يرى رواد المدرسة الرمزية *، أن الرموز موجودة في مجالات كثيرة من حياتنا، فالملابس على سبيل المثال ترمز بالإضافة الى قيمتها الإستعمالية – الى المركز الإجتماعي والإقتصادي لصاحبها، وهي كذلك تميز بين رجل الدين وضابط الجيش والطالب والموظف وعامل المصنع.. وغيرهم وكذلك بالنسبة لأعلام الدول، فبالرغم من أنها ليس لديها قيمة إنتفاعية أو مادية، إلا أنها ترفع على المباني لترمز للإنتماء والوطنية لدولة محددة . بل يتم تمييزها عن بعضها بالألوان الخاصة بها .
وعلى الرغم من كون بعض الرموز تستمر من حقبة الى أخرى، ومن عصر لآخر، إلا أن الرموز غالبا ما ترتبط بالعصر الذي نشأت فيه، فرموز العصور القديمة تختلف عن رموز العصر الحديث .
والتعبيرات الرمزية تختلف عن التعبيرية المباشرة في كونها تتخذ عناصر خاصة لتجعلها إصطلاحات للدلالة على معان تعرف بها . هنا نجد أن الألفاظ والجمل واللإشارات والأعلام والعناصر المكونة لأي عمل فني، من ملمسلون أو كتلة أو فراغ – قد أصبحت رموزا في هذا التعبير Symbols فالرموز هي الأشكال المرئية التي تكافئ الحالة العاطفية، ولكن يختلف مقدار ما تعبر به الفنون، إختلافا كبيرا في مداه ودقته من مجتمع لآخر، وبين إنسان وآخر .
ومن أمثلة العناصر التي تصبح رموزا، أن يضع المعماري ساعة كبيرة في واجهة مبنى البلدية أو على واجهة مدخل محطة القطار، للدلالة على قيمة الوقت . أو أن تكون أسقف الكنائس مدببة وشديدة الميلان، وتتجه بتشكيلها العام نحو السماء وكأنها في دعاء دائم . وبالنظر الى الأعمال المعمارية الخالدة نستطيع أن ندرك بعضا من هذه المعالجات، فما القباب والمآذن في المساجد الإسلامية سوى نمط من هذا التعبير الرمزي، حيث يمكن لنا أن نرى المئذنة في إرتفاعها وشموخها يرمز الى السماء، بينما القبة بضخامتها وسيطرتها على شكل المبنى ترمز الى الأرض . وقد أجلس المعماري الكبير "كروبيوس" قبة جامعة بغداد مباشرة على الأرض، فأعطت رمزية كبيرة ومؤثرة . وقد نجد في بعض الأشكال المتدرجة مثل الزقورات في حضارات العراق القديمة، والإهرامات في مصر رمزا للبقاء والخلود .
مسجد جامعة بغداد
لقد بدأت التعبيرية الحديثة، وكما يذكر "ولفكانك بينت " في العشرنات من القرن الماضي في ألمالنيا ـ بمحاولة لإكساب المبنى طاقة تعبيرية حركية، وذلك بتأكيد محتوياته والتشكيل الديناميكي لأجزائه بإستعمال منحنيات متوازية، أو دوائرأو زوايا حادة، وكانت المداخل تصمم بطريقة خيالية ( شبه غامضة ) مع الإسراف في إستخدام الزخارف، أما التشكيل العام فيعطي إحساسا بأنها مبنية من مادة رخوة يسهل تشكيلها، أو مادة صلبة يمكن نحتها كالتماثيل، وقد إمتازت مباني هذا الإتجاه بالشفافية وخلق الأحلام والخيالات . ومن أشهر الأمثلة على ذلك هو برج أينشتاين للمعماري الألماني أريك مندلسون Mendelsohn وأعمال المعماري شارون Sharoun في صالة الفيلهارموني ببرلين، وأعمال غاودي Gaudi في برشلونه، وأعمال آلفار آلتو Alvor Aalto في فلندا .
برج آينشتاين للمعماري الألماني أريك مندلسون
صالة الفيلهارموني ببرلين للمعماري شارون
أعمال غاودي في برشلونه
وقد جاءت المدرسة التعبيرية كرد فعل على ما سمي آنذاك بالإسلوب العالمي لتصميم المبانيInternational Style وإتجاهاتها الميكانيكية التكعيبية، وخاصة في ألمانيا وسويسرا وإيطاليا وإسبانيا .. وقد بدأت الحركة التعبيرية خافتة في أول ظهورها الى أن بلغت قمة إزدهارها في فترة الستينات من القرن الماضي، وقد ظهرت خلال تلك الفترة عدة محاولات منها :
• خلق تشكيلات جديدة لافتة للنظر ذات تأثير ديناميكي على العين والمشاعر، وهي في ذلك تعبر عن الحرية في التشكيل والإنطلاق والإنسيابية الملازمة للحياة المعاصرة، ومن أشهر رواد هذه المجموعة المعماري "أريك مندلسون" الذي إستخدم شرائط من البياض والزجاج في أشكال منحنية إنسيابية، ومن أشهر أمثلة هذا الإتجاه محلات Schocken في كيمنتس Chemnitz بألمانيا .
• التعبيرات المباشرة عن وظيفة المبنى، ذلك بأن يأخذ تشكيل المبنى شكل المنتج الذي يصنع أو يباع بداخله، فنجد الشكل الخارجي لمصنع القبعات يتخذ شكل قبعة، أويتأثر الشكل بمظاهر في البيئة المحيطة، كأن تتخذ المساكن على البحار أو المحيطات شكل القوارب الشراعية أو السقن المنطلقة الى الماء، أو ينخذ مبنى شركة لنقل البضائع كشكل الصندوق المحاط بالأشرطة .
• التعبيرات المستقبلية Futuristic : وهي مشروعات تجريبية لم تنفذ ( بشكل واسع )، وتعبر عن الحركة الديناميكية والتجديد والتنبؤ بالمستقبل ونمط الحياة الإنسانية فيه، كما أن أعمال المعماري سانت إليا St. Elia في ثلاثينيات القرن الماضي، وأيضا أعمال المدرسة المتميزة الأرشيفرام Archigram باليابان في الستينات، وأعمال زهاء حديد منذ بداية تسعينات القرن العشرين وحتى الآن .
أعمال المدرسة المتميزة ( الأرشيفرام ) في اليابان
• التعبيرات الرمزية : وهي كانت تهدف الى إظهار وظيفة المبنى بطريقة غير مباشرة، ومن الأمثلة التي توضح هذا الأسلوب ما ضمنه سارانين E. Soarinen في محطة الوصول T.W.A بمطار جون كندي بنيويورك ومبنى محطة الوصول بمطار دالاس بواشنطن، حيث عبر في كلتا المحطتين عن الطيران والإنطلاق تعبيرا رمزيا، فإتخذ من الأولى شكل طائر له جناحان . بينما جعل إنحناء السقف في الثانية يبدو كأنه تجريد لطائر يشرع في التحليق والإنطلاق الى السماء . وكذلك ما إتخذه "لوكوربوزييه" في كنيسة رونشامب Ronchamp والتي رمز إليها بقارب يعبر بالمؤمنين الى بر الأمان *
محطة الوصول بمطار جون كندي بنيويورك من اعمال سارانين
كنيسة رونشامب من أعمال لوكوربوزييه
د.هاشم عبود الموسوي
أستاذ العمارة والتخطيط العمراني