في مطلع تموز/يوليو الحالي صدر في سوريا مرسوم جمهوري قام بتعديل مادة إشكالية من قانون العقوبات السوري وهي المادة 548 المعنية بجرائم الشرف. في السابق كان يمكن لمرتكب جريمة الشرف أن يستفيد مما يسمى بـ"العذر المحل" لينجو من العقوبة أو يحصل على عقوبة مخففة جداً. أما الآن فقد قام المرسوم الجديد باستبدال "العذر المحل" بما يسمى "العذر المخفف" لتصبح عقوبة هذه الجرائم سنتين على الأقل.
مساعي الحركة النسائية
المنظمات النسائية ليست راضية تماماً عن هذا التعديل وشكلت هذه المادة وغيرها من مواد القانون السوري غير المنصفة للمرأة موضوع جدل دام سنوات عديدة واحتد في السنوات الأخيرة. وكانت منظمات الدفاع عن حقوق المرأة، التي طالما سعت بمختلف الوسائل إلى تحسين وضع المرأة السورية، في طليعة المطالبين بإلغاء هذه القوانين.
فمنذ أكثر من عشر سنوات بدأ الناشطون والناشطات في هذا المجال بالحديث عن ضرورة إلغاء مجموعة من القوانين "المكرسة للعنف ضد النساء" كما أوضحت المحامية دعد موسى في مقابلة مع دويتشه فيله. وكان قانون جرائم الشرف في مقدمة هذه القوانين، كما ترى موسى، التي تعد إحدى رائدات الحركة النسائية في سوريا. وفي عام 2005 بدأت حملة واسعة للمطالبة بإلغاء هذه المادة تماماً، تمثلت بجمع تواقيع الكترونية على موقع الإنترنت التابع لمرصد نساء سوريا المختص بشؤون المرأة السورية.
التيار الإسلامي يلعب دوراً إيجابياً في مساعي التغيير
ومن الملفت للنظر أن التيار الإسلامي كان قد لعب دوراً إيجابياً في تلك المساعي، فخلافاً لما قد يتبادر للأذهان من كون المادة المذكورة مرتبطة بالدين، أوضح نائب مجلس الشعب السوري وممثل التيار الإسلامي التجديدي د. محمد حبش نقاطاً ثلاث يخالف من خلالها هذا القانون مبادئ الشريعة الإسلامية. عن هذا يقول حبش: "نحن نعتقد أن هذه المادة مخالفة للشريعة الإسلامية من ثلاثة أوجه كلها من الكبائر". فهذه المادة تعاقب الزنا بالقتل، والزنا مجرم في الإسلام وعقوبته ليست القتل. كما أن هذه المادة "تثبت جرم الزنا من دون بينة وهو أمر محرم في الإسلام." والوجه الأخير لمخالفة هذه المادة للشريعة الإسلامية بحسب حبش هو تولي الأفراد تطبيق الأحكام الشرعية بدلاً من الدولة. إلا أن حبش اعترف بوجود بعض رجال الدين الذين لا زالوا يصرون على التمسك بهذه المادة ظناً بهم "أن إلغاءها سيشجع على الزنا."
وإلى جانب التيارين المذكورين شارك رجال الدين المسيحي والدرزي بالإضافة إلى شخصيات حقوقية علمانية في المساعي التي قادت إلى هذا التعديل.
نصف حل أم خطوة باتجاه الحل؟
المحامية السورية دعد موسى تطالب بإلغاء القوانين "المكرسة للعنف ضد المرأة"إلا أن المنظمات النسائية تبدو غير راضية تماماً عن هذا التعديل، فالمحامية دعد موسى لم ترى فيه حلاً كاملاً للمشكلة. وفي هذا الإطار تقول موسى: "لم يتضمن المرسوم إلغاءً جذرياً للمادة وإنما تعديلاً جزئياً، فألغى العذر المحل واستبدله بالعذر المخفف". كما أن المشكلة لم تكمن في المادة التي تم تعديلها، فقانون العقوبات لا يزال متضمناً لأكثر من مادة تتساهل مع العنف المُمارس ضد النساء "كالمادة 192 المسماة بـ(الدافع الشريف) والمادة 242 المسماة بـ(الجرائم المرتكبة باسم العاطفة)"، كما أوضحت المحامية السورية دعد موسى.
وترى موسى أن المشكلة تكمن في إطار أعم، ألا وهو عدم إنصاف القانون السوري للمرأة وعدم مساواته لها بالرجل، ففي حالة الخيانة الزوجية على سبيل المثال لا يمكن للمرأة أن تشتكي على زوجها إلا إذا كان فعل الخيانة قد حصل في منزل الزوجية.
من جهته، يؤكد الدكتور محمد حبش أنه تم التقدم بمشروع قانون متكامل، إلا أن هذا المشروع لم تتم مناقشته. ويستأنف بالقول: "إن موضوع جرائم الشرف يعد من الموضوعات الحساسة، فهناك من يربطه بالدين، والدولة لا تريد أن تدخل في جدل ديني لاهوتي. أعتقد أن الدولة قد حزمت أمرها باتجاه إنصاف المرأة، ولكنها لا تريد خلق المزيد من المشاكل في البلد."
الكاتبة: ميسون ملحم /سارة قسطنطين
مراجعة: عماد م. غانم