يعود الفضلُ في كتابة هذا التقرير إلى الوثائق والدراسات والمجلات التي وفرها لي مشكوراً المركز الثقافي في مدينة (الخُمس) بليبيا طوال فترة إقامتي في ذلك البلد العزيز علي, هاشم.
يُقَدِم "الاخوان المسلمون" وسواهم من التنظيمات الدينية، على سبيل المثال المجموعات الإسلامية في مصر، مساعدة فاعلة للطلبة المحتاجين، المنحدرين من أُسر فقيرة. كما ساهم مُدرسوا الجامعات والمعاهد التعليمية العليا في أغلب الدول العربية، لا سيما في مصر والسودان، مساهمة كبرى في إيجاد مصادر دخل إضافية ناتجة عن الطباعة وإعادة النسخ والتوزيع لمؤلفاتهم التدريسية, إن كانت عبارة عن كتب نظامية أو ملازم. وفي هذه البلدان، لا يمتلك كل طالب ما يكفي من النقود لشراء مستلزمات الدراسة أو دفع أتعاب الدروس الخاصة. وهنا، يأتي "الاخوان المسلمون": يوزعون الملزمات التدريسية بأسعار مخفّضة تصل إلى سبع ثمنها الأصلي, أي بمقدار كلفتها، ويعملون على عقد جلسات استشارية للطلاب دون مقابل ..إلخ. ففي الجزائر، افتتح "الإخوان المسلمون" في المساجد الجامعية مكتبات تحتوي على الكتب الدراسية, يُلقي فيها المدرسون وطلاب السنوات الأخيرة دروساً إضافية.
لكن التنظيمات الدينية لا تهتم بالغذاء الروحي فحسب, فهي تقدم المسكن والملبس أيضاً. وهنالك معلومات تؤكد أن التنظيمات الإسلامية السياسية المعارضة في الجزائر تقدم مخصصات مالية كبيرة لأولئك الطلبة وتلك الطالبات, الذين يوافقون على ارتداء الزي الإسلامي التقليدي, الموافق للشريعة ( تُقدم الزي مجاناً ). ولا يجوز لنا قطعاً أن لا نُقيم أو نهمل أنشطة التنظيمات الدينية فيما يتعلق بالطلاب الذين يقدمون من الريف والضواحي، والذين يجدون أنفسهم تائهين في المدن الكبيرة، وأحيانا يواجهون صعوبات مادية. وهذه التنظيمات وهي تنفذ قرارات قياداتها, استطاعت في العديد من المرات أن تصبح مركزاً جاذباً للطلبة. "-هذه هي أوسع قواعد الإخوان المسلمين", -كما تؤكد أدبيات الحزب الشيوعي السوداني .
في ثمانينات القرن الماضي, أصبح أعضاء التنظيمات الدينية يستخدمون أشكالاً جديده للكفاح السياسي، الشرعية وغير التقليدية، وسعوا لتقديمها بحملة إعلامية دعاوية واسعة. في النصف الأول´من عام 1984, تَوجَّه 35 شخص _من علماء الدين في جامعة الأزهر وأئمة المساجد، الذين يتعاطفون مع الإخوان المسلمين، توجهوا إلى محكمة جنوب القاهرة بشكوى على الحكومة، مطالبين فيها بإلغاء المادة من القانون التي تقضي بالسجن أو دفع غرامة مالية على كل من يقدم نقد للحكومة أو لسياساتها في أماكن العبادة. وفي ذات المرحلة, وفي مصر أصبحت بعض المحاكم تصدر أحكاماً قضائية بالتوافق مع أحكام الشريعة معارضة بذلك القوانين الرسمية السائدة في البلاد. صرح أحد القضاة الذي تصرف على هذا النحو ( محمود عبد الحميد غراب ) قائلاً: (( ليس هناك قوانين إلهية مناسبة لم تتخذ إلى الآن, لأن ممثلي السلطة القضائية أنفسهم يميلون إلى الخطيئة، وهم فجرة ومرتشون، يقفون إلى جانب المجرمين واللصوص إلى حد بعيد )). في نهاية عام 1985، تقدم "الإخوان المسلمون" في مصر إلى المحكمة يطالبونها بسحب كتاب "ألف ليلة وليلة" من الأسواق، لأنه، حسب رأيهم "لا يتوافق مع الأخلاق الإسلامية".
كما أنه من المنطقي أن تستخدم هذه التنظيمات بشكل واسع تلك الأشكال العلنية من النشاطات السياسية، كالمظاهرات والاجتماعات وسواها.
في الآونة الأخيرة، أصبحت هذه التنظيمات تنحو إلى أعمال العنف والإرهاب بصورةٍ واسعة. وتُعد بعض أعمال العنف على الساحة الدولية من صنائعها .
سنتطرق هنا إلى مختلف أنواع النشاطات العنفية, انطلاقاً من أبسطها وصولاً إلى أكثرها تعقيداً. في هذه الحالة تعتبر العمليات التي تقوم فيها هذه التنظيمات باستخدام الوسائل اليدوية من أبسط أعمال العنف. وفي هذا السياق تأتي عمليات حرق المباني والسيارات. هذه الأعمال وتلك _تنتمي إلى أعمال الإخلال بالنظام، التي تنشأ بمساهمة أعضاء من التنظيمات الدينية.
الأسلوب الآخر _هو استخدام المواد المتفجرة. والى هذا الأسلوب تنتمي تلك الأفعال الإرهابية، كالتي حصلت في 16 أيلول/سبتمبر عام 1985 في روما، حيث قذفت قنبلتان على زوار مقهى "دي باري" جرح 40 من رواده على أثرها. وأخذت مسؤولية هذا العمل على نفسها مجموعة أطلقت على نفسها اسم: المنظمة الثورية للاشتراكيين المسلمين.
عادةً، كان الإرهابيون يستخدمون أجهزة تفجير فيها صواعق ذات تفجير موقوت.. أما في الآونة الأخيرة، ونتيجة خبرة الحرب الأهلية اللبنانية فقد شاع استخدام السيارات المفخخة في الأعمال الإرهابية. إن مثل هذه الأعمال الإرهابية تكون عادة "عمياء" أي ليس لها هدف آخر، سوى قتل أشخاص عرضيين بهدف تخويف مجموعة ما أو لإثارة البلبلة. ففي لبنان وخلال الشهور الأربعة الأولى من عام 1985, نُفذت سبع عمليات كبيرة من هذا النمط. أربعة منها كانت في الصراع الدائر بين التنظيمات الدينية واعدائها: انفجار الأول من شباط/فبراير 1985 في مسجد في طرابلس (شمال لبنان) (8 قتلى، 15 جريحاً), انفجار 18 شباط/فبراير في بناية قيادة حركة أمل في جنوب بيروت (5 قتلى، 40 جريحاً)، انفجار 8 آذار/مارس بالقرب من منزل محمد حسين فضل الله، آحد قادة حزب ا لله في منطقه جنوب بيروت (بئر العبد) (72 قتيلاً و 256 جريحاً).
استخدمت التنظيمات الدينية السياسية المعارضة لأعمال التفجير عن بعد مفجرات من صناعة يابانية باستخدام الإلكترونيات. ففي 25 أيار/مايو عام 1985, نفذ مقاتلو منظمة الجهاد الإسلامي محاولة اغتيال ضد أمير الكويت. لم يُقتل الأمير، بل قتل ثلاثة أشخاص ( حارسان وعابر سبيل ) وجرح اثنا عشر شخصاً. واستخدم في هذه المحاولة مفجر عن بعد: تم تفجير الصاعق عندما انفصل الموكب عن السيارة المستهدفة .
استخدمت التنظيمات الإسلامية في عدد من العمليات طريقة التفجير الذاتي. وفي هذه الحالة تُحمل المواد المتفجرة في سيارة, يقودها شخص انتحاري "كاميكاز". وأحياناً يُحزّم هؤلاء الانتحاريون أنفسهم بالمواد المتفجرة. ( ومثل هذه الأعمال تصنف بالإرهابية إذا كانت موجهة ضد المدنيين العزل أو المواقع المدنية أيضاً على أراضٍ غير محتلة ). ووردت أنباء تفيد أن التنظيمات الشيعية السياسية الموالية لإيران والتي تنتشر معسكراتها على الأراضي اللبنانية، كانت تعد لاستخدام عدد من الطائرات الرياضية ( من نوع F-33 ) في أعمالٍ توجه ضد سفن ومواقع مشاة البحرية الأمريكية، الذين كانوا ينتشرون على السواحل اللبنانية. ويُعتقد أن هذه التنظيمات كانت تمتلك مجموعة من الطيارين ألمتطوعين لتنفيذ مثل هذه العمليات ) .