لماذا لم تقرع الأجراس لإمبراطورة العراق"زهاء حديد " ولم تقام لها أقواس النصر
في وطنها العراق قبل وفاتها ؟؟؟
اعتاد الأباطرة العظام، عبر صفحات التاريخ، عندما يحققون نصراً على أعدائهم، ويعودون بجيوشهم الجرارة إلى بلدانهم، بعد أن يكونوا قد أحلوا الدمار، ونشروا الموت والخراب في أراضي أخرى خارج أراضيهم، تقام لهم أقواس النصر، ويأمرون ببناء صروح ضخمة تخليداً لانتصاراتهم. كل ذلك حدث منذ بدء الخليقة، وعند ظهور الحضارات الأولى: السومرية والأكدية والبابلية والأشورية والفارسية والفرعونية، وحضارات المايا. والإنكا والفينيقية والإغريقية والرومانية، وغيرها، وحتى يومنا هذا .
والثمن كان إزهاق أرواح بشر وتهديم حضارات بشرية قائمة.. ويعود هؤلاء الأباطرة مُبلّلةٌ أيديهم بدماء قتلاهم، يجرّون خلفهم أسرى شعوب أخرى من النساء والأطفال بعد أن قتلوا كل الرجال.. ويا بلاهة التاريخ، هؤلاء تُقام الاحتفالات تكريماً لبربريتهم، وتُشاد القلاع والحصون باسمهم، وتُطلق عليهم الألقاب، وتُحاك حول بسالتهم الأساطير، ويبقي التاريخ يُزيّف سيرهم، لتفخر من بعدهم أجيالٌ ببأسهم، وشجاعتهم وسطوتهم .
توجد إمبراطورة واحدة فقط في تاريخ البشرية من بين كل هؤلاء الأباطرة، احتلت كل قارات العالم دون سفك دماء. وإجلالاً لها شَهِدَت، وشيّدت لها الدول من شرق المعمورة إلى غربها صروحاً حضارية، كانت تقوم هي بنفسها بوضع تصاميمها.. مُشيرةً إلى أنّ امرأةً عراقية آتية من بلاد ما بين الرافدين، وضعت تصميماتها على خارطة العالم، وختمت ختمها واشتهر اسمها لدى كل شعوب الأرض، أكثر من اسم أي قائد، أو مُفكّر أو شاعر، أو فنان عراقي تعرفه الشعوب.. تلك هي المفكرة الفذّة والمعمارية العراقية، الأسطورة.. زهاء حديد .
لا فخر لأشور بانيبال أو نبوخذ نصر أو الاسكندر المقدوني عندما قادوا آلاف البشر إلى معارك الكراهية والعنف والبغضاء.. الفخر لامرأة دخلت بلدان الفراعنة والإغريق والرومان، وامتدادات الأرض لا بآلة دمار وإنما بثقافة إنسانية مُرهفة، ومُشبعة بإحساس الإنسان بواقعه المعاصر مع نهايات قرننا الماضي وبدايات قرننا الحادي والعشرين .
أشادت المتاحف ومنشآت السياحة والترويح، ومباني الخدمات، ومختلف المشاريع والمواقع الحضرية ذات النفع العام على المجتمعات البشرية .
أتعرفون يا من تقرأون مقالتي كيف تم استقبال هذه الإمبراطورة في أعرق المدن الأوروبية؟ عندما دُعيت إلى أثينا.. ووجد منظموا الدعوة أن أكبر قاعات هذه الدولة العريقة لا تتسع للجماهير المتعطّشة للقاء الإمبراطورة الفاتحة زهاء حديد. فأُقيم حفل استقبالها في ملعب رياضي كبير.. لتُلقي فيه محاضرتها وبوجود شاشات العرض الضخمة التي غطّت جوانب كل الاستاد الرياضي. هل نسأل أنفسنا، لم يجهل أبناء شعبنا اللامعين من مبدعينا ومُفكّرينا ؟
ألم تستحق هذه الإمبراطورة فاتحة كل بلدان العالم أن تُقام لها أقواس نصر في كل المداخل الحدودية العراقية، وفي كل مدينة كبيرة وصغيرة..
ألم يكن من حقنا على حكومتنا أن نُطالبها بالتعاقد مع ابنة البلد البارة ( والتي في كل مقابلة تذكر بأنها عراقية قبل كل شيء، وتعتز بعراقيتها ).. كي تُصمّم مشاريع إعمار كل المدن والقرى.. لنُشير للعالم بأننا رغم المآسي والحروب والدمار التي مرّت علينا طوال العقود الأربعة الماضية، فلا زال إبداعنا قائم، ومجتمعنا يحمل في داخله الصفات الذاتية التي تضمن له استمرار دوره الريادي بين شعوب العالم .
وليعلم الجميع وحكامنا أولّهم أن أمام كل مجتمع غاية، فهو يندفع في تقدّمه إما إلى الحضارة، وإما إلى الانهيار عندما يفقد المجتمع ثقته بنفسه، وتتقدّم الحركة لديه، فإنّه يفقد حتى تاريخه القديم، ويُصبح لا غاية له.
المرحومة الإمبراطورة زهاء حديد، الأسطورة، والمعجزة، بعد أن أعادت لنا كرامتنا وثقتنا بالنفس، بعد أن كانت قد تعفّرت بمستنقعات حروب همجية واحتلال وحشي .. وغياب الألق العراقي الأصيل الذي عرفته البشرية عنّا، بألم بالغ وصلنا اليوم خبر وفاتها
فهل هناك من قادتنا من يقرأ ما نكتب؟ وهل فيهم واحدٌ يفهم ما نُريد؟
د. هاشم عبود الموسوي