بعد أن خرج السيد حَنَّ إلى التقاعد بدأ بالعمل في سبيل تحقيق طموحات لطالما حلم بها، وكان على رأس هذه الطموحات الوصول إلى كرسي المخترة، وكونه يعرف فنون اللعبة السياسيّة، قال لنفسه :
- عليَّ ان انمّي النزعة العائليّة وسط الاقرباء، وازرع الأوهام والأحلام في نفوس سكان القرية، لا سيما وأن المختار الحالي وقع في الكثير من الأخطاء .
قرر السيد حًنَّ الخروج إلى المعركة، كان عندما يجلس يستعرض الأوضاع التي يعيشها أبناء عشيرته، يختتم قوله بلهجة عاطفية تُظهر وكأنه يعاني جراء هذا الواقع، يقول :
إننا نعيش أوضاعاً سيئةً للغاية ومن شدِّة بساطتنا يُخيّل للكثير بأننا نعيش في نعيمٍ، نقارن بين الحاضر والماضي وبين الحياة هنا والحياة في الدول النامية، وعندها يُستنتج بان الوضع عندنا في غاية الروعة، وهنا يكمن خطأ، والمطلوب هو أن تتجه أنظارنا إلى الأمام وليس إلى الوراء .
يصمت وينظر في وجوة الحضور ليرى مدى تأثير كلامه على مستمعيه، ثم يواصل حديثه :
ونحن لا نتحرك إلّا عندما تغمُرنا المياه ونكاد أن نختنق، نهبُ في وجهِ الحاكم الّذي يحتقرنا ولا يقدّر تضحياتنا، هبّة قوية للغاية ولكن هذه الهبّة سرعان ما تنطفئ، وتخمد حرارتها، والمطلوب هو مواصلة الهبة وعدم ايقافها قبل أن نفرض احترامنا .
ومرّةً أخرى يقول : انّنا نعاني من تشويه مخيّلتنا بواسطة البرامج التدريسيّة المتدنية الّتي أعدها الحاكم لطلّابنا كي نعاني من الإنعزاليّة ويبقينا ضمن حضيرته، وهذا يتطلّب ثورة، فكفانا صمتاً وذلاً.. يجب أن تتحرّك مشاعرنا، يجب أن تدبّ الكرامة في نفوسنا ونوّقف هذا الحاكم الجائر عند حدّه، ثم أن الرئيس الحالي يمثل عليكم فهو يريد أن يوافق على سيطرة الحاكم على مقدراتنا من خلال سيطرته على المياه وأانا أُقسم لكم بالله وبرسله أجمعين.. أُقسم بشرفي وبأولادي أن لا استجيب لطلبات الحاكم مهما كان الثمن، وأعدكم لو اقتضى الأمر وأرادوا أن يسيطروا على منابع المياه بان أكون أول شهيداً في هذه المعركة المقدسة .
أثناء ذلك مر غراب من فوقه وهو ينعق وقد أفرغ ما في جوفه، أحس السيد حَنّ بشيء سقط على راسه فرفع يده وتحسس شعر رأسه، ثم نظر إلى يده باشمئزاز وأطلق مسبة .
اقترب موعد الإنتخابات وقرّر السّيد حَنّ أن يعلن عن ترشّحه وأقام مهرجاناً خطابياً في أحد المنتزهات، أعدّ أنصاره ممن وعدهم بالوظائف برنامجاً شاملاً تخللته عدّة فقرات متنوّعة وشيّقة، كان من ضمنها تقديم مسرحيّة قصيرة، تحاكي مشاكل ومشاعر النّاس، وما أن انتهى العرض حتّى وقف وقد وثبت الدّمعة على خده، قال وقد زخِر الحزن لهجته :
أليس من الظلم أن لا يكون هناك اهتماماً بهذه المواهب الرائعة ؟ أنا أعدكم أن يكون على رأس اهتماماتي العديدة والمتشعبّة، عندما أنجح بفضل من الله ومنكم، ببناء بناية مسرح ليحتضن فلذات أكبادنا، كي تترعرع هذه المواهب وتحلّق عالياً بدلاً من أن تندثر .
نجح السيد حَنّ وجلس على الكرسي، وكانت هذه القرية تعاني من ضمن ما تعاني إغلاق الشوارع التي تربطها مع شارع الشاطئ بعد تهجير القرى الفلسطينيّة المجاورة، وبعد أن استولى المستوطنين اليهود على هذه القرى ومنعوا سكان القرية من تزفيت هذه الشوارع التي توصّل السّكان إلى شارع الشاطئ خلال خمسة دقائق، بدلاً من أن يصلوا خلال حوالي الساعة، وَعد السّيد حَنّ السّكان تعبيد أحد هذه الشوارع حتّى لو استدعى الأمر تنفيذ ذلك بالقوّة، ومرّت الأيّام والسنين دون ان يُنفّذ الوعود، وكان لا بد من تبرير الفشل، وسرعان ما تغيرت لهجة خطابه، كان عندما يطالبه أحد السكان بتنفيذ إحدى المشاريع التي وعدهم بتنفيذها يجيب بعصبيّة قائلاً :
يبدو انّك مسمم بالأفكار المتطرفة، فنحن نعيش في نعيم وما علينا إلّا أن نحمد الله ونشكره .