ونحن نتجول في أزقة الموصل العتيقة أو نقف مبهورين أمام المحاريب والباحات في الجوامع والمساجد والكنائس، يلفت انتباهنا ويشدنا هذا الجهد الحضاري الفني الذي اخترق التاريخ والزمن وظل شاخصا وباهرا بفضل لمسات الخزافين والنقّاشين وفناني الزخرفة العربية الإسلامية والخطاطين، الذين حفروا إبداعهم على المرمر مدخلين إليه حيوية أوراق الأشجار والأعناب والرؤوس والمقابض وكبرياء الصقور والأعمدة الهائلة، كان هؤلاء المبدعين يُنطقون المرمر الخام فيبعثون الحرارة في برودته.. إن إبداع فناني الموصل من معماريين وبنائين يضفي الجمال ويريح الأبدان والنفوس.
ومن هذه المدينة التاريخية مدينة الموصل، بوصفها إحدى مدن العالم التاريخية والتراثية، انطلق فن الزخرفة بمعية زميلاتها مدن العالم القديم ليصل إلى آفاق بعيدة في الشرق والغرب، فأصبح الخط العربي والزخرفة العربية الإسلامية علامة شاخصة في العالم.
ومن شواخص الزخرفة الإسلامية تلك الآثار الناطقة في اسبانيا والتي تم انجازها منذ وصول الخليفة عبد الرحمن الداخل إليها وتأسيس الدولة الأموية في الأندلس، حيث زرع في أرجاء غرناطة، واشبيلية وقرطبة،
وسرقسطة، العديد من القصور والبيوت والجوامع والمعالم المعمارية المطرزة بمنجزات الزخرفة الإسلامية الفذة التي ما تزال تبهر الزوار بعظمة البناء وإتقانه وحجم الجهد والصبر والفن الموضوع فيه.
ويجد زوار الآثار التاريخية والحضارية في شتى بقاع العالم اللمسات الواضحة للزخرفة الإسلامية.
هذه الآثار الفذة، كانت بيوتا للسكن وأماكن عبادة ومناطق للراحة وتتصل اليوم مع عطاء فناني الزخرفة العربية الإسلامية في المدن العربية ومنها مدينة الموصل حيث يواصل فنانو الزخارف والعمارة مهنة آبائهم وأجدادهم في تقديم فن عريق مثل بيت التوتنجي وبيت النجدي وسواهما من البيوت التي يزيد عمر بعضها على أكثر من قرنين وفيها أنظمة بناء خاصة تقوم على الأواوين والقناطر والغرف والباحات المقببة وأنظمة التهوية التي تسمح للهواء بالدوران وللشمس بإنارة البيت. إضافة إلى الأقواس المرمرية المزخرفة والبارزة بإطلالتها على أواوين البيوت والزخرفة الدقيقة على الأبواب الخشبية الكبيرة ذات المقابض الناطقة والقبضات الحية بجمالها وأشكالها التي تستخدم للطرق على الأبواب وتشكل مع المسامير الكبيرة لوحة فنية تكتمل بنظام زخرفة النوافذ والروازين والعليَّات.. هذه هي أولى الصفات التي تلفت نظر زائري الموصل القديمة.
الصور المرفقة مع المادة هي لبيت التوتونجي وبيت النجدي