صنفت الدراسة التي أعدتها جامعة هارفارد الأمريكية السعودية على رأس قائمة الدول العربية فيما يتعلق بنشاط النساء في كتابة المدونات الإلكترونية. ولا تثير هذه النتيجة دهشة كبيرة، بالنظر إلى الوضع الذي تعيشه النساء في ذلك البلد، فهو يبرر لجوؤهن إلى شبكة الانترنت بشكل متزايد لخلق صله مع العالم الخارجي.
ولا تكاد المرأة في السعودية تتمتع بحضور يذكر في الساحة السياسية وفي وسائل الإعلام المرئية في بلادها، بل ويبلغ وضعها من التعقيد درجة تقيد حرية حركتها خارج المنزل. لذا فالمدونات تفسح للنساء السعوديات فضاءاً مثالياً لتقديم الأفكار الخاصة دون تعقيد وربط خيوط التواصل مع الآخرين دون حواجز. ويعتبر الانترنت متنفسا بالنسبة لهاته النسوة ومَهربا من القيود الاجتماعية، وسبيلا فريدا لإشباع رغبة التعبير عن الذات. ولعل في تجربة الدبلوماسية الأمريكية سابقا كارول فلمينغ، التي تعيش حاليا مع زوجها السعودي في المملكة، تأكيد لهذا. فخلال إقامتها التي امتدت هناك لعدة أعوام تابعت كارول عن كثب المدونات التي تكتبها نساء سعوديات، وهي ترصد التنامي المستمر في أعداد تلك المدونات، وهي نفسها تكتب بانتظام في مدونتها الخاصة.
تحولات عصر الإنترنت والفضائيات
صورة المرأة السعودية في الإعلام العالمي لا تذهب عميقا لتري شخصيتها خلف النقاب ولا للتعرف على رؤيتها هي لنفسها وللعالم ومن منطلق معايشتها اللصيقة للواقع ومتابعتها للتطور الذي أحرزته النساء السعوديات في مجال كتابة المدونات، تتحدث كارول فلمينغ عن اكتساب هذه المدونات تأثيرا متزايدا، وتنظر إليها بوصفها نقطة تلاقي للنساء تختلف عن غيرها من أمكنة اللقاء الأخرى، وهي تقدم لهؤلاء النسوة فرص وخيارات جديدة لأسماع أصواتهن. وكما تؤكد الدبلوماسية الأمريكية السابقة فإن المدونات تشد انتباه أعداد أكبر من الناس مع مرور الوقت. وتحكي عن دهشتها عندما نشرت شبكة سي إن إن الإخبارية على صفحتها العربية فقرات مما كتبته على مدونتها الخاصة. وهي تعتبر هذا في حد ذاته مؤشرا جيدا لدرجة الإقبال الكبيرة على قراءة محتويات المدونات.
إن الوضع اليوم يختلف كليا عن الأمس، ففي حقبة الثمانينيات والنصف الأول من التسعينات كانت وسائل الإعلام المتاحة للمجتمع السعودي هي حصرا على الأجهزة التابعة رسميا للدولة. لكن مع دخول عصر الانترنت والفضائيات تغير الوضع تماما، إذ أصبح بإمكان الناس الحصول بحرية على معلومات عن كل ما يخطر على البال، وتحرروا من وجهة النظر الرسمية التي كانت تنشر عبر أجهزة إعلام الدولة. وبالرغم من الانفتاح الإعلامي فهناك قائمة من الموضوعات الحساسة لا تزال تدخل في إطار المحرمات، ومنها مثلا توجيه النقد للعائلة الحاكمة.
"طريقة حياة مختلفة لكننا أيضا بشر"
إيمان الفنجان : "قد تكون طريقتنا مختلفة لكننا في نهاية الأمر كبقية البشر تماما" لكن الأمر الأكثر أهمية بالنسبة للنساء السعوديات هو عكس صورة مختلفة وواقعية عن المرأة السعودية بعيد عن الكليشيهات المنتشرة.
وبحسب إيمان النفجان التي تكتب مدونة "إمرأة سعودية saudiwoman.blogspot.com" فإنها تريد من خلال مدونتها الوصول إلى قاعدة عريضة من الناس في بلدان أخرى. ومن هنا جاء قرارها بأن تكتب بالإنجليزية وساعدها على هذا إجادتها لها بحكم مهنتها كمعلمة لهذه اللغة. وأما عن دافعها الشخصي للكتابة فتقول:"أردت أن أساهم في التعريف بالمرأة السعودية وإظهار شخصيتها بكافة أبعادها الإنسانية، فما يعرض في التلفزيون عنها لا يتعدى تلك الأقنعة السوداء المتحركة التي لا يعرف أحد ما هو خلفها، لذا أردت أن أوضح بأننا شأننا كبقية النساء أمهات وطالبات جامعيات وموظفات. قد تكون طريقتنا في الحياة مختلفة لكننا نبقى في نهاية الأمر كبقية البشر تماما."
الأولوية للموضوعات الاجتماعية
وفي الجانب الآخر هناك بعض النساء السعوديات اللاتي يسعين من خلال المدونات لتغيير المجتمع. لكن التطرق إلى موضوعات اجتماعية يمثل القاسم المشترك بين كل المدونات التي تكتبها النساء في كل الأحوال، سيان ما إذا كانت الكتابة نفسها تتخذ كوسيلة للتواصل أو كانت تأخذ شكل المذكرات اليومية. إن المدونات ساهمت في تعارف النساء السعوديات فيما بينهن، ومن خلال هذا المنبر أصبح بالإمكان تبادل المعلومات والخبرات وتطوير أرضية لاهتمامات مشتركة، وأيضا تقديم صورة أصيلة عن المرأة السعودية للعالم بأسره.
الكاتبة: سارة قسطنطين / نهلة طاهر
مراجعة: عبده جميل المخلافي