مَاذا تَقُولُ فَرَاشَةٌ إِنْ لَمْ تَجِدْ دِفْئاً يُهَدِّئُ رَوعَها
وَتَرَى غُصُونَ الشَّمْسِ يَقْضِمُها الْمَساءْ
مَاذا تَقُولُ وَشِعْرُنا يَحْكِي تَضارِيسَ الْكَوَاعِبِ والنّهُودْ
في ثَوْبِها رُقَعُ التّخَبُّطِ وَالشّرُودْ
وَتَقَاسَمَ الْوَجَعَ الْمُخَلّلَ في الدُّجَى شُبّانُها
وَيَهِيمُ فَوقَ مَعابِدِ الْبَلَدِ الْهَباءْ
حَتَّى إِذا لاذَتْ إلى حِضْنِ التَّمَنّعِ والصّدُودْ
هَبَّتْ بِها أَخَواتُها وَاسْتَمْرَأَتْ غَبَشَ الْوُعُودْ
وَإِذا الْبِلادُ تَهَلَّلَتْ تَصْبُو إلى أُفُقٍ يَعودْ
رَفَضَتْ شِفاهُ حِرَابِهِمْ بَرْقَ السَّماءْ
وَالطَّيرُ يَخْفِي وَجْدَهُ
بَينَ الْبَنادِقِ عِنْدَما تُشْرَى الدّمَاءْ
وَالْعَينُ سُجِّرَ دَمْعُها
تَرْنُو إلى طَيرِ النَّوَارِسِ تَحْتَفِي بَينَ الْغَمامْ
وَلِتَرْسُمَ النَّهْرَ الّذِي في خَاطِرِي
مِنْ نَبْعِهِ لَبَنٌ تَحَلَّى بِالْوِئَامْ
مِنْهُ الصّبايا تَغْرِفُ الأَمَلَ الْمُكَلَّلَ بِالنَّشِيدْ
وَالْمَوجُ يَغْسِلُ شَطْأَهُ هَمْساً وَتَرْتِيلاً يُقامْ
عَينِي عَلى عَينٍ تَمَرَّدَ رِمْشُها
وَالْجَفْنُ يُغْرِيهِ الْمَنامْ
تَحْتَ السّكِينةِ في ثِيابٍ حَاكَها غَسَقُ الْخِصامْ
يَاقَومِ مَنْ يَهْدِي الْفَراشَةَ شَدْوَ مَنْ يَرْجُو الْوِصالْ
أَحَبَبْتُها قَبلَ انْبِجاسِ الْفَجْرِ مِنْ رَحِمِ اللَّيالْ
كَحَّلْتُها حَتَّى الْتَقَينا عِنْدِ أَحْلامِ الْجُدُودْ
يَاقَومِ مَنْ صَنَعَ الْكَآبَةَ وَالْجُنُودْ ؟
وَالْحُبُّ يَنْشَفُ رِيقُهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَلْقَى الْغَمامْ
طَالَ اللُّهاثُ عَلى تَقَاسيمِ الْوُرُودْ
وَتَمَيَّعَتْ في بُرْجِها لُغَةُ السَّلامْ
يا مَعْشَرَ الإنْسِ اشْتَكَى مِنْ غيِّكُمْ نَوْحُ الْحَمَامْ
وَفَرَاشَةُ الْكَرْمِ الْحَصِيدْ..
تَسَاءَلَتْ:
مَنْ أَطْفَأَ الطُّرُقَ الّتي رُصِفَتْ مِنَ الْعَظْمِ الْوَليِدْ؟
أَوَتَشْرَبُونَ مِنَ الْجَماجِمِ حُلْمَ طِفْلٍ مِنْ جَدِيدْ؟
أَسْكَنْتُمُوهُ خِصَامَكَمْ فَتَوَجَّعَتْ فِيهِ الْخِيَامْ
وَتَسَاءَلَتْ: لِمَ هَذِهِ الأَشْعارُ تَهْرُبُ كَالطَّرِيدْ ؟
وَتَحَمْلِقُ الأَنْغَامُ في صُوَرِ الْقَصِيدِ ؟
لَمَّا رَأَتْ دَمْعَ الْحُقُولِ عَلى الرَّحَى
وَتَبَدَّلَتْ لُغُةُ الطَّحِينْ
وَالْقَمْحُ يَمْلأُ حَبَّهُ غَضَباً عَلى صَدَأ الْمَناجِلِ في الْقُرَى
يَتْلُو مَوَاوِيلَ التَّرَقُّبِ وَالصُّمُودْ
وَتَسَاءَلَتْ:
كَيفَ الأُخُوَّةُ لا تَرَى سُفُنَ الدّمُوعْ
تَجْرِي بِأَشْرِعَةِ النَّوَى فَوقَ الْخُدودْ ؟
شعر/ صقر أبوعيدة