وأعلنت حينها أنني قد طلقت حلمي طلقة بائنة بالثلاثة.. وأنني سأخلعه أيضا زيادة في التوكيد، ودرأ للشبهة حتى لا تطالني يد قضاء بالمحاكمة.. وقررت أنني سأطالب حلمي ذاك بتعويضات ونفقات لا قِبَل له بها إن راودني مجدداً..
ومرت سنة بطولها وعرضها لم تهدئ بداخلي هذه الرهبة من كل المناصب المسئولة، وإن كانت مجرد مسئولية لقسم بائس لا يعرفه أحد..
لكن انتعاشاً غير متوقع هب على مسامعي وروحي كالنسيم فأيقظ الحلم فيَّ من سباته ومنفاه..
محاكمة مبارك وأبناءه ومساعدو الوزير اليوم، أعادت لي سابق فكرة أغرتني وبشدة هذه المرة للطمع بمنصب سيادي..
نطق القاضي، متوازنا، الحكم بالمؤبد لمبارك على التواطؤ في قتل المتظاهرين.. وأعقبه، سريعاً، بالحكم بالبراءة من التهم الموجهة له ولأبنائه بالفساد والتكسب والتعاون والتسهيل مع موظف حكومي..
مبروك البراءة يا ريس.. "دا أنت رئيس والنعمة كويس"..
عن نفسي لم يتبادر إلى ذهني جراء هذا الحكم سوى شيئاً واحداً:
كن رئيساً، أو وزيراً، واحكم وتجبر، واستبد، وخالف الأنظمة والدساتير وامكث في الحكم بدلا من الأربعة أربعين أو يزيد، واسرق وانهب من قوت الشعب كما تشاء..
لكن متى ما حلت بأرض حكمك مظاهرة، أو ثورة فارحل أنت وما غنمته من مال الغلابة بسلام دون طويل تفكير.. وإياك ثم إياك أن تريق نقطة دم واحدة وإلا حكم عليك بالمؤبد، صورياً في غالب الأحيان.. أو فعليا في سجن فاره بدرجة قد تتجاوز الخمسة نجوم يا مسكين..
وبما أنني وجدت الوضع سهلا ومريحا كما لم أتوقعه من قبل بأفقي الضيق الساذج، فإني الآن ارتأيت أن يكون مبلغ همي الوصول للرئاسة لا مجرد الوزارة.. امتثالا للمثل الشعبي: "إن سرقت فاسرق جملاً"..
هذا الحكم أظنه أثلج أفئدة الزعماء والوزراء العرب جميعاً فلا كوابيس ستؤرق مضاجعهم بعد اليوم ولا مضاجع من سيليهم أيضاً.. فمصر كما أنها كانت قبلة للعالم العربي في كل شيء إبتداء من السينما وانتهاء بالدساتير، فإن جينات التقليد المتوارثة في العالم العربي لن تكون طفرة عما جرى، بل ستتبعه حتى لا يقال عن المولود كان ابن سفاح لا يرث..
وأيها الشعب الغلبان، منذ مولدك وحتى مماتك، اعلم أن ثورتك كانت تكسباً على كاهلك إعلامياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً..
ضحكوا عليك إذ قالوا بك أيها الشعب آمنا وإلى رغباتك احتكمنا وللديمقراطية طبقنا.. ولكم في الانتخابات وإعادتها أسوة حسنة..
فلم تكن الديمقراطية الانتخابية ديمقراطية صرفة لمجرد أن الناخب وصل إلى اللجنة، وقام بتلطيخ إصبعه بالحبر الأزرق، ثم اتكأ به على ورقة، ووضعها في صندوق لأحد المرشحين بمحض إرادته "في حينها"..؟!!
فالديمقراطية منهج كامل في ذاته من نقطة الصفر وحتى لحظة الوصل المنشودة، بحياد وموضوعية..
الجميع كان بارعاً، في حملته الانتخابية، في حرف مسار التفكير عن الجميع عداه.. بالإضافة للنكات التي استخدمها المصريون ببراعة، وكانت مؤثرة في غالبيتها.. فأين الديمقراطية مع وجود عامل التحريض المبطن..؟!!
وبعد أن حصل ما حصل وانحصرت الخيارات جميعاً فيما بين الشيخ مرسي والفريق شفيق.. أين الديمقراطية في الإجبار للمرة الثانية..؟!!