إِذا ما رُحْتُ أَكْتُبُ قِصّةً تَحْكِي خُطَى أُمّي
حِبالُ الشّعْرِ تَخْنُقُني عَلى عُمُدٍ مِنَ النّظْمِ
وَكُلُّ قَصِيدَةٍ تَرْسُو عَلى بَالي لأَرْثِيَها
أَراها تَنْزِعُ الْكَلِماتِ منْ عَظْمِي
إِذا ما قُمْتُ أَفْتَحُ بَابَ قامُوسِي لأَمْلأَ جُعْبَةَ الْكَلِمِ
فَتَهْرُبُ منْ مَعانِيها حُرُوفُ النّعْيِ لِلْوَطَنِ
تَذُوبُ عَلى شَفا ذِكْرَى تَحُطُّ عَلى فَمِ الْقَلَمِ
فَمَهْمَا قَالَتِ َالصّفَحاتُ لا تُغْني عَنِ السَّهَراتِ في لَيلٍ
يَجِيشُ بَصَدْرِها هَمّي
وَأَيُّ قَصِيدَةٍ في الْكَونِ أَسْمَعُها تُعَاتِبُنِي
لأَفْرِشَها إلى ظُفُرٍ مِنَ الأَيدِي الّتي كانَتْ تَحُكُّ الجلْدَ في وَرمِي
فَكَيفَ أُعِيدُ أَيّاماً لَها كَانَتْ تًمُدُّ الْجَفْنَ في الْغَسَقِ
لِتَرْسُمَ لي فَطائِرَ حُلْمِنا الْقَمَرِي
دَعُوا قَلَمِي يُطَرّزُ مِنْ غُصُونِ الشّمْسِ مِنْدِيلاً لِهُدْبَيها
وَيَمْلأُ مِنْ حَنينِ الأَرْضِ أَشْعَاراً تُعانِقُ قُبْلَةَ الْمَطَرِ
فَكَمْ تَعِبَتْ تَجُوبُ اللّيلَ، وَالْعَبَراتُ لا تُرْخي سَتائِرَها
فَلَمّا اخْتَارَ لُقْيَاها لِتَسْكُنَ بَينَ رَحْمَتِهِ
رَأَيتُ حُزُونَةً غَطّتْ سَنامَ الْبَوحِ وَالصّوَرِ
أُرِيدُ قَصِيدَةً حَلِمَتْ بِها عُصْفُورَةُ الْجُرْنِ
ولَيسَ يَدُوسُها جُنْدٌ قَدِ انْتَعَلَتْ حَوَافِرَ عُصْبَةِ الأُمَمِ
وَلا يَشْقَى عَلى أَكْتافِها أُغْنِيّةٌ تَصْبُو إلى الْغَضَبِ
فَأَكْتُبُها بِحِبْرِ الْعُمْرِ وَالأَنْفاسِ وَالتّارِيخِ وَالْخِيَمِ
لأَرْوِيَ منْ نَدَى الْكَلِماتِ أَورَاداً أَبُلُّ بِها ثَرَى أُمّي
لَيَومٌ عِشْتُهُ فِيها يَطِيشُ لَهُ سَنا عُمْرِي
وَلَحْنٌ مِنْ نَسيمِ الرّيحِ يَلْعَبُ في غَدائِرِها
لأَعْذَبُ منْ كَمَنْجاتٍ تُرَقّصُ جَوقَةَ السّمَرِ
*****
أَجِيءُ لَها فَتَهْمِسُ بَينَ أَورِدَتِي هُمُومَ دَوَالِيَ الْقُدْسِ
فَتَهْطِلُ فَوقَ أَوراقِي تَراتِيلُ الأُمُومَةِ وِالدّعَا أُنْسِي
فَقَدْ مَلَكَتْ زِمامَ الْحُبّ وَالنّغَماتِ وَارْتَسَمَتْ عَلى قَلَمِي
أَهَازِيجَ الْبِلادِ وَبُرْتَقالاً يَسْتَقِي لَوناً مِنَ الشّمْسِ
أَلُوذُ بِها فَتَمْنَحُني صَبَاحاً مِنْ صَدَى الأَمْسِ
وَإنْ رَسَمُوا لِيَ النّجْماتِ في دَرْبي
أَوِ اخْتالَتْ لِيَ الأَيّامُ وَابْتَهَجَتْ
أَسارِيرُ الدّنا في عَالَمٍ يَسْبِي
فَلا تُغْني عَنِ اللّحَظاتِ حِينَ تَقُولُ عَيناها
أَيَا حُبّي
*****
فَمَنْ يَأْتي بِحَرْفٍ يُخْرِجُ الأَنّاتِ منْ بِئْري
وَيأْتِيني بِلَحْنِ مَحَبّةٍ تَشْدُو بِها أُذُنِي
فَشِعْري نَاءَ بِالْعَثَراتِ إِذْ أَلْبَسْتُهُ غَضَبي
وَكُلُّ كَلامِ مِحْبَرَتي وَإنْ غَرَفَتْ مِنَ الْيَمِّ
فَلا تَكْفِي لأَكْتُبَ شَهْقَةً سُكِبَتْ عَلى أَلَمِي
*****
أَأَرْثِي بَسْمَةً كانَتْ تُذِيبُ شَوائِبَ الدّرْبِ !
وَيَنْثُرُ ثَغْرُها ضَوءاً يُشِيرُ إلى جَوَى الشّعْبِ
فَلا عَجَبٌ إِذَا ما جَاءَتِ الأَبْنَاءُ ترْثي جَدّها الْعَرَبي
سَنابِكُ خَيلِهِم صَدأَتْ وَعاثَ بِها هَوَى الأُمَمِِ
وَقَدْ رَهَنُوا عَواصِمَهُمْ على كَفٍّ مِنَ الْغَرَرِ
وَما عَلِمُوا بِأَنّ النّارَ في بَحْرٍ تَثُورُ على مَدَى الْبَصَرِ
فَتِلْكَ دِماؤُهمْ هَبّتْ وَزَعْزَعَ رِيحُها نُصُباً مِنَ النُّظُمِ