الشيخُ والهجْر

2011-12-15
أنت أيّها الوطنُ الوغْد
لماذا أسميتني بالغريب
أ لأن َجوازَ سفري مختومٌ بالرحيل
لكلِّ قيعانِ الأرضِ
فجِّها وعميقِها
لكلِّ طرائقِ السماءِ الوعرة والسالكة
وبيتي المطاراتُ
ونقاطُ الحدودِ اليقظة ؟؟
أهجعُ فيها...في قيلولتي
في هزيعِ الليل
في الأسحار
حيث تلتمُّ الملائكةُ
تنقلُ أدعيةَ المحزونين والثكالى
ومستجدي الفرج وفاقدي الأحبة
وغرفةُ معيشتي موانئُ راسيةٌ
في رأسي المشتتِ أينما حللْت
في السفن المليئةِ
بالجرذان الضالّة
وهي تمخرُ عبابَ البحار!!؟
وثائقي ؛ التعبُ ؛ تفجّرُ الحنين
العلاماتُ الفارقة ؛
تسارعُ نبضاتِ القلب
شوقاً للمارقين من أهلي
وعشيري وصحبي قساةُ القلوب
أعترفُ بكلّ قواي الشعريّة :
فأنا لن أهجرَ فيما أقول
أرضي نَسيتُ سحنتَها
أحمراءُ كدمٍ ضائعٍ مراق؟؟
أسوداءُ بلون عاشوراء؟؟
لاأدري....لاأدري
قدمي طوى الأرصفة َ
والحواري المشبوهة سنواتٍ طوال
صالاتُ الانتظار تستقبلني بلهفة العاشق
لافتتي القادمون ...المغادرون
لافرق
بيتي بناهُ التيه
بمعونةِ المسافاتِ الطويلةِ والدوار
ومعاولِ الهدم الثقيلة.
زادي غُصصُ الوجبات السريعة
والأطعمة الخفيفة المغطاة بالعفن
طاولتي المساندُ البارزة أينما أراها
في الأزقة الخلفية
في الأدراج العالية
أكتب مسوداتي الشعرية
على الورق المتطاير
ومخلفات الصحف
دواتي الدموع ُالملطخة بالحنين
ألواني الشحوبُ العائمُ في وجهي
سَكني الحدائقُ المظلمةُ البعيدة ُالأنظار
أسِرَّتي المصاطبُ المنزوية في الأركان المعتمة
أسمالي أنتقيها
من نفايات البالات وخِرَق السماء
إلاّ قلمي المعبأ ُبالشجى
لاأشحذه من أحدٍ
هو سليل أسرتي الثريّة
هو شفتي التي لم تنبسْ باطلاً
هو لساني الذي لذعتْه المرارات
الموغلةُ بالأسى
إلاّ قلمي الحاذق
هذا المحبُ الطيّب الحاني
إلاّ حروفي التي رصَصْتها معاً
بصياغة القلب والأنامل
لتكون جملة ًمفيدة شجيّة
أنحتُها في مسلّتي العاليةِ الهمّة
أزهو بها أمام الأشهاد
***************
أنت أيتها الشيخوخة المُرّة
مالَكِ أنشبتِ أظفاركِ !!!
وخدشْتِ وجهي بهذهِ التجاعيدِ الكريهة
وقصمتِ ظهري الصدَفيِّ الصلب
سملْتِ الأنوارَ الوضاءة
من عينيَّ الغارقتين
بالتراتيل الكنسية
والأدعية النجيبة
انهشي ما شئتِ من جسدي
وإياكِ إياك أن تقربي من دواتي
من يراعي الأشم
من أوراقي المدماةِ بالأنين
وأنت أيها الجِلْد المتغضن
سأسلخك رويدا رويدا
ستعلمُني الأفعى طقوسَها
وأعيدُ ذلك الملمسَ الناعم لجسدي
وستنبتُ حبّاتُ النمشِ الآسر
تطفحُ في صدري وعنقي
وأذلُّ شيخوختي أيما إذلال
أعفّرُها بالتراب
أمرّغُها بالوحلِ الآسن
سأنتصر
سأرفع راياتي المزركشة بالفتوة
وأمحو من معجمي كلماتِ الهَرَم البالية
ومفرداتِ المُسنِّ ، المتعَبِ
الغارقِ بأرذل العمْر
وأمزِّقُ " الشيخ والبحر"
أرميها من علوِّ مكتبتي المُتْربة.
ومن مدّخراتي...
أصنع صفّا من الأسنان البيض
الناصعةِ كاللؤلؤ
وأضعُ تاجي المزدان بالحريرِ الأسود
فوق رأسي الفَتِيِّ
سأبلغُ من الصِغَرِ عتيّا

جواد كاظم غلوم
Jawadghalom@yahoo.com

 

 

جواد غلوم

خريج كلية الآداب/جامعة بغداد / قسم اللغة العربية لعام 1974-1975. عمل في التدريس بعد التخرج لغاية العام/1990 وفي الصحافة وهو طالب في الجامعة ونشرت في معظم الصحف والمجلات وقتذاك. سافر إلى خارج العراق بسبب الاضطهاد وظروف الحصار وعمل خلالها أستاذا في الأدب العربي/ ليبيا. عاد للعراق سنة/2004 وينشر في العديد من الصحف الورقية والالكترونية. ولديه اربع مجموعات شعرية مطبوعة وكتابان بعنوان / مذكرات مثقف عراقي أوان الحصار، و قطاف من شجرتَي الادب والفن وهي مقالات في النقد الادبي .

jawadghalom@yahoo.com

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved