جناح جسر في سرقسطة، إسبانيا
بيرجايسل القفز للتزلّج، إنسبروك، النمسا
مبنى بي ام دبليو في لايبزغ ألمانيا من تصميم زهاءا حديد
مبنى من تصميم زهاء حديد
زودتنا تراثياتنا الادبية من الحضارة العربية الاسلامية وخاصة في العصر العباسي من اواسط القرن الثالث الى اواسط القرن السابع للهجرة بكثير من الاوتوبيات *واليوتبات, المفارقة بالوهم الجغرافي والتي كانت تتمتع بقبول إجتماعي واسع وبقيمة علمية اكيدة في حدود معرفة ذلك العصر. ولم تكن تلك اليوتوبيات تنتمي الى الجغرافية بمعناها المعاصر. صحيح إن بعضا منها قد عولج في سياق التاريخ لعلم الجغرافية, كما ان نصوصاً مثل " إرم ذات العماد". و"جبل جاف" و "جزيرة النساء" و "حائط العجوز" و "مدينة النحاس". و قد نشرت بتمامها او أشير اليها ضمن سياقات متباينة الاغراض باعتبارها اسطورية تارة وخرافية طوراً .. لكن احداً لم يلتفت الى ان ثمة ما يجمعها في نسق واحد أهم وهو كونها تصدر عن الوهم وليس عن الاسطورة بالضرورة.
والبت في إنتمائها للاسطورة أمر يتعلق بتاريخ تلك النصوص ومضامينها, لانه من شان تاريخ كهذا ان يحدد النسق الاسطوري الخاص الذي صدر منه النص .
ولكن لان هذه النصوص تصدر عن الوهم فهذا لا يعني انها تنتمي اليه بلا تقييد. إنها تمثل فئة من الاوهام تقع في حقل يجدده تقاطع دائرتين دائرة جغرافية المكان ودائرة الوهم. منطقة التقاطع هذه بما يحتويه هو كلٌ متكامل ٌ يشهد على تصوير وهمي للعالم والمكان والوهم. فقد إحتوت تلك التراثيات على : مواضيع لا وجود لها ورؤى وهمية بمواضيع موجودة فعلا, واحداثاً وهمية في موضوع موجود فعلاً.
ولكننا في يومنا هذا نعيش عصراً جديدا لاوهام خلاَقة وفرتها الثورة الرقمية, التي اجتاحت عصرنا بلا هوادة.. لقد أصبحنا اليوم نستطيع ان نتحدث عن فضاءات رقمية وتمثيل بصري للبيئة المحيطة يتارجح بين الواقع والخيال.
وبذلك لقد ساهم الادب وصناعة السينما بالكتابات والافلام في تأكيد انحياز البشرية الى الايمان بالعصر الرقمي الجديد ومن امثال تلك الافلام, فيلم عودة الى المستقبل Back to the Future وفيلم Matrix واللذان عرضا سيطرة كاملة على البشرية ببرنامج اسماه المؤلف بأسم الفيلم وهو عبارة عن محيط رقمي غير مادي. وتتمثل الافكار المنفذة التي تخلط بين هذين العالمين في الحدائق الترفيهية مثل حديقة Disney Land الترفيهيه. واصبح المهندس المعماري يستطيع ان يعيش بين واقعين متباينين واقع معطى, وواقع مدرك, ولما كان المهندس المعماري مواطناً بين هذين الواقعين فهو لم يزل لاسباب شتى يعيد رسم هذه الحدود.. لذلك صارت لديه هذه الحدود وليدة إحتمال وصارت خارطة الوهم مفيدة له, ليعي بأنه اصبح الانسان الواهم والمبدع والخلاق.
وبهذا فإن التكنولوجيات الرقمية أخرجت لنا فراغات غير مادية ، والمعماري الذي اعتاد أن يصمم فراغات ملموسة "PHYSISCAL SPACES " بدأ يتعلم تصميم الفراغات الممثلة بصرياً " CYBERSPACES "، وتعلم أن يعي بأن هذه الفراغات محكومة بقواعد وقوانين مستجدة أكثر تحرراً
من تصميم الفراغات الفيزيائية. والمثل الذي نود عرضه للفراغات غير المادية والتي نتأملها داخل ماكينات الحاسوب هو مشروع متحف غوغن هايم الافتراضي
" GUGGENHEIM VIRTUAL MUSEUM " حيث كلفت إدارة متاحف غوغن هايم المهندسين المعماريين : هاني راشد و ليزي أنا كوتر " Lise Anne Couture " بالقيام بتصميم المرحلة الأولى لأول متحف رقمي لتعرض فيه صور رقمية للمعروضات الموجودة بمتاحف غوغن هايم حتى يمكن تأمل المعروضات من جميع أنحاء العالم، كما سيكون المعرض مسرحا لعرض الفنون الرقمية المنتجة في عصرنا الذي نحن بصدده . ويمكن زيارة المتحف الرقمي بالطريقة المتاحة اليوم للإنترنت، كما يمكن تأمل المعروضات في فراغات غير مادية بمساعدة الحواسيب وملحقاتها بنظارات خاصة
" Real-time interactive components " تنقل المتأمل كما لو كان داخل فراغات معمارية مصممة بقواعد تتخطى القوانين الفيزيائية، كما تتسم بتشكيل معماري متميز لم يكن مألوفا في العمارة قبل ذلك ولا في أفلام الخيال العلمي.
وبالاعتماد على عناصر التكنولوجيات الرقمية ستقل العناصر الإنشائية والمعمارية الثقيلة للمنشأة، كما أن بعض العناصر ستزداد شفافية وتصبح قادرة على تغيير صفاتها. وتتغير تلك الصفات لتحقق أهدافاً بيئية وتشكيلية وتكنولوجية ومناخية.
في عصر الثورة الرقمية نتوقع أن تتصف عناصر التشكيل المعماري بالخفة والرشاقة، كما ستقل أوزان المواد الإنشائية المستخدمة ليس فقط بسبب تطور مواد الإنشاء ولكن أيضا لإمكانية محاكاتها، كما شاهدنا ذلك من خلال استخدام التكنولوجيات المتطورة في استبدال المواد الثقيلة في مجالات الفنون وتنسيق المواقع بأشعة الليزر عند مدخل فندق "Sphinx" بمدينة لاس فيجاس، حيث أمكن محاكاة المواد الثقيلة بأشعة الليزر لتتلاشى الكتل الثقيلة. وكل ذلك عكس ما نراه في تاريخ العمارة من ثقل وزن وضخامة حجم لعناصر التشكيل الحجرية، وعكس ما نراه في عصر الثورة الصناعية من ثقل وزن عناصر التشكيل من الحديد. وكما شهدنا في العصر الحديث وعصر ما بعد الحداثة أن العناصر التشكيلية للمنشآت قد ازدادت خفة ورشاقة.
في عصر الثورة الرقمية يخضع التشكيل المعماري لقواعد إضافية غير التي ظهرت في عصر الثورة الصناعية مثل النسب والنمطية والوظيفية.
كنا قد ناقشنا هذه النقطة جزئيا في بداية هذا البحث تحت عنوان: مستويات تطور التشكيل المعماري التعليمية. وللاسترسال في نقاش هذه الفرضية نجد لزاماً علينا أن نعرض بعض آراء وكتابات الفلاسفة المعاصرين عن عصر الثورة الرقمية. فمنهم من ادعى أن الشكل الحالي لواجهة برامج التشغيل ما هي إلا مرآة لحالة التطور التي نمر بها وأن النوافذ الخاصة ببرامج التشغيل ما هي إلا رد فعل لأفكار متوازية في عقولنا. ويسترسل بأن نظام التشغيل Windows يشابه فلسفيا النسبية والغموض. أما الفيلسوف الفرنسي الجزائري الأصل Derrida فيدعي أن الأدوات المستخدمة في برامج التشغيل تعكس طريقة تفكير عصرية إن لم تكن تؤثر على تطورها.
نحن ندعي أن مراحل التصميم تتأثر تأثرا مباشرا بالأدوات التي تستخدم في الرسم، وتؤثر تلك الأدوات على طريقة التفكير للخروج بالتصميم. فعندما ساد استخدام المساطر والمثلثات المستوية ساد الحل على شبكات مربعة والمكعبات في التشكيل المعماري. وفى عصر الثورة الرقمية واستخدام الحاسوب أصبحت البدائل التشكيلية في متناول يد المعماري ويستطيع بدون جهدٍ كبير تأملها و إعداد الرسم التنفيذي لها , سواء كانت أشكالا صريحة أو مركبة أو معقدة, والتي كانت في الماضي القريب صعبة وتبعث على التردد للموافقة على تنفيذها.
*يوتوبيا : كلمة إغريقية مركبة من البادئة " أو " = ou معناها ومعناها لا . و توبوس Topos بمعناها مكان . أما ما شاع من تعريبها بصورة يوتوبيا فمرجعه الى كتاب توماس مور "يوتوبيا" (1516 م) وقد إعتمد مور على الألتباس الناتج عن Utopia ، وأما تعريبها بصورة طوبى ، فتجدر الإشارة هنا الى إلتباسة بدلالات قديمة للكلمة "الطوبى " شجرة في الجنة "، كما جاء في الحديث . أو أنها إسم الجنة بالهندية معربة عن توبى (تاج العروس) ، مادة طيب .