أَدْلَيتُ دَلْوي رَبّما أَروي سُطوراً خَطّها هَمّ على وَرقِ الشّظفْ
فَتَشرّبتْ جُدرانُه غَسقَ الكلامِ ولم يُصِبْ منها تَباشيرَ الأَلِفْ
وَاخْتطّ منْ أَوجاعِهِ حُلْماً يَرى الدّنيا جِراحاتٍ عَلى وَتَرٍ نَزَفْ
وَاللّيلُ إنْ تَعطشْ جَوانِحُهُ يُعبّئْ جَوفَهُ منْ أدْمعٍ سُكِبتْ على نَعلِ الْجُنودْ
والغانِياتُ تَراقَصتْ أسماؤُهنّ على الشّوارِعِ في تَبَسّمِهنّ ألْوانُ النّغَفْ
فَتَحجّرتْ صُوَرُ القَصيدِ وطالَ فيها ظَلْعُها
وَاسْتَعْسَرَتْ لُغةُ القَوافي والمعاني والشّرفْ
والبحرُ يَغسِلُ هَمّهُ بَين العَواصِفِ..
لا يَرى شَمساً تُضيءُ لهُ عَرانِيسَ الضّحَى
حتى إذا فَزِعَتْ مُلُوحَتُه إلى الشّطْآنِ..
صَدّتْ غَاشِياتُ الرّيحِ صَوتَ الأُمْنِياتْ
ما منْ مَناراتٍ هُناكَ لمنْ تَقَلّبَ في الْمَهانَةِ واسْتَخفْ
أَوَلَمْ تَرَوا شَعباً يَعيشُ على مَصائِبِهِ..
وَيُلْجئُ ظَهرَهُ لِلْوَهمِ حتى قَادَه دمعُ الأسَفْ
وَنَواضِحُ الأشْعارِ غِيضَ حَليبُها
دُوَلٌ إذا عَطِشتْ حَدائِقُها مَشتْ خُطُواتُها لِلنّوءِ ترجُو الْمُسْتَقَى
وَالرّأسُ يُغرِقُ أَنفَهُ في بِرْكَةٍ حُفِرتْ لهُ حتى كَلِفْ
وأنا على طُرُقِ البَلاهَةِ أمْتَطي خَيلَ الْجُدودْ
وَأُحيكُ ثَوبَ قَصائِدي لَوزاً منَ الأرضِ التي فُجِعتْ على حُلْمٍ سَلَفْ
أَسْتنشِقُ الكَلِماتِ منْ حرفٍ نَما بينَ الخُنوعِ وَبينَ دَمعاتِ الوَرَى
وَحُروفيَ الأُخرَى تُقادُ إلى أَخادِيدِ الرّدَى
نُحِتتْ على أرضي ومكتوبٌ على عَتَباتِها بالضّوءِ قِفْ
وأُنيخُ قلبي فوقَ أوراقِ الْقَصيدْ
كَلِماتُهُ تَأْبَى الْمُثولَ فلا أَرى غيرَ الْجُحودْ
تَجري إلى شَطّ غَريبٍ مُخْتَلفْ
وَأَرى دِماءَ النَّصّ تَدْنو صَوبَ وِديانِ الْجَفاءْ
والشّوكُ يَحْبِسُ وَردَ حَقلي واللّقاءْ
وَتَمَلّقتْ لُغةُ الظّنونِ ولم تَكِفْ
شِعري يُراقِبُ بَعضُهُ بعضاً ويَشْرُدُ منْ مَلامِحِهِ..
يَخافُ اللّونَ في غُرفِ الزّنازِينِ التي تَشْكو الْغُرَفْ
يَتَرَقّبُ الأَقدامَ تحمِلُه إلى نَعْشٍ تَجَهّزَ للرّحيلْ
ويقولُ مالي والقَصيدُ إذا تَعَثّرَ زَنْدُهُ
لم يُورِ ناراً تأْتَلِفْ
لا تَهْمِزوني وارْقبُوا أرضاً تَجيشُ منَ العَسَسْ
أَتْعبتُ شِعري بالتَّمَنّي والتَّخَلّي والتَّجلّي والتَّحلَّي واللّهَفْ
والأُمْنياتُ اسْتَحْدَثتْ ألوانَ تِيهٍ في الغِيابْ
كلّ على سَفرٍ لِيومٍ تَلْتَوِي فيهِ الرّقابْ
فَامْضُوا فما الأعْمارُ إلا وَمْضةً رَقَدتْ على تَلّ خُسِفْ
وَيلٌ لِمنْ تَركَ الثّوانِيَ تَمْتَطي سُنَنَ العَذابْ
منْ كانَ يَخْشَى نارَها فَلْيأَتِ كَفّاً منْ تُرابْ
لنْ تَملِكوا سَرْجَ الصّهيلِ إلى السّحابْ
أَو شَمْعةً للدّربِ إن غَمّ الضّبابْ
قَالوا وليسَ على شِفاهِ القَومِ غيرُ مَسَبّتي: أَنتَ الْخَرابْ
شِعري يَجوعُ على الرّصيفِ ولا أَمُدّ يَدي إلى لَحمِ الكِتابْ
خَمْسٌ منَ اللّبَناتِ أَبْني فَوقَها قَلبي وَأكسُوها الشّغُفْ
فَالغِرّ يَنْسَى رِحْلةَ اللّحظاتِ أو كيفَ الحِسابْ
وَحَسِبتُ أنّي أَسْطَعُ التّطْوافَ حولَ خَواطِري
حَتى رأيتُ فُؤادِيَ الْمَبهُورَ حَجّ ولم يَطُفْ
فَالظّنّ يُغْرِقُني بِحرْفٍ حِبْرُهُ نَارٌ..
وَأحْسِبُهُ معُ الأيامِ بَرداً يَنْصَرِفْ
هَربَ القصيدُ منَ الضّميرِ ونامَ في جَسدٍ رَقَصْ
وَيَميلُ جَفنُ العينِ والصّلبُ اسْتَجابْ
فَيَخِرّ للصّنمِ الذي يُلْقِى العَلَفْ
يا أيّها القَلمُ الْمُكَتّفُ بالذّهولْ
أْرْكضْ بِقلبِكَ هذهِ الدّنْيا قَتُولْ
وَانْفُضْ غُبارَكَ قبلَ أنْ تُطْوَى الصّحُفْ