زار اردوغان بغداد عاصمة العراق ، وأربيل عاصمة إقليم كردستان كما زار المراقد المقدّسة في بغداد والنجف الأشرف ، وقد رافقهُ عدد كبير من ممثلي الشركات الإستثمارية والمشهود لها بقدرتها وكفاءتها العالية في إنجاز المشاريع العمرانية والإستثمارية المتنوعة. والتي بالتأكيد ، عند إبرام العقود بشأنها سيتم تنفيذها في بغداد وفي داخل المُحافظات ، وبالتأكيد فإن الفائدة ستكون مُشتركة بين المُنَفّذ التركي والمُستفيد الثاني هو المُتعاقد العراقي .. ولكن ما الداعي لكتابة هذه المقالة؟
في بيئتنا الجافة في العراق ، حيث تُعتبر المياه الواقعة ضمن أراضينا محدودة ، وان نهرينا " دجلة والفرات " ينبعان من أراضي الجارة تركيا ، وتواجهنا حالياً تحديات كبيرة ، حيث دلّت كثير من التقارير الدولية على إن منطقة الشرق الأوسط وبضمنها العراق ، كانت قد احتاجت عند نهاية القرن الماضي ، ضعف ما تملكهُ من المياه المُتوفرة لديها ، كما وتقدّر بعض الدراسات أن المنطقة ستحتاج مع حلول عام 2025 أربعة أضغاف الكمية المتاحة لديها من مصادرها الطبيعية.
ومن البديهي القول بأن ثالوث الحياة الأساسي يتكون من الهواء والماء والغذاء ، ولا شك بأن أنتاج الغذاء هو المُستنزَف الأكبر إقتصادياً للحياة. ويعتبر الماء أساساً مهماً لديمومة الكائنات الحيّة وسرّاً لخصوبة الأرض وازدهارها وانتعاشها.
وتدل آثار الحضارات القديمة في بلادنا ، ومواضعها على أنها كانت قد قامت بالمواقع التي تواجدت فيها مصادر المياه . كما يشير لنا التاريخ بأن كثير من هذه الحضارات كانت قد انهارت بعد جفاف أو زوال تلك المصادر. وحيث كانت ولا تزال مشكلة المياه تخلق الأزمات بين الشعوب التي تعيش على مصادر مُشتركة للمياه . فهل كان لهذه اللقاءات بين الطرفين العراقي والتركي حديث جدّي ومُرّكز حول هذا الموضوع.
وبسبب إنشغال العراق بأحداث جسيمة مرّت علينا فإن الدول المُجاورة حاولت بشتى الوسائل الإستفادة من مياه الأنهار وتحويل مجاريها مما يسبب لنا مشكلة في المُستقبل وخلق أزمة حادّة في كمية ونوعية المياه. تركيا ذاتها تسعى إلى إنشاء مشروع (كاب) العملاق وتقنين مياه نهري دجلة والفرات وروافدهما وإستخدام المياه كسلاح أساسي.
إن التكنلوجيا الحديثة وفرّت إمكانات كبيرة لإقامة منشآت هندسية ضخمة على مجاري الأنهار وحجز وتحويل كميات هائلة من مياهها، وهذا أدى إلى ظهور مُشكلة أخرى لم تكن موجودة على مدى التاريخ وهي قدرة دول المنبع في السيطرة على مياه الأنهار من خلال سكب النفايات الصناعية فيها وتصريف مياه البزل إليها ، كل ذلك دون إكتراث بالحقوق المائية للدول الواقعة أسفل هذه المجاري.
إن الأحداث الجيوبوليتيكية * في أوقاتنا الراهنة ، ساهمت بشكل فعّال في رسم صورة الصراع الحالي في المنطقة ( الشرق الأوسط ) . وأثرت على علاقات الدول فيما بينها بوجود أحواض الأنهار المهمة والرئيسية وهي أحواض ( النيل والأردن وحوضي نهري دجلة والفرات). ولا يخفى على أحد ما قامت به إسرائيل من جهود في تقوية وتحسين علاقاتها مع دول المنبع لأنهار النيل ودجلة والفرات ، لوضع الدول العربية المُستفيدة من هذه الأنهار تحت الضغط .. وقد قامت بتقديم الدعم المالي والتقني لهذه الدول كاثوبيا واوغندا وتركيا.
وخلاصة ما أريد أن أقوله هو : على السلطة السياسية الحاليّة في العراق أن تقوم بدراسة جيوبوليتيكية معمّقة ، للإستفادة منها في وضع خطط سياسية مُحددة يتم تبنيها لصنع القرارات .. التي يجب أن تُصبح تصوراً لما يجب أن تكون عليه الدولة مُستقبلاً في المجال الحيوي.
وأخيراً فإن جفاف أنهر العراق ، سوف يقضي حتى على المُنشآت والإستثمارات والتنمية التي تسعى كل دول العالم للمُساهمة فيها ببلادنا ، إنطلاقاً من مصالحها الخاصّة .. وسوف لن يكون هناك شعب يعيش في صحراء قاحلة لا ماء فيها ولا غذاء.
فهل إنتبه ساستنا إلى هذه الخطورة ، في مباحثتهم مع ضيوفنا الأتراك؟