّه وصف للظروف الرهيبة بالتفصيل ومناخ الخوف والمطاردة والاضطهاد الذي عانى منه الشعب الجزائري .
وبهذا الصدد، تصبو مؤلّفة الكتاب إلى الإشادة بدور النساء الجزائريات اللواتي لعبن دورا كبيرًا في ثورة التحرير الوطنية . وهو مهدى أيضا إلى بوعلام أوصديق، علي الهادي، مصطفى فتال وعبد القادر كشدة الذين يعود لهم الفضل في التحاقها بجبهة التحرير الوطنية ورفيقاتها في انضمامهن الى فوج "زرع القنابل"، الذي لعب دوراً اساسياً في معركة الجزائر العاصمة، بين فدائيي جبهة التحرير وجنود الجنرال ماسو .
هي زهرة ظريف حرم الرئيس رابح بيطاط الرئيس الجزائري الثالث ما بعد الإستقلال، والتي عمِلت عدة سنوات عضوا في مجلس الأمة .
ولدت زهرة ظريف بتيارت بسهل سرسو، في شهر رمضان، 28 ديسمبر 1934 . تأتي في المرتبة الثانية من الترتيب العائلي في أسرة متكوّنة من خمسة أولاد وبنتان . تخرّج والدها أحمد من مدرسة سيدي عبد الرحمان بالجزائر، بعد ان أدّى المرحلة الأولى من التعليم بسرسو، ثم المرحلة الثانية في زاوية سيدي بومدين في تلمسان . كما زاول بالموازاة تعليما أكاديميا بكلية الآداب بالجزائر العاصمة . سمح له هذا التكوين بممارسة مهنة القاضي . والدتها سعدية، ابنة الحاج جلول تزوّجت من والد زهرة ظريف في سن مبكرة عام 1930. وبعد ست سنوات من زواجهما، انتقل والديْ زهرة بعيدا عن أسرتيهما إلى تسمسيلت . وكان في قرار استقلال والدي زهرة ظريف بحياتهما عن الأسرة الممتدة ثورة ضد النظام الاجتماعي السائد في ذلك الوقت . عزّز انتمائها إلى أسرة غنية ونبيلة حصولها على التعليم وفي الوضعية التي وصلت إليها فيما بعد .
عوامل كثيرة ساهمت في بلورة الشخصية الوطنية لزهرة ظريف، أولا : المكانة الاجتماعية التي تتمتع بها عائلتها، أب متعلّم لقّنها في سن مبكرة تاريخ بلدها الحقيقي، وأم غرست فيها أنّها ليست فرنسية ولن تكون فرنسية وإن كانت قد درست الثقافة الفرنسية، وشقيقها عبد القادر الذي كان يزوّدها بالأخبار الدولية والمحلية بفضل انخراطه في الكشافة الاسلامية .
كان للاجواء التي تربت فيها المناضلة الأثر الكبير في تشكيل روحها الوطنية والتي دفعتها فيما بعد للالتحاق بالجناح العسكري لجيش التحرير الوطني كفدائية، فلوالدها الفضل الكبير في تنمية وعيها كونه رجلا مثقفا كرس حياته ليعلم أبناءه أن الجزائر وطن للجزائريين، وأن الفرنسيين مستعمرون يجب عليهم أن يرحلو يوما .
كان رأي عائلتها تجاه المنحى الذي اتخذته في حياتها مختلفاً، أمها كانت معارضة للموضوع خوفا على سلامتها، حيث كان حصولها على الموافقة من والدتها أمرا شبه مستحيل على الرغم من إيمانها الشديد بالقضية، وبالنضال من أجل الاستقلال، حيث أخبرتها في عديد من المناسبات أنها كانت تفضل أن تعيش ابنتها حياة عادية ومستقرة ولا تتحمل أعباء العمليات المسلحة التي كانت ترى أنها من مهام الرجال، حتى أنها حاولت في كثير من الأحيان منعها من الخروج غير أن مساندة الوالد ووقوفه إلى جانبها جعلها تنفذ ما آمنت به .
تنقلت زهرة ظريف في مسارها التعليمي بين ثقافتين، تلك التي كانت تغادرها في الصباح للذهاب إلى المدرسة، حيث تسود والدتها، والجزائر الكبيرة والعميقة بجميع مكوناتها ( العربية والإسلام، التقاليد العربية ) وأسلوب حياتها وتاريخها الشخصي وأساطيرها، والثقافة الفرنسية التي كانت تعيشها خارج المنزل . وهكذا كانت تعيش الانقسام بين عالمين . ولكن هذا لم يمنعها من التفوّق على التلاميذ الفرنسيين حيث اجتازت المرحلة الابتدائية بامتياز، الأمر الذي سمح لها بالالتحاق بأفضل ثانوية في الجزائر العاصمة وهي ثانوية Fromentin في سنة 1947 .
كانت زهرة ظريف في المرحلة الثانوية، صديقة للمجاهدة الكبيرة جميلة بوحيرد . وعند اندلاع الثورة الجزائرية انضمت الى صفوف جبهة التحريرالوطني كما كانت في قسم المظاهرات الجزائرية وكانت أول امرأة تشارك في زرع القنابل في طريق الاستعمار الفرنسي . وبين النساء اللاتي شاركن في رسم الخطط وتنفيذها كما كانت قائدة جمعية النساء الجزائريات حتى الاستقلال . إلى أن تم القبض عليها في حي القصبة العتيق بعد أن نسف المستعمر الفرنسي المنزل الذي كانت تختبئ فيه مع مجموعة من المجاهدين وهم علي لابوانت وعمر الصغير وحسيبة بن بوعلي وقبض عليها رفقة المجاهد ياسف سعدي .
التحقت زهرة ظريف بالثورة سنة 1954 بعد مغادرتها لمقاعد الجامعة نتيجة لتعرفها على خلية الطلبة المنضمين لصفوف جبهة التحرير الوطني . ونظرا لحماسها الشديد للعمل ورفضها لمهام أخرى لا تتضمن حمل السلاح، اختيرت مع حسيبة بن بوعلي وياسف سعدي جميلة بو حيرد والعربي بن مهدي وغيرهم لوضع القنابل بالجزائر العاصمة وكانت من أوائل النساء المكلفات بمثل هذه المهمة، بعد القبض عليها اعلن الجيش الفرنسي سجنها مدى الحياة وذلك في سبتمبر عام 1957 ولكن أطلقت حرة يوم 5 جويلية 1962 عند استقلال الجزائر .
بعد حريق القصبة، 14 جويلية ،1956 والهجوم على شارع تيبس، ضاعفت جبهة التحرير الوطني عملها المسلح ونقلت الحرب إلى الاحياء الفرنسية، حيث وضعت زهرة ظريف وصديقتها سامية لخضري قنبلة "الميلك بار" نهاية سبتمبر1956، وكانت هذه أولى أعمالهما المسلحة .
كان طريقها صعباً ومحفوفاً بالمخاطر مليئاً بالأحداث المؤلمة التي عاشتها رفقة زملاء الكفاح خصوصا أيام السجن والتعذيب، وفقدان رفاق السلاح الذين مات معظمهم على يد المستعمر الفرنسي .
هكذا كانت مسيرة نضال المجاهدة زهرة ظريف بيطاط، في "جبهة التحرير" التي فجرت الحرب ضد الاستعمار الفرنسي في "الاول" من تشرين الثاني ( نوفمبر ) 1954 لإنهاء 132 سنة من الاحتلال، وبعد اكثر من ستين سنة مازالت تتذكر هذا اليوم، يوم الثورة الذي تصاعدت جذوته حتى تحقق النصر .