لينة بنجلون
عندما كانت تُتداول داخل مدن المغرب مقولة" لا تعلمهن حروف ولا تسكنهن غروف" . - لم يكن نساء المغرب على علم بغرفة خاصة والتي تحدثت عنها الكاتبة الانجليزية "فرجينيا وولف 1882-1941" . في زمن " لا" الناهية . لكن برز نساء كثر تعلمن الحروف وبدأن يكتبن مقالات أدبية وسياسية واجتماعية . ولقد اطلعت على بداية صدور إحدى الصحف المغربية في مثل صحيفة الرأي العام . التي وردت فيها أسماء نساء مغربيات احترفن مهنة الكتابة مثل :
حبيبة جسوس : رسالة جمعية أخوات الصفا. 18- يونيو.1947
مارية القباج : مواقف المرأة.25- يونيو 1947
مليكة المنظرية : المرأة سر النهوض.11يناير 1948
لم يقتصر انشغال المرأة بالكتابة بل أصبح منهن من تحترف مهنة الصحافة ومن بينهن الصحفية المغربية لينة بنجلون ،
دور المرأة في النهضة المغربية
آراء المفكرين: رأي الأستاذ الطيب العلوي. جريدة الرأي العام 6ماي 1948
كان مولاي الطيب العلوي 1895-1964 من رواد الحركة الوطنية والسلفية منذ أول سنوات القرن العشرين، عرف الاعتقال منذ ذلك الوقت بسبب الحرب الريفية وثم في مناسبات وطنية بعد ذلك . وكان في النصف الأول من القرن العشرين يعد من المثقفين الذين يسهمون بمقالاتهم في التوعية الوطنية و الاجتماعية . وقد عينه السلطان محمد بن يوسف مديرا ل المدرسة الوحيدة في فاس التابعة مباشرة للقصر الملكي ككل المدارس الوطنية التي أنشأها السلطان لنشر اللغة العربية والروح الوطنية في الأجيال الصاعدة . ولذلك ليس غريبا أن يتجه نظر الصحفية الرائدة لينة بنجلون رحمها الله إلى مولاي الطيب العلوي رحمه الله، لاستخلاص رأيه في أمر مهم هو : تطور المرأة المغربية .
ومن المناسب أن يذكر هنا أن تلك المدارس الوطنية التي أنشأها السلطان المذكور ، كانت تحظر حفلات تدشينها وتوزيع شهاداتها بعض بنات السلطان . تشجيعا للأسر المغربية على تسجيل بناتها في التعليم . وكان تسجيل البنات اللاتي ولدن في نهاية الثلاثينات تلميذات في هذه المدارس التي أنشئت بعد 1945 وكان منهن من كتب لها ذكر في الأدب والسياسة فيما بعد في مثل حبيبة البورقادي .
إذن لقد كان استجواب بعض مثقفي ذلك العهد متناغما وملائما مع الروح السائدة حينئذن والتي كانت تحض الجميع على الخروج من سربل التخلف والتزمت وحبس النساء في الدار ومنعهن من غرفة خاصة . كما كان عليه الكثير من النساء في العالم . وبالرغم من أن لينة بنجلون تنتمي إلى جيل ما بعد الحرب العالمية الأولى فإن في استجوابها لأولئك المثقفين دليلا على أن جيلها النسوي لم يكن غافلا عن حقوق المرأة وضرورة تحريرها من قيود موروثة لم يأمر بها دين ولا منطق .
إذن فقد كانت لينة بنجلون الصحفية والطيب العلوي المثقف كلاهما ينتميان إلى الحربين، الطيب إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى ولينة إلى ما قبل حرب العالمية الثانية .
الشيء المهم هو أن هذا يدل على أن رواد الثقافة المغاربة انشغلوا بأمر تطور المرأة منذ أوائل القرن العشرين ، بدليل الصحفية المستجوِِبة، والأستاذ المستجوَب . لذلك فإن الآراء الداعية لتحرير المرأة وتطور أوضاعها التي أعرب عنها في الاستجواب تمثل الفكر الاجتماعي للجيل المغربي المزداد في أوائل القرن العشرين ونهاية القرن التاسع عشر ، ومعنى ذلك أيضا أن مخاض ذلك الفكر الذي أنتج المرأة المغربية بعد سنة 1960 كانت بذرته قائمة في نفوس المغاربة قبل ذلك بعقود من الزمن . وبالمناسبة فإن كون لينة بنجلون صحفية تستجوب رجلا له دلالته في الحقل الأنثوي يؤشر عن بداية اقتحام المرأة المغربية لفضاء الصحافة التي قد تكون من اختصاص الرجل دون المرأة .
ذلك أن عملا كاستجواب صحفي بين رجل وامرأة كان أمرا يتعذر تصوره مع بداية القرن العشرين وما قبله . بل إن هذه الصحفية لم تنجز استجوابا واحدا ولكنها أنجزت استجوابات أخرى مع مثقفين آخرين .
ومن العدل أن نذكر لينة بنجلون في هذا السياق باعتبارها رائدة في الصحافة النسوية المغربية . هذه الصحفية تذكرني في الزمن الراهن بالصحفية العراقية المعاصرة عالية كريم التي خطت خطوات إضافية في المجال الصحافي وتعدت مرحلة الاستجواب والصحافة المباشرة إلى إنشاء الوسائل الصحفية بأشد صور الإعلام تطورا أي الصور الإلكترونية هذه العراقية الأخرى والمغربية كليهما ينتميان إلى خط تطوري هو ارتقاء المرأة العربية وتطورها وظهورها على الساحة العامة وموازاتها لخط الرجل موازاة مستحقة ومشكورة .