نيران، طرفي النها/رواية -11

2022-02-22

تمسح الغبار عن الكتب وهي مشغولة بالكواكب تنزل من السماء. تقول له :

- غدا نذهب إلى رحبة القمرة . نشتري قمح الخليل .

لا يجيبها، مشغول، لا يعرف أنه ألذ قمح في العالم، وأن الرحالة الفرنسي"فرمانيل" تحدث عنه عندما شاهد عام 1630 مجموعة من السفن راسية بمرفأ مدينة -عكا. تحمله لأعظم ملوك العالم، تقلب بريدها الإلكتروني .

Dear

It is always great to hear from you.

I wish I could send you my book, but I tried to mail copies to Lebanon, and they got lost.

What I recommend is that you order it online from Amazon. It is extremely easy.

Also, may be even better is to ask the university to order it online from Amazon.  Universities often order books online.

The full title of my book is: Cultures Without Borders: From Beirut to Washington, DC.

Hope you will be able to get it soon.

Best regards,

May Rihani

تقلب كتاب-Cultures Without Borders تفرح لأن الكتاب وصلها بسرعة، لا تجد  أثر الغبار عليه. جادة في توثيق تاريخ وصول "محـمد" رفقة "أمين" إلى أمريكا. تستعين ببنت أخ "أمين" إنها صديقتها الشاعرة "مَيْ"، تخبرها في رسالة مرفقة مع الكتاب عن كرم عمها "أمين"، أنه عندما كان يزور لبنان، يلتف حوله الأهل والخلان. وينفق عليهم بسخاء، و كان يفرغ ما في جيبه من نقود وهو يتجول، رغم أنه لم يكن غنياً، مما دفع بأخته "سُعْدَى" أن تُفْرِغ جيب سِترته من النقود قبل خروجه، وعندما كان يعود إلى البيت دون سترته، تعلم أنه تصدق بها حين وجد جيبه فارغاً، تخبرها صديقتها "مَيْ" أن عدد المقالات التي كان ينشرها عمها "أمين" في مجلة -الهُدَى قلت،  بسبب طلاق عمتها "سُعْدَى" من "مُنْعم" مكرزل، مدير مجلة -الهدى، حصل بينهما الطلاق، لأنها كانت تعتني بأخيها "أمين" وصديقه "محـمد" الطنجاوي،  ولا تساعد  زوجها "منعم"  في تنسيق المجلة، مما دفع ب "محـمد" أن يهاجر إلى مونتريال مع عائلة "الشحلاوي" .

يستغرب أمر انشغالها برسائل صديقتها "مَيْ" الريحاني. يشاهد فيلم -ملك الرمال، على شاشة -أبل، يبدو كئيبا، رمال الصحراء تتناثر في الفضاء الرحب، تتشتت معها البنية السردية ل رواية  - نيران، من جراء كثرة  الارتدادات، التي تجعل خصوبتها  مكثفة، يضيع معها الحكي، وتنفلت  الشخوص، لكن  يبقي الأثر عالقاً بالذاكرة، إنه خشب أَرْز لبنان، الذي صُنعت منه  السفينة وانسل داخلها العايل "محـمد" الطنجاوي. تبدو منشرحة، اشد  سعادة، تهمس :

- هذا نهار جميل جداً، لأن -دوبمين،أصبح مستويا عندي .

ترفع صوتها  والسعادة تغمرها، تقول له :

- مهم جداً أن أحصل على جائزة البَاكُور. أريد أن أشعر برعشة في دماغي وهزة بجسدي ولذة بلساني. وأنا في مرحلة ما قبل التِينِ الذي هو فاكهة  البَاكُور، أشعر بالسعادة بمجرد التفكير في جائزة البَاكُور، مثلما أشعر وأنا أقلب التراب لأعثر على مخطوط، تهافت التهافت، وأتسلق قمة الجبل، رفقة صديقات أجمل العمر السبع. وأسمعك تقول لي- الهبل فوق الجبل .

تهمس :

-  حزين جداً . لأنه لا يشعر بلذة رعشة البَاكور .

لا تستطيع مقاومة إغراء البَاكور، تسمع أصوات لجنة الحكماء  بمقهى لا تعرف اسمه،. بينما هو يبدو مختنقا من كثرة غبار الكتب. يبخُ، ينخُ  قطرات من فمه على منديل الورق، يفتح ديوان الزجل -قاع وردة، تمسح الغبار عن رواية أربع وعشرين  ساعة في حياة امرأة، تمسح غلافها، لا معرفة لها بسر هروب  السيدة "هنرييت" وهي زوج وأم. سيدة هادئة، جادة  ومتروية إلى أقصى الدرجات،  تهرب مع شاب جذاب ساحر، لم يمضِ على معرفتهما أكثر من أربع وعشرين ساعة، بعد أن التقت به في بنسيون في منطقة الريفييرا  الفرنسية، تعرف أن هروب زوج وأم  فضيحة  كبرى، تهرب، لا يسمح لها بالهروب إلى أي قطعة من كوكب الأرض، الظنون السيئة تتكاثر حولها، تمسح الغبار عن مسرحية -بيت الدمية، وهي تسمع السيدة  "نورا" زوج وأم ، تصفق الباب وتهرب، وترى السيدة "زين" تنسل من قرب زوجها وتهرب في رواية - وداعاً يا دمشق، تسقط على دماغها حوادث هُروب النساء،  جدتها "زهور" تهرب إلى  سينما أَبُولُو، وهي زوج وأم ، تدعي أنها خارجة إلى الحَمٌام .

 تحكي له عن جدتها "زهور"، ولا علم  لها بهروب "أزهار" المعتقلة، وأخريات رفض التاريخ أن يدمغ أسماءهن، تكاشف سبب هروب النساء و تفكر في الهروب مثلهن لتحط قرب غرناطة وتقلب التراب، لعلها تعثر على مخطوط - تهافت التهافت، الذي دفنته أخت جدة، جدة، جدة جدتها "زهور" بنت للا فضول،  تحت التراب وتسلقت الجبل، و قريبها أبو "الوليد"  يشاهدها  وينعتها ب -الهَبَل فوق الجبل، وأصبح منذ ذلك الحين قفطانها موسوما  ب -الهبل فوق الجبل، حكاية القفطان  طويلة تمتد من زمن غرناطة إلى زمن فاس إلى زمن مونتريال، تختفي وراءه حكايات منسية. تنزع يدها الصغيرة من غور التراب، تكاشف  هروب النساء، تهرب، تستأنس بطفولتها، تحدق النظر في الخشب المُزوق على سقف الغرفة الكبيرة بقرية إِتْزَر، بيت جدها لوالدها تعجبها  الألوان الفاقعة والرسومات المكعبة.  يشتد انبهارها وولعها بخشب الأَرْز. تذكر أن جدتها حدثتها عن السيدة "خديجة" تميم، التي زَوقت خشب الأرز، هي الأخرى هربت  برسوماتها من سيدها السلطان، تتعجب تنظر إلى الجَفْنة التي زوقتها الفنانة "خديجة"، وتلتفت إلى أخيها "أمين" وهو يقلد "شَارْلي" شابلان، و يلوح بعكاز جده ويدور بسرعة البُراق، يحذره الجد من السقوط وهو يقول له-  الباشا "الكلاوي" أكرم ضيافة الممثل العظيم "شارلي" شابلان.  تتذكر ويختلط عليها أمر الشبه بين "شارلي " شابلان و"شارلي " إبدو،  لعل الصبي "أمين" يشبه "شارلي" شابلان، في اللعب بعكاز جده، تمسح الغبار وهي تفكر في دوران "أمين" بعكاز جده، تتخلص من الماضي و تفكر في الحاضر، في الخصومة التي دامت بينها وبينه هذه المرة أكثر من أربعين يوما،  تتألم تسمع قول جدتها-  كثر الحرير حتى  تمسح به  الأواني، تهمس :

- كان حتى كان، كان في قديم الزمان. كانت صبية تجري  بين الأدغال، تفتش عن فارس الأحلام .

تخلصت من فارس الأحلام. وانتهت خصومتهما قبل آذان فجر هذا النهار.

تجد أن الهروب سببه الخصومات بين الزوجين وهو مهم جداً،لأنه يفرض الامتناع قسراً . ليكونا أفضل طوعاً وأقوى رغبة واشد قبلة، الرغبة تموت في الإشباع، وقد فطن إليها منذ القديم "قيس"، عندما أشار في إحدى قصائده، إلى أن الحب يعيش بالفراق والرغبة تموت بالوصال، تتساءل في صمت :

- لعل "ليلى" هربت، لهذا لا يحكي عنها تاريخ الأدب العربي، إنها هي القصيدة .

يسقط من بين يديها ديوان شعر- كَلَيْلَى أو كالمدن الخمس . تمسحه دون أن تفتحه، يطول الصمت  بينهما فيخلق نوعاً من الهروب القصير، تعرف أنه لا يرغب في سماعها، خصوصاً عندما يتعلق الأمر ب "ليلى" لا ب "قيس"، تحاول أن تلفته إليها، تقول له :

- أفكر في السفر إلى -نيوزلندا، أَزُور صديقتي "فُرات" .

لا يجيبها، يلوح بيده المتغضنة، وينتهي بفتح مجلة إلكترونية على شاشة التُفاحة -أبل، لعله يتبرك بالتُفاحة ليحصل على خبر جديد يحكي عن انهزام  إسرائيل، يردد بصوت خافت :

-تظاهرت الأمهات الأربع الإسرائيليات، احتجاجاً على الحرب في جنوب لبنان .

تسمعه، تقول له :

-إنها مبادرة جريئة من قبل النساء، الحرب ليست من طبيعة المرأة .

 

يتبع

لطيفة حليم

 أستاذة جامعية وكاتبة حاصلة على شهادة الدكتوراه، تعيش ما بين كندا وبلدها المغرب، صدرت لها روايتان “دنياجات” عام 2007 عن منشورات زاوية الفن والثقافة، و“نهاران” عام  2012   عن دار فكر المغربية بالرباط . بالإضافة إلى نشرها العديد من المقالات والمواضيع في مطبوعات متعددة .

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved