من المعروف إن لكل عمل فني (شكلا ومحتوى)، فالشكل يكون خاضعاً للعلاقات الشكلية، حيث يدرك من خلالها، وأما المحتوى فيتم استيعابه من خلال تنظيمات الشكل نفسها.
إن أي عمل معماري يكون مؤلفاً من جزأين متلازمين (فكري وعملي)، ويمثل الشكل الجزء العملي لهذه الثنائية، وهو الجزء الظاهر أو الجسم الحاوي، والذي يكون ناتجاً من خلال قوانين موضوعية Objective Laws.
يخلص بعض منظري العمارة إلى أن الإنسان في علاقته بالعمارة وفعاليات صنعها يكون في موقعين: الفاعل وصانع الحدث، والمتلقي (مراقب الحدث)، والتي تتحقق في العمارة بصيغة إعطاء شكلاً لها، حيث يدرجها الإنسان في حالتين، الأولى كمادة (شكل ماري)، والثانية (كدلالة وفكرة).
معبد البارثنون - أثينا
ونريد التذكير بأننا نعتبر الشكل هو الجزء المادي للعلاقة المعمارية، أي الدال عليها، بينما يمثل معنى الشكل أو محتواه، مدولها.
تعريف الشكل:
الشكل هو مجموع الخواص التي تجعل الشيء على ما هو عليه، إذ تتجمع الصفات الحسية وتعطي كلها معاً شكل الشيء، فإذا كان هذا الشيء مركباً من اجزاء متعددة، فالشكل هو الذي يطلق على مجموع الأجزاء وعلاقتها مع بعضها البعض وبينها من الفراغات، داخلها أو حولها، التي تحدد كلها طابعاً مميزاً لذلك الشيء أو الجسم والذي هو مادة يمكن إدراكه بالحواس، أما الشكل فصفة تجريدية يدركها العقل عن طريق الحواس، ولكنه لا غنى لأحدهما عن الآخر وهما يكونان وحدة متماسكة.
كنيسة أيا صوفيا- أسطنبول
وعند البحث عن تعريف الشكل المعماري عند بعض منظري العمارة نرى أنهم يقولون بأنه (أي الشكل المعماري) مجموعة سطوح تحدد فيما بينها فراغاً داخلياً، أو أنه كتلة مكونة من مادة أو أكثر مشكلة السطح أو الأسطح بلون طبيعي أو صناعي، يخضع لمعالجات تتفق مع خواصه الطبيعية، وتظهر حيويته بالضوء الطبيعي، والعناصر الأساسية المكونة للأشكال المعمارية، الخطوط والمستويات والأجسام والحيزات والكتل. ويمكن بسهولة ملاحظة سطحية هذه النظرة للشكل حين أغفلت الجانب المعنوي (الفكري) له. ولكن الشكل في حقيقته هو ما تعرفه النظريات بأنه مجموعة عناصر أدركت بمجموعها، ليس كنتيجة لأي تجمع عفوي.
مسجد قبة الصخرة – القدس، يحقق مبدأ الوحدة في الإسلام، حيث ينطلق الفراغ من نقطة يتكون حولها الكل من جزء مكرر
مؤثرات الشكل:
ينتج الشكل نتيجة تفاعل عوامل مادية ووظيفية وعوامل روحية سيكيولوجية إنسانية، ويحدد الباحثون العوامل المادية في:
أ. العوامل الطبيعية.
ب. العوامل التكنولوجية.
فيما يحددون العوامل الروحية والفكرية بأنها تشمل:
أ. العوامل الإنسانية (الدين، السياسة، المجتمع).
ب. عوامل طابع العصر (الاقتصاد، القيم الجمالية، الأتجاهات المعمارية).
ويقولون بأن الشكل هو حصيلة تفاعل واعٍ لمجموعة هذه العوامل المختلفة المحددة للشكل من خلال صياغتها داخل رؤيا المصمم والتي تعطيها طابعاً مميزاً تحت هذه الظروف، وأن صياغة هذه المؤثرات على الشكل خاضعة لعوامل كثيرة ومعقدة ومتبادلة التأثير فيما بينها، وقد اختلفت عبر التاريخ حسب نظرة المحلل لها.
إن هذه العوامل تعمل بدرجات متفاوتة باعتبارها عملية تكاملية وليست حسابية وطبقاً للدكتور ساهر القيسي (*) فإنه يقسم مؤثرات الشكل إلى قسمين رئيسيين:
الأولى هي العوامل الثقافية والتي تتسم بالتغير مع الزمن والثانية هي العوامل الطبيعية والتي تتسم بالثبوت، هذا ويظن أغلب المنظرين بأن أكثر المحددات وضوحاً في صياغة الشكل تكاد تكون محددات لا عقلانية بالتعبير عن الأحاسيس البشرية والإرادة الإنسانية (الفردية والجمعية) أكثر من ارتباطها بحسابات منطقية قياسية مجردة، فعملية أنتاج الأبنية وتوقيعها هي عملية متعددة الجوانب، تعبر عن إرادة واضحة ومهيمنة. كما أن الشكل الذي يتخذه أي مبني يرمز إلى قرار واضح يعبر عن توجه اجتماعي معين (أو توجه فردي في بعض الأحيان)، يحفز بدوره ظهور ردود أفعال متباينة (أيجابية أو سلبية، مباشرة أو غير مباشرة).
المؤثر الديني (العقائدي) للشكل:
يُعتبر الدين محدد غير مادي للشكل، حيث تقول مدرسة الجغرافيا المقدمة من قبل بليك Blache وفيير Vebure بأن الإطار المادي يمكن أن يزود الإمكانيات وليس الالتزاميات، لأن الإنسان هو من يتخذ القرار، وهناك الكثير من الأمثلة التي تؤكد بأن الأشكال (خاصة البيوت)، ليست ناتجة من أثر القوى المادية، وخاصة ما يلاحظ من أن الشكل في الغالب يتغير في المناطق في حين أن المظاهر المادية لم تتغير.
شكل تشخيصي مبني على الماضي، متطلعاً للمستقبل في مبنى هيومانا، للمعماري مايكل كريفز
وهناك أراء حاولت إجابة التساؤل حول دور المحدد المادي التي برهنت بأن الإنسان حيوان صانع للرموز قبل أن يكون صانع للأداة، حيث يضع الإنسان طاقته بأشكال رمزية أكثر من أشكال نفعية، ويقول بأن إنجازات الإنسان معتمدة كثيراً على الحاجة إلى الأستفادة من موارده الداخلية (لنفسه)، أكثر من حاجته للسيطرة على البيئة المادية أو المزيد من الطعام، فهو قد وصل إلى درجة التخصص في الأسطورة والدين والطقوس، قبل تحقيقه لمظاهر مادية في الحضارة.
إن الدين يؤثر على الشكل والمخطط والترتيبات الفراغية وعلى توجيه البيت، وربما يكون هو المؤثر الذي يقود إلى وجود أشكال معينة، (المستطيلة أو الدائرية ..الخ)، حيث يعتقد أن بعض الثقافات Cultures التي لا تملك بيوتاً ذات نمط دائري، هو بسبب حاجتهم إلى التوجيه الكوني حسب معتقداتهم حيث يكون الشكل الدائري ليس سهلاً في التوجيه (في منطقة زولو Zulu في أفريقيا نلاحظ وجود الشكل الدائري لأنهم لا يهتمون بعملية التوجيه، حيث لا نلاحظ وجود الخطوط المستقيمة في بيوتهم، بينما في مدغشقر يكون توجه البيوت وفق قواعد فلكية صارمة بما يفرض عليهم فكرهم الديني).
وهنا نفس الشيء يحدث بأن البيت يجب أن يكون قبلي (وباتجاه القبلة – مكّة المكرمة).
إن الشكل المعماري يمكن رؤيته من منظور المؤثر الديني على أنه انعكاس رمزي للتيارات الرئيسية للأفكار السائدة، خلال عصور معينة من الحضارة، فمن السهل جداً أن نقول بأن العمارة الغوطية عكست الروح الرهبانية لذلك يمكن رؤية الشكل المعماري من هذا المنظور بمستويين هنا:
1. المستوى الرمزي.
2. في الظاهرة التاريخية للفكر المعماري، هناك مفهوم يتداوله الباحثون في الحقل المعماري يقول بأن أغلب الشعوب البدائية وما قبل الصناعية كانت تشدد على الدين أكثر من الأعتبارات المادية في إنتاج الشكل، وهذا يدحض القول الذي يستند على تفسير أشكال العمارة البدائية تفسيراً مادياً.
المعنى والشكل Form & Meaning:
إن المعنى (Meaning) هو أحد المكونات الأساسية للصورة العمرانية فكل عنصر من عناصر الهيئة الحضرية لابد أن يمتلك معنى محدداً يفسره المتلقي بشكل معين، سواء كان ذلك المعنى عاطفياً ورمزياً أو كان عملياً وظيفياً أو غير ذلك.
كنيسة سانت إيتين
يمكن تعريف الصورة الذهنية نفسها على أنها معنى كامل يكونه قصد يستند إلى المعرفة فلا يمثل المرء لنفسه الصور الذهنية التي يعرفها إلى حد ما .. فالصورة الذهنية لا يمكن وجودها من غير المعرفة التي تؤلفها.
ويحدد أصحاب المذاهب النظرية من الفرنسيين بأن المعنى ليس موضوعاً يتطلب تحديده، بل أثر يجربه المرء.
إنّ الناس الذين يعيشون في فضاء معماري، فإن أفعالهم وكل حياتهم الروحية والنفسية والمادية عندماتتم فيه هي أساس تكون المعنى، فمضمون العمارة هو محتواها الأجتماعي Social Content.
إن أي شكل طالما يتم إدراكه يصبح وسيلة للتعبير وقادراً على إيصال المعنى، وحتى تلك الأشكال (المعمارية أو الفنية) التي يراد لها أن تكون محايدة او خالية من المعنى والتعبير (حسب ادعاء مصمميها) إنما هي (تعبر) عن الحياد وتنقل رسالة معنوية مهمة وواضحة تجسد الفكر الذي أنتجها، والواقع الثقافي والاجتماعي أو الاقتصادي الذي تنتمي إليه.
في عملية الأتصال التي تحدث للشكل المعماري هناك بعض الحقائق يمكن استقراؤها من خلالها وهي:
1. الناس يسقطون (يحددون) المعنىٰ في بيئاتهم في صيغ ليست عشوائية بل محكومة بواسطة قوانين وخاضعة للتغير ألتاريخي.
2. المصممون يمتلكون قدرة على إنتاج أشكال غير ذات معنى للناس الآخرين بالأضافة لأنفسهم.
3. المعانى المسقطة على الشكل خلال فترة حياته تكون مختلفة ومعقدة كثيراً أكثر من أي تفسير منفرد يمكن تصوره حتى لو كان للمصمم نفسه.
4. ربما يحاول المصممون المشاركة بالمعنى الذي يسقطه الناس على أشكالهم، وربما أنهم يعالجون الشكل من أجل اقتراح معان بالنسبة للمفسرين. ولا يفترض هنا أن الناس سيفهمون ذلك بصورة جيدة، وهناك من يقول بأنه لا يسيطر المصممون على المعاني التي سيقرؤها الناس في الأشكال التي ينتجونها مثلما يسيطرون على نجاحهم.
5. يشعر المفسر في بعض الأحيان بأن المصممين ينوون أيصال Communicate شيئاً ما، ولكن هذا ما يعتقده المفسر وليست نية المصمم ذلك.