من ذاكرة الموصل :
تشتهر مدينة الموصل , مدينة التاريخ والتراث.. بأنشاء العديد من المقاهي الشعبية في ماضيها البعيد والقريب، عن هذه المقاهي تحدث لنا الدكتور ذنون الطائي استاذ التاريخ الحديث والمعاصر ومدير مركز دراسات الموصل بجامعة الموصل , قائلا :
إعتاد أهالي الموصل إرتياد المقاهي او الجايخانات ومفردها جايخانة وهي كلمة تركية تعني محل شرب الشاي. منذ القرن التاسع عشر، وذلك بقصد الترويح عن النفس والالتقاء مع الأصدقاء على شكل مجالس وأندية يتجاذبون فيها أطراف الحديث، ويتناقشون بالأمور الحياتية والعامة.
ومن أقدم المقاهي التي عرفتها الموصل هي قهوة الطني التي أُنشئت سنة (1235هـ/ 1819م) وسُميت كذلك ربما نسبةً لاسم صاحبها، وتقع في الجهة اليسرى من شارع نينوى الحالي. وهنالك قهوة السوق الصغير التي بُنيت سنة (1274هـ/ 1807م) وقد كُتبت فوقها الأبيات الشعرية التالية
هذه القهوة حازت
كل شيئ قد تهذبْ
ببناءِ قد تعالى
لِعَلّي ذاك يُنسَبُ
فَلِمن رامَ ذهاباً
في سِواها فهوَ يهربُ
هذه الأبيات تدلل على صفة الوقار والإحترام لمرتاديها، وفيها كل مطلب للرواد بما يروح عن أنفسهم.
وهناك أيضاً قهوة مسجد العقبة، وكُتبَ فوقها: " هذا وقف مسجد العقبة سنة (1221هـ/ 1807م) حسبما أورده سيوفي، وقهوة يحيى الكركور التي بنيت سنة (1279هـ/ 1272م) وقد كُتبَ فوقها البيت التالي:
محل أُنس للحسين شادهُ
يحيى ولِكرامِ آوى هيّأه
وهذا البيت الشعري الذي كتب لارتيادها، فالشعر كان وسيلة دعائية
ولهذه المقاهي شأن في الحياة الإجتماعية، حيث تعمل على تعزيز العلاقات الإجتماعية وتوكيد الأخبار التي تروج في شتى مناحي الحياة.
وجدير بالذكر ( والحديث ما زال للدكتور ذنون الطائي استاذ التاريخ الحديث والمعاصر ) أنه بعد عام 1906 إنتشر جهاز الحاكي فاقتناه أصحاب المقاهي وتَعوّد الأهالي على سماع التراتيل والأخبار والأغاني، وقد أحدث ذلك جدلاً واسعاً، إن كان سماع هذا الجهاز حلالاً أم حراماً، فصدرت فتوى من قبل رجال الدين أجازوا فيها سماع التراتيل الدينية،
كما انتشرت عادة شرب الشاي في المقاهي سنة 1895م ..
- وتضم الجايخانة افراد من المجتمع الموصلي بكل اعراقهم واثنياتهم، اذ تنتشر في كل المحلات السكنية، فضلاَ عن وجودها في الاسواق المحلية، وهناك جايخانات خاصة (لأهل الصنف) البنائيين او نجاري الخشب وسواهم، كما هو الحال مع جايخانة او (قهوة يحيى) قبالة دائرة العمل فيها في مطلع ثمانينات القرن العشرين. وهناك مثلها في رأس الجادة وباب الجديد.
وللجايخانة اهميتها في المنطقة السكنية او المحلة وبخاصة في ليالي شهر رمضان حيث يجتمع فيها الشباب بعد صلاة التراويح ويلعبون (لعبة الفر) وهي عبارة عن صينية فيها (11) كوب من النحاس يضمون في احدها الحجر او الخاتم ويتبارون في ايجاده بين فريقين، الخاسر يقدم صينية من الحلويات (البقلاوة او زلابية) وتستمر اللعبة حتى قبيل صلاة الفجر.
كما يجب الاشارة الى وجود (جايجي متنقل) يدور في الاسواق ويحمل عدة الشاي، عبارة عن منقل مربع او مخمس الشكل فيه الفحم والقواري والاستكانات ويجلس عند عمال البناء، او يدور في اسواق السراي والمهن والحرف المختلفة وينهي عمله حتى قبيل المساء عندما تغلق الاسواق ابوابها.
كما يتبارى الرجال او الشباب في احيان كثيرة بلعبة (الدومينة او الطاولي) والخاسر يقدم المشاريب او الشاي (على حسابوا) لكل الحاضرين في الجايخانة. ويقوم بتوعد الرابح بالأخذ بالثأر في نفس اليوم او الاتفاق على موعد آخر.
وعادة ما يقدم في الجايخانات الشاي او الحامض يصنع من نقوع نوم البصرة واحياناً يقدم الدارسين (الداغسيني) ... ويختتم استاذ التاريخ الحديث والمعاصر الدكتور ذنون الطائي حديثه معنا ، بالقول :
- الجايخانات تسجل لدى دائرة البلدية ولها رقم وتفتش من قبل مديرية الصحة بين الحين والاخر، والان اختلفت الجايخانات وتقاليدها مع التطور التكنولوجي حيث برزت (الكافتيريات) ويقدم فيها الحلويات وأنواع المشاريب والنركيلة، فلكل عصر سماته وحاجاته المعبرة عنه.