مَنْ يَسْأَلُنِي مِزْمارَ غَزَلْ
فَلْيُسْمِعْنِي ضَحِكَ التُّفّاحِ لِقُبّرَةٍ تَتَفَلَّى تَحْتَ بَراعِمِها
وَالْغُصْنُ يُرَاقِصُ غُرَّةَ مَبْسَمِها
وَدَعُوها تَهْمِسُ في زَغَبِ الْفَرْخَينِ..
سَنَعْصِرُ دَمْعَ دَوَالِينا تَحْتَ الْقَمَرَينِ..
وَنَغْرِفُ مِنْ شَلاَّلِ مَذَارِفِها
لا اللّيلُ يَطُولُ وَلا طَالَتْ عُنُقٌ رَقَصَتْ لِمَخَاوِفِها
*****
مَنْ يَسْأَلُنِي مِزْمارَ غَزَلْ
فَلْيَمْنَحْ شَمْعَةَ أَحْلامِي مِشْكَاةً أَحْمِلُها لِخَيامٍ مُفْتَقَدَهْ
الشّعْبُ يُقَلّبُ شَكْوَتَهُ بَينَ الْبُلْدانِ وَبَينَ جُيُوشٍ مُرْتَعِدَهْ
وَشِفاهُ الْعَيشِ تَنُوءُ بَشَوكَةِ قَومٍ قادَ حِصاراً لا يُخْفِي كَيدَهْ
لَعِبَتْها عَاصِمَةُ الْوَيلاتِ على أَوتارِ الْجُبْنِ وَأَقْلامِ الرّدّهْ
*****
مَنْ يَسْأَلُنِي مِزْمارَ غَزَلْ
فَلْيَقْطِفْ مِنْ شَفَةِ الْحَنُّونِ حَنِينَ اللّونِ لِجَلْوَةِ أُخْتْ
وَيُزَيِّنْ خَدَّ الصُّبْحِ بِبَسْمَةِ أُمٍّ تُسْبَى فَرْحَتُها مِنْ قَبْلِ نُضُوجِ الْوَقْتْ
لا تَدْري أَينَ تَحُطُّ مَراكِبَ دَمْعَتِها ، وَالْبَحْرُ يَغُورُ لِحَدِّ الْمَوتْ
لَمْ يَهْدَأْ رَمْلُ شَوَاطِئِهِ وَالْمَوجُ يَثُورُ حَمِيماً في ظُلُماتِ السَّبْتْ
*****
مَنْ يَسْأَلُنِي مِزْمارَ غَزَلْ
مِنْ دَنْدَنَةِ الْمَقْطُوعِ بِلَيلِ الْغُرْبَةِ قَدْ كَحَّلْتُ قَصَائِدَ حُبْ
أَتَوَضَّأُ قَبْلَ سُجُودِ عْظامِ النَّصِّ عَلى وَرَقِ مُكْرَبْ
أَتَحَنَّثُ بِالْبَوحِ الْمَشْرُوعِ ، أَمُدُّ فُؤَادِي حِبْراً لا يَنْضَبْ
وَأُدَفِّئُ حَرْفي في رَحِمِ الْكَلِماتِ لأَشْعارٍ تَغْضَبْ
*****
مَنْ يَسْأَلُنِي مِزْمارَ غَزَلْ
فَلْيُسْمِعْني في يَومِ رَبيعٍ هَسْهَسَةَ الأَعْشابِ بِلا وَجَلِ
وَلْيَجْلِبْ حَفْنَةَ ماءٍ يَرْوِ بِها ظَمَأَ الأَبْيَارِ وَيَرْوِ بِها أَمَلي
فَصْلُ الصّيفِ احْتَدَّتْ فِيهِ الآهاتُ وَحَنَّ الدَّمْعُ إلى الْمُقَلِ
أَبْواقُ الْفُرْقَةِ تَعْجِنُ مِنْ أَمْشاجِ الْحَرْفِ سُجُوناً لِلثَّكَلِ
*****
مَنْ يَسْأَلُنِي مِزْمارَ غَزَلْ
فَلْيَقْرَأْ رُقْيَةَ أُمِّي في لَيلٍ تَعْدُو فِيهِ الأَخْبارُ على بَدَني
وَلْيَسْلُتْ مِنْ عَظْمِي سَيفَاً ، في قَلْبِ الْخَوفِ وَيَغْمِدُني
مَنْ يُلْجِمُ أَيدِي الرّيحِ إذا قَلَعَتْ أَعْناقَ الْقَمْحِ ، ويوعِدُني
وَعْدَ الإصْباحِ لِيَكْتُمَ ثَغْرَ اللّيلِ عَنِ المُدُنِ
*****
مَنْ يَسْأَلُنِي مِزْمارَ غَزَلْ
فَلْيُشْبِعْ لَهْفَةَ أَشْعارِي لِخَواطِرِ شَعْبٍ يَحْمِلُها طَيرُ النَّورَسْ
وَلْيُقْرِئْني بُرْكاناً يَنْثُرُ فَوقَ مَرايا قَهْرِي نَاراً لا تُرْمَسْ
وَأُعَانِقْ جِيدَ الصّبْحِ ، فَلا أَصْفادَ بِهِ ، وَلَهُ قَلَمي يَأْنَسْ
وَالْقَلْبُ مَلِيءٌ بِالسِّيَرِ الأُولَى ، النّخْوَةُ فِيها لَمْ تَخْنِسْ
*****
مَنْ يَسْأَلُنِي مِزْمارَ غَزَلْ
لَمْ يَعْلَمْ كَيفَ حُرُوفِي تَقْطُرُ غَضْبَةَ بَحْرٍ تُشْعِلُ أَشْجانِي
وَمَلَلْتُ السّيرَ عَلى دَرْبٍ تَتَرَبّصُ فِيهِ شُعُوبٌ تَرْقُبُ أَكْفاني
سَرَقَتْ مِنْ بَالي شُعْلَةَ بَوحٍ ، وَاشْتَغَلَتْ بِالْحَرْبِ لِتَنْساني
نَفَرَتْ مِنْ بَينَ يَدَيَّ عَناوِينُ الشّعْرِ الْبَلَدِيِّ ، فَتَاهَتْ أَلْحَاني