تتعرض"المغتصبة" لظلم بين يتجلي بوضوح في نبذ المجتمع لها دون ذنب اقترفته سوي أنها أنثي تعرضت لاعتداء يعصف بآدميتها ليصبح المقابل الجحود والتنكر لها من كل صوب فضلا عن الزج بها إلي "سجن العار" جراء حزمة من الموروثات الثقافية والأعراف المحيطة بها التي تضغط عليها لتقودها إلي احتراف البغاء أو الانتحار أو مصير آخر لا يعلمه إلا الله.
وكشفت آخر الإحصائيات الصادرة في هذا الشأن أن القاهرة تشهد حالتي تحرش واغتصاب كل ساعة تقريبا وأن نسبة 90% من مرتكبي جرائم انتهاك الأعراض عاطلون عن العمل، وفي المقابل سجلت إحصائيات وزارة الداخلية 52 ألف بلاغ عن حالات اغتصاب خلال العام الماضي , لذلك كان لابد من دق ناقوس الخطر وإلقاء الضوء علي معاناة الفتاة المغتصبة وأسباب فرار الشباب من الإقدام علي الزواج من فتاة أهدرت كرامتها رغما عنها.
البنات مالية الدنيا
ولمزيد من التفاصيل طرحت شبكة الاعلام العربية "محيط" السؤال علي بعض الشباب حول مدي إمكانية اقترانهم بفتاة تعرضت لحادث اغتصاب ، وكانت إجابة رائف أحمد مهندس الكترونيات أنه لا مانع من التزوج بها نظرا لأن المغتصبة ما هي إلا ضحية لا يجوز محاسبتها علي جريمة شخص آخر .
أما أحمد حلمي طالب بكلية الآداب فقد رفض ذلك معللا رفضه بالبعد عن المشاكل وبأن البنات "مالية الدنيا" علي حد قوله وأنه "يجيب لنفسه وجع الدماغ ليه".
وحملنا المسألة وطرحناها علي علماء النفس والاجتماع ورجال الدين للإطلاع علي جهات النظر المختلفة ومحاولة الوصول إلي الحقيقة.
ضحية تنتظر شمشون
في البداية أكدت دكتورة إنشاد عز الدين أستاذ علم الاجتماع بمركز بحوث الشرق الأوسط أن قرار الزواج من مغتصبة يختلف من شخص لآخر وفقا لنظرية الفروق الفردية حيث أن هناك من يقبل وهناك من يرفض هذا تماما, مع الوضع في الاعتبار أننا أسرى عادات و موروثات ثقافية يفرضها علينا مجتمعنا الشرقي وعليه تصبح فكرة الزواج من المغتصبة مستبعدة تماما , ويعد من يقدم علي تلك الخطوة "بطل أو شمشمون".
وفي بعض الأحيان تكون الفتاة مرتبطة فعليا "مخطوبة" وبمجرد علم خطيبها بما تعرضت له يتخذ قراراً فوريا بالتخلي عنها محاولة منه لإبعاد نظر المجتمع عنه بترك فتاته الموصومة ليصبح بمنأى عن القيل والقال.
وعما يقدمه المجتمع من دعم نفسي لتلك الفئة المستضعفة توضح د. إنشاد أن ما يبديه الأفراد من تعاطف يكون للوهلة الأولي فقط و بالمؤازرة الشفهية دون اتخاذ مسلك فعلي في المساندة وسرعان ما تعود الأمور إلي نصابها وتنقلب ردود الأفعال علي الضحية لتدينها, وتنكر عليها الحق في حياة كريمة .
وتكشف د. إنشاد عن تبعات جريمة الاغتصاب علي من تتعرض المتمثلة في صدمة تؤدي بها في بعض الأحيان إلي الانطواء والعزوف عن الزواج بسبب معاناتها النفسية والاجتماعية التي لاقتها من هذه التجربة المؤلمة .
وتوضح كذلك أسباب إقدام الشباب علي انتهاك أعراض البريئات والتي يأتي على رأسها تناول المكيفات والإقبال علي مشاهدة أفلام البورنو التي تولد إثارة جنسية يبحث الشخص عن وسيلة لإخراجها , إضافة إلي تراخي المجتمع في الرد علي هذه الجرائم مما يفسح المجال لانتشارها ورفع معدلاتها .
وفي النهاية دعت د. إنشاد لضرورة تفعيل دور القانون في التصدي لجرائم الاغتصاب والحزم في تطبيق القصاص الذي ينص عليه ديننا الحنيف لردع مرتكبيها وتقليص معدلاتها .
"الاغتصاب" تدمير نفسي وكراهية للحياة
وشاركت دكتورة نجية إسحاق أستاذ علم النفس بجامعة عين شمس د. إنشاد الرأى في أن اتخاذ الأفراد قرارا باستبعاد المغتصبة يعود إلي مورثات ثقافية لها أبلغ الأثر في حياتنا حيث يتعدي تأثيرها الشق الديني , مشيرة إلي تشبع مجتمعنا بأفكار ومفاهيم تمجد الفتاة التي لا خبرات لها فيما يتعلق بمثل هذه الأمور شديدة الحرج.
وتوضح أيضاً أنه في بعض الأحيان ليس الخطيب فقط هو من يتخلي ولكن الزوج أيضا لتصبح الطعنات الموجهة للفتاة أو الزوجة مضاعفة.
الاغتصاب تدمير نفسي كامل للضحية
وعزت د.نجية ارتفاع معدلات جرائم الاغتصاب إلي انتشار تناول المكيفات والمخدرات فضلا عن خروج المرأة واحتكاكها بالمجتمع وبقائها لفترات طويلة خارج المنزل في محاولات لتدبير نفقات الأسرة التي تكون في أغلب الأحيان الأم أو الأخت هي عائلها الوحيد.
وعن التداعيات النفسية التي تلقيها تلك الجريمة علي الضحية تراها أستاذة علم النفس أنها تتمثل في التدمير النفسي الكامل للضحية وكراهية الحياة والرفض التام لها ما يظهر في الإقدام علي الانتحار, والانسياق في بعض الأحيان وراء سلوكيات إجرامية يغذيها عدم غفران المجتمع مدللة علي ذلك بالإشارة إلي أن نسبة كبيرة من محترفات البغاء هم ضحايا جرائم اغتصاب واجهن ردود فعل المجتمع العنيفة حيالهم.
ونادت د.نجية إلي إعادة ترتيب الأوراق ونشر حملات توعية لتجنب ردود الأفعال العنيفة تجاه ضحايا هذه الجرائم , مشيرة أن هناك حالات تتمكن من اجتياز الأزمة في حال تلقيها دعما معنويا ومساندة فعلية ممن حولها ومحاولتهم التركيز علي أشياء إيجابية .
شروط إجهاض حمل المغتصبة
وينتج عن جريمة الاغتصاب في بعض الأحيان جنين تحمله أحشاء الأم يتم معالجة أمره في أوقات كثيرة بجريمة أكبر وهي إجهاضه .
وهنا ندد الداعية الإسلامي الشيخ يوسف البدري بهذا الإجراء مؤكدا أنه لا يجوز إسقاط أى حمل بعد مضي 7 أيام عليه في رحم الأم مؤكدا هذا بمعني القول النبوي أن " الجنين يتم جمعه في رحم أمه في اليوم السادس ثم يبقى 40 يوما ليصبح علقه , ومثل ذلك فيكون مضغة".
مشيرا إلي أن إقرار الأطباء القول النبوي الشريف بقولهم أن الجنين لا يستقي غذائه من رحم الأم إلا بعد اليوم السادس وهنا يصبح كائنا حيا.
الشيخ يوسف البدرى
وكشف البدري خلال اتصال تليفوني مع شبكة الاعلام العربية "محيط" عن الثلاثة أسباب "شروط" التي يعتد بها كحجة لإجهاض الجنين وهي أن يقتل نفسا أو يزني أو يرتد عن الدين, وعلي ذلك لايمكن قتله لعدم تصور فعله أيا من هذه التصرفات.
ورفض أن يكون الإجهاض مدفوعا بجريمة الاغتصاب حيث أن المغتصبة ليس لها يد في ذلك وإنما هي ضحية.
وبسؤال البدري عن مدي صلاحية الفتوى الصادرة عن دار الإفتاء المصرية بجواز إجهاض المرأة المغتصبة شريطة ألا تتجاوز مدة حملها 4 أشهر ، أفاد أن تلك الفتوي مستندة علي فكرة يعتنقها العلماء القدامى بأن الروح تنفخ في الجنين بعد 4 أشهر موضحا أن هذه ليست روح الحياة ولكنها روح لا يعملها إلا الله مؤكدا كلامه بالآية القرآنية "ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً " .