مفتاح حياة

2008-05-17

( //api.maakom.link/uploads/maakom/originals/2a420657-f6d7-4a36-95d6-3f4911748fbb.jpeg ما دامت الحدود بين الصواب والخطأ ليست مما يتفق بشأنه البشر

وما دامت الحقيقة الكاملة لا تظهر للناس بصوره واحدة

فلا مفر من أن يمضى كل منا حتى النهاية وراء صوابه، وراء حقيقته )

هشام أبو مندور

اسمها "فاطمة"، والاسم وشم؛ بقعة خضراء على ورقة ميلاد صحراوية. أغرقها الاسم؛ الذي حملته من قبل جدتها لأمها؛ بطوفان من السلاسل الفضية اللامعة.
على مدخل حياتها، أوصد الاسم بوابته المزخرفة المعشقة بمزاج صانع أظهر مهارته في فنون التشكيلات المعقدة، جاورت أمثاله من الصناع العواجيز القابعين بملابسهم الرثة داخل ورش كالخنادق في "خان الخليلي" عند المشهد الحسيني.

على درجات العمر الأولى؛ تباهت بالصياغة وجودة التعقيدات.
عند نهاية السنة العشرين؛ تلاشت أضواء الزهو، وأدركتْ بعد وقوعها في الحب كم هي مقيدة خلف تلك البوابات الصدئة.

لم تطأ قدماها أرضه إلا منذ ليلتين وثلاثة أيام. صادقت روحه فتكاثفت بينهما غابات الثقة وتكاتفت. أهداها منذ نهاية المقابلة الأولى: قلبًا فضيًا، ومفتاحًا للحياة، وشلالاً من أحلامٍ طال انتظارها.

في اليوم الأول :
جمعتهما صالة فسيحة مع عشرات آخرين. أجهدت جسدها بالقفز هنا وهناك. تودد إليها فتعارفا. بعد قليل سقط منها اسمه في زحام البشر المحيطين، أما هو فقد حفظ اسمها في دير الذاكرة.
قبيل انتهاء الحفل تحدث معها حول مدى التناقص بين حب وغدر البشر. ألقت برأيها في بحيرة الحوار، وقفت على الشاطئ لتتحدث كالفلاسفة، قالت له تلك الحقيقة التي لا تناقض فيها:
- أؤمن بحقنا كبشر في الاختلاف... هكذا خلقنا الرب.
دون أن ينظر إليها ردد في خشوع:
- هكذا خلقنا فعلاً الرب.

في اليوم الثاني:
أصبحت هي كما أرد لها الله معه: ثرثارة، نقية، بيضاء من غير سوء.
أرسله الرب ليقول لها:
- اسحبي يديك من القيد. ستصبحين حرة دون أدنى مساعدة.
فوق كوبري قصر النيل تحدث معها عن يوسف؛ بطل "البحث عن مرزوق"، والدنيا التي يجب ألا نعرفها بالأسئلة. قال لها:
- الحياة تستحق أن تعاش.
اِرتدت عُقد الفل الذي اشتراه لها، وأغمضت عينيها لتطير.

في اليوم الثالث:
في طريقهما لزيارة المتحف المصري، انفرط عقد الكلام فلمعت ساحة قلبه بلآلئ أسرارها. دنا منها وهو الجالس أمامها تحضنهما ضلوع جسد المترو. طلب منها أن تميل برأسها نحوه، وهى الأقرب إليه من حبل الوريد. همس في أذنيها معلناً سره:
- أحبك
نظرت إلى بطن رسغه الأيمن حيث مكان البقعة الخضراء كالاسم؛ كالوشم، فلم ترها. استدعت بذاكرتها المتثاقلة مشهد المسيح مصلوبًا بعد العشاء الأخير. لم تتناول عشاءها معه أبدًا، ولم تخنه.
مدت ذراعيّ روحها. لم يلحظ دونها الأكبر منه، نظرًا لانشغاله بالدعاء عندما مرّ المترو على مار جرجس.
لاحظت أن الجالسين حولهما يتابعون ما يحدث منذ استفزتهم هالة الضحكات اللامعة فوق رأسيهما. كبلتها نظراتهم بالسلاسل من جديد، ونثرت عليهما بقعًا كبيرة خضراء.
عندئذ فتحت فاطمة عينيها على اتساعهما واحتضنته بجفونها كما لم تفعل من قبل.

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2025 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2025 Copyright, All Rights Reserved