كابوس /قصة

2008-03-09

حي//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/88dcf0b4-a216-48b9-aaa2-bb83a9530241.jpeg نما دق جرس التليفون كنت متعبا، فلقد سهرت لوقت متأخر من الليل، كنت أشاهد فيلما أجنبيا في القناة الثانية .شدني الفيلم ، قاومت النوم من أجله ، تذكرت أن وردية عملي تبدأ في الثانية عشرة ظهر الغد .

لكن التليفون ظل يدق في إصرار ، أحسست بالضيق، من الذي يطلبني الآن ؟

تقلبت ممنيا نفسي بأن ييأس الطالب ويكف عن ملاحقتي .

وحدي في البيت ،تخرج زوجتي قبل الثامنة بقليل ، فمقر عملها على بعد دقائق من بيتنا، إذا تأخرت عن الثامنة ينظر إليها المدير في غضب لكنه لا يتكلم ، وهي تكره نظرته تلك .

طلبت مني أن ترتاح من نظرة ذلك المدير الغاضبة، وتبقى في البيت ترعى الأولاد وتنتظرني عند عودتي كل يوم ، لكنني لم أقدر، فدخلي لا يسمح لي بأن أبعدها عن العمل .

ظل جرس التليفون يدق وأنا مشغول عنه بالنوم، يأتيني ضجيجه كجزء من حلم يتداخل مع أحداث الفيلم الذي شاهدته ليلة أمس. البطلة أثيرة عندي، أحاول ألا يفوتني فيلم يعرض لها في التليفزيون، جسدها مختلف عن جسد زوجتي، هي نحيفة وطويلة ،ساقاها طويلتان ، بعكس زوجتي القصيرة الممتلئة ، كما أنها تضحك دائما، وتتقبل ثورة زوجها بابتسامة عذبة صافية ، بينما تثور زوجتي لأقل سبب .

عندما طال دق التليفون أحسست وكأن مطرقة تدق مؤخرة رأسي في عنف، نجمتي المفضلة تربت على خدي في حنان بابتسامتها العذبة، وزوجتي أمامي ـ تعقد شعرها القصير بفوطة مبللة.

تلاشت صورة النجمة لديّ، فمددت يدي أبحث عن سماعة التليفون وأنا مازلت نائما، أخطأت يداي الوصول للسماعة مرات إلى أن عثرت عليها فأمسكتها:

آلو ......
جاءني صوته مخنوقا ، ثائرا:

سنة لكي ترد على تليفوني ؟!
من ؟
ماذا بك ، لا تعرفني؟
عرفته ،بحدته وصوته المرتفع :

أهلا بك .
أخيرا عرفتني؟
لم أجبه ، أكمل :

الساعة تجاوزت الثامنة ومازلت نائما ؟
شاهدت بالأمس فيلما أجنبيا ....
مخك فاضي دائما .
عادة ما يبدأ بالهجوم ويسخر من محدثه ، أكمل :

لم أنم منذ أمس، تشاجرت مع زوجتي .
هو دائم الشجار معها، والشكوى من تصرفاتها :

ليس مهما، فذلك يحدث كثيرا بين الأزواج والزوجات .
صرخ في التليفون:

لا ، هي شيء آخر، مخلوق بشع لا يحتمل .
شردت ، أردت أن أحكي له عن بطلة فيلم الأمس، لكنه ظل يصرخ ، قلت :

سينتهي الأمر ككل مرة .
هذه المرة لن ينتهي ، لقد اتفقنا على الانفصال.
لقد تجاوزت الخمسين ، وهي كادت ، فلماذا تتصرفان هكذا ؟!
لا تقل لي هذا ، قله لها .
أحسست بالخوف من أن تكون مكالمته معي سببا في استئناف الشجار بينهما، فهي حتما مازالت في البيت وتسمع ما يقال، قال:

أنا في حاجة إليك .
تريد نقودا ؟
صرخ ثانية :

من الذي ذكر النقود الآن ؟!
لم أجبه ، فأكمل:

اتفقنا على أن نقتسم العفش.
لهذه الدرجة ؟!
صاح غاضبا :

دعك من هذه الكلمات التي لا فائدة منها واستمع إليّ جيدا .
تذكرته وهو يغضب، فينفر العرق في صدغه ويزداد طوله قليلا، وكأنه يقفز في الهواء.

ستأتي شقيقة زوجتي وأخوها ليحضرا القسمة ، وأنا ليس معي أحدا ، وأريدك أن تأتي لتؤازرني ، لقد بحثت طويلا ، ولم أجد سواك .
لا تهتم ، سأحضر .
أغلقت باب الشقة خلفي وسرت في طريقي إلى موقف الترام ، لم أجد صعوبة في ركوبه، جلست في مقعد مجاور للنافذة ، تابعت الطرق وأنا شارد في صديقي ، لعله الآن يتشاجر مع زوجته ، هو قصير وجسده ضعيف، بينما زوجته أكثر طولا وعرضا، يمكن أن تحمله بين يديها بسهولة وتسير به مسافات طويلة . رأيته أمامي يلوح في الفضاء ويختنق صوته داخله، بينما زوجته تطارده بجسدها الممتلئ ، فترتفع الفانلة الداخلية التي يرتديها فتكشف عن جسده العاري . كثيرا ما ذهبت لفض المنازعات بينه وبينها ، أحيانا أجدها تصرخ فيسمعها كل سكان الشارع الذي يسكنونه ،وأحيانا تلطم خديها في عنف حتى تدميهما من تأثير كلماته اللاذعة .

هو وحده منذ أن عرفته ، لا أعرف له أسرة سوى زوجته وأولاده ،لم أر له يوما شقيقا أو شقيقة ، أو خالا أو عما وكأنه اقتطع من شجرة ،بينما أسرة زوجته متماسكة ،لم أر في بيته قريبا له يزوره وأجد دائما أفرادا من أسرتها : أختها الصغيرة التي تعيش معهم شهورا عديدة ، تنام فيها فوق سريره، وينام في مكان آخر وحده ، وأختها الأخرى المتزوجة والتي تأتي بأولادها الكثيرين ،هذا غير الأخ الذي يتدخل في كل شيء .

صديقي سريع الغضب ، ولسانه - عادة - ما ينطلق بالسباب والسخرية من محدثه مهما كان وضعه، وشقيق زوجته قريب الشبه بأخته ، طويل وعريض ويده لو صفعت صديقي ستدميه ، وقد يأتي بأولاده الذين يشبهونه ،هذا غير النسوة الكثيرات. رأيت صديقي أمامي وواحدة من أخوات زوجته تشد فانلته الداخلية فتمزقها ، وأخرى تدفعه في ظهره فيصل جسده إلى جسد شقيق زوجته الذي يحمله بيديه إلى أعلى ويرميه ، فترتطم رأسه بالبلاط العاري فيسيل الدم، يلوث الفانلة البيضاء ويصل إلى البلاط.

نظرت في ساعتي ووقفت رغم أن الترام لم تصل إلى مكان بيته، أحسست بالخوف عليه كان من المفروض أن أستقل تاكسيا لكي أصل قبل أن يقتلوه.

أسرعت إلى باب الترام، خشيت أن يسير دون أن أستطيع النزول ، أوهام تطاردني، ماذا لو وجدته قد قتل، والبوليس داخل الشقة ، والجثة مازالت ملقاة فوق البلاط العاري .

أسرعت في الطريق إليه ، المنزل أمامي، درجاته متسخة مظلمة ، تذكرني بمدخل بيتي ، شقته في الدور الأول العلوي مغلقة ، ليس هناك جندي يقف أمام الباب ليمنع الدخول والخروج منه ، كما يحدث - عادة - في حالات القتل .

وقفت لحظات لعلي أسمع صوت الشجار لكنني لم أسمع شيئا .

عندما دخلت لم أره أمامي ، قد يكونون قد أخفوا جثته ، ألقوا بها بجوار محطة القطار ، لكن محطة القطار بعيدة عن بيته .

خرجت زوجته من إحدى الحجرات ، رأسها معقود بفوطة بطريقة توحي بأنها تعاني ألما في رأسها ، تذكرت بطلة فيلم الأمس، كانت تضع فوطة فوق شعرها الطويل المعقود لأعلى وهي خارجة من الحمام ، تداعب زوجها بخفة .

صافحتها مبتسما، لم ترد ابتسامتي ، أشارت إلى حجرة بعيدة لأدخلها ، عندما فتحت بابها رأيته أمامي، لا ، لم يكن مجروحا ولا لابسا فانلته الداخلية كما توهمت، بل كان في كامل هيئته، يجلس فوق مقعده حزينا ، قلت :

أذهب وقل لها كلمة تنهي كل هذه المشاكل .
لم يجبني ، أحسست بأنه خائف منها ومن أختيها وأخيها .

بحثت عنها لأحدثها ، وجدتها في حجرة النوم تلف المرتبة في صعوبة ، وأختها تساعدها وتمسك طرف الحبل الطويل جدا، فتربط المرتبة بالحبل ، ثم تقصه بمقص معها ، قلت :

أنت جاهزة بكل شيء.
عاشر مرة وأنا أجمع عفشي هكذا .
ما دام الأمر كذلك ، فلماذا تتعبين نفسك ؟!
لا ، هذه المرة لن أعود إليه مهما فعل .
حتما كنت تقولين هذا في كل مرة سابقة .
قالت أختها :

غلبنا معها وهي مصرة على الانفصال .
معلوم، فأنتما لا تعيشان معه، ولا تعرفان طبعه .
أعرف طبعه، لكن الأولاد ، كيف سيحتملون ما يحدث ؟!
الأولاد يعرفونه ويعذرونني.
هو عصبي حقيقة ، لكنه طيب.
الطيبة لا تعرفه,لم تقترب منه، صدقني أنا ، لقد فعلت معه المستحيل، كل شيء قدمته له دون طائل .
فجأة وجدته أمامي:

أرجوك ، أرجوك أذهب الآن .
اندهشت واندهشت زوجته وأختها، أنني لم أغضبه ، كل ما فعلته أن دافعت عنه .

ألم تسمعني، تفضل ، أنا قادر على حماية نفسي، لا أريد تدخلا من أحد .
أحست هي بي ، قالت :

سأعد لك شايا .
أي شاي الآن والكل منشغل بقسمة العفش وأخذ ما يمكن أخذه؟!

سرت في طريقي إلى الباب كنت أمسك طرف الحبل الطويل لكي أمنعها من ربط مرتبتها الملفوفة .

من شدة خجلي وارتباكي نسيت طرف الحبل في يدي ، ازددت ارتباكا عندما رأيت الأخت الثانية والشقيق ينظران إلى من بعيد .

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2025 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2025 Copyright, All Rights Reserved