الموسيقى اليونانية.. لحن الإغريق يـعانق التاريخ والأدب 1

2017-01-16
//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/db2653db-da3e-4a3f-a0c0-cfc52f4d5162.jpeg

    
لطالما ربط الإغريق بين الجمال والفضيلة، إذ كانوا أكثر شعوب الأرض، تقديراً واحتراماً للجمال، ولكل ما ارتبط به من فنون تبرز الموسيقى في مقدمة تفرعاتها، وحظيت بمكانة رفيعة لديهم، حسب ما تشير اليه معظم الدراسات والكتب التاريخية، فتمكنت من الانتشار بشكل واسع، وتأثروا بها كثيراً، إلى درجة أنهم فرضوا على كل فرد في المجتمع، ضرورة دراستها وتعلمها .

 

أدى التأثر بالجمال، وتصدر قيمه، ضمن الحضارة الإغريقية أو اليونانية، إلى جعلها من أكثر حضارات العالم تأثراً بالموسيقى، وبرعت في هذا السياق، وخلال مراحل تاريخها، في تقديم أنواع مختلفة من المقطوعات التي تذوب في النفس لشدة جمالها وروعتها . وقديماً كانت الموسيقى بمعناها الحديث منتشرة بين اليونانيين، بقدر انتشارها بيننا في هذه الأيام . ولشدة تأثرهم بالموسيقى، تحولت لديهم إلى أحد مستلزمات حياتهم اليومية، ولذلك نجد أنه كان لديهم ابتهالات لـ «ديونيسس» وتهاليل لـ «أبلو».

وكذا ترانيم لكل آلهة من آلهتهم . وتوسعوا في ذلك، إلى درجة أنه كان لديهم مدائح خاصة بالأغنياء وأغنيات للحب والزواج والحزن والوفاة، وللعاملين في مختلف مجالات الحياة، كما أولوا أغنيات الحماس أهمية خاصة، فأبدعوا في تقديم أغاني النصر لأبطال الرياضة . ولذا لا غرابة في أن يعتقد عدد من العلماء والباحثين بأن كلمة الموسيقى، يونانية الأصل، كانت تعني سابقاً، الفنون عموماً .

ولكنها أصبحت تطلق، فيما بعد، على لغة الألحان فقط، وعُرفت لفظة «موسيقى» على أنها فن الألحان، وقصد بها الصناعة التي يبحث فيها عن تنظيم الأنغام والعلاقات فيما بينها، وعن الإيقاعات وأوزانها، والموسيقى مثلت فنا يبحث عن طبيعة الأنغام من حيث الاتفاق والتنافر.

 

اهتمام بالموسيقى

نستطيع أن نلمس أثر العقيدة الموسيقية، في كل ما تركته لنا الحضارة اليونانية من أعمال أدبية ومن تحف فنية، حازت على اعجابنا جميعاً، ممثلة خاصة في تماثيل: هوميروس، سوفوكليس، منحوتات فيدياسن، براكسيتيليس، وغيرهم. ولكن اهتمام الاغريق بالفن المعماري والنحت، لم يتمكن من التغطية على اهتمامهم بالموسيقى .

والتي شغلت حيزاً كبيراً في حياتهم، إذ يبدو الإغريق شعباً موهوباً، لديه الكثير من الشعراء والفلاسفة والمؤرخين والمعماريين، والموسيقيين . والعجيب أن اليونانيين أنفسهم، أولوا فنونهم التشكيلية، اهتماماً أقل من ما أولوه لمنجزاتهم الموسيقية، حتى يكاد الأدب اليوناني الكلاسيكي، خالياً من المعلومات التي تدور حول النحت والعمارة الإغريقية .

فيما زخر بالحديث عن الموسيقى اليونانية . ولذلك فقد كانت حكومات اليونان بكل ما تحمله من تقدير لمكانة الموسيقى، تعد قواعد الموسيقى وتنظيمها من مهام الدولة، وتهب الموسيقيين مكانة مرموقة في مضمار الحياة، حتى انه كان يوصف الشخص المثقف الممتاز بأنه «موسيقي»، في حين قيل عن غير المثقف، إنه «غير موسيقي».

وبحسب الروايات التاريخية، فقد ورد أن الشاعر «بندار»: عازف المزمار البارع، امتدح ميداس الإجريجينتي، بالأسلوب نفسه الذي يمتدح به البطل الغازي . وكانت الموسيقى تشغل مكانة مهمة في الشعر، إلى الحد الذي جعل افلاطون يعتبر أن الشعر يكون هزيلاً، إذا تُلي نثراً وجُرّد من جمال الإطار الموسيقي، كما ذهب إلى أن الميلودي تتألف من ثلاثة عناصر، وهي: الألفاظ والهارموني والإيقاع .

وظل اتحاد الألفاظ بالموسيقى قائماً، حتى القرن السادس عشر، عندما ظهرت موسيقى الآلات التي تعزف وحدها، من دون وجود كلمات تصاحبها، والتي كانت مع ذلك تعزف ألحاناً غنائية قديمة أخذت الآلات فيها تترنم على النحو الذي كانت تترنم به الأصوات البشرية . ومن أبرز هذه النماذج «نشيد أبولو» الذي وُضع حوالي العام 300 ق.م، وتم اكتشاف أجزائه متفرقة، في معبد دلفي، ومن ثم أعيد ربطها وفق السياق المنطقي، خلال العام 1893م.

 

الغناء الجماعي

لطالما مثل الغناء الجماعي، أرقى أنواع الموسيقى في اعتقاد اليونان، وفي حياتهم العملية. وأكسبوا هذا النوع من الغناء، عمقا فلسفيا وتعقيدا في مستويات التركيب. وأخذت هاتان الصفتان تجدان مكاناً في الانواع السمفونية والمقطوعات الموسيقية.

وأوجد في كل احتفال، مكان لجوقة غنائية، وكانت المدن والجماعات المختلفة تقيم من حين إلى آخر، مباريات في الغناء الجماعي يتم التحضير لها قبل الموعد المحدد بفترة طويلة، فيعين مؤلف لكتابة الألفاظ والموسيقى، ويستأجر المغنون المحترفون، ويتم تدريب الجوقة بعناية بالغة، ليؤدوا نغمة واحدة.

وهو ما نشاهده حاليا في موسيقى الكنيسة اليونانية، وبالتالي فقد ابتعد اليونانيون عن الصوت المنفرد في الفرقة، وبقوا كذلك حتى قرون متأخرة، حيث بدؤوا في السماح لارتفاع أو انخفاض الصوت المصاحب قليلاً، طبقا للأغنية، وهو ما يوضح أن هذا كان أقرب ما وصل اليه اليونانيون في التوافق والألحان التوافقية البسيطة .

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved