تمسح الغبار عن ديوان - وردة الفضيحة، تقلب غلافه، تعرف أنه نشر سنة 1994 . يخبرها وبيده جريدة سبق أن اطلع عليها بتاريخ 10مارس2016، أن تنظيم الدولة الإسلامية، أعدمت صاحب هذا الديوان مع نجله في مدينة -ديرالزور، تمسح الغبار عن...رواية - المخطوط القرمزي، تجد أن الروائي يتعاطف مع الحضارة الإسلامية في الأندلس، وله رؤية خاصة للتاريخ، تغني أغنية- يا بدع الورد. بصوت خافت، تفكر في التكوين الجيني للبشرية، الذي يثبت بوضوح تكوين الشعوب، وتتساءل :
-ما هو العدد الأكثر داخل الشعب المغربي الأمازيغ أو العرب ؟
لا تريد أن تقصي عناصر أخرى الفينيقيين، الرُومَان . التُرك،الأسبان، الإفريقيين،الفراعنة... والفيتناميين، الغرض عندها من هذا التساؤل هو أن تعرف من خلال الجينات الوراثية هل هي امازيغية أم فرعونية، لأنها سبق أن علمت أن جد، جد، جد، جد، جد ... جدها من أبيها الأمازيغي، تزوج حفيدة "كليوباترا"، ما فائدة معرفة الجواب إذا كانت مقتنعة مثل ولدها "أسد"، أنها إنسان عالمي تعيش فوق كوكب الأرض ؟ يلتفت إليها، يقول لها وهي تمسح غلاف -اسم الوردة :
-لم يجرؤ رائد السيميائيّات وفلسفة اللغة، على دخول ميدان التطبيق العملي لأفكاره النظرية إلّا في عام 1980، عندما قدم رواياته - اسم الوردة، لأنه كان يريد اكتساح الحقل الروائي بعمل متكامل فنياً وفكرياً، ليعلن أنه أهم روائي في العالم .
يتابع حديثه عن اسم الوردة، لا يعرف أنها لا تسمع حديثه عن الراهب "ويليم"، الذي التحق بالدير، فوجد أمامه سلسلة من جرائم القتل الغامضة، ذهب ضحية لها قسس ينتمون للدير وأن "ويليم" يمتلك قدرة على التحليل المنطقي، ولا يستسلم للاعتقاد السائد بأن الجرائم سببها الأرواح الشريرة، وأنه يبدأ رحلته مع الأسرار التي تكشف له أن القاتل يعيش في أروقة الدير.. لا تلتفت إليه، تمسح الغبار عن بحث لطالبة يحمل عنوان -ابن "سلامة" الأمازيغية هو أبو "جعفر" المنصور، الخليفة العباسي، تفتحه... أرسل أبو "جعفر"، إلى إمبراطور الروم يطلب منه بعض الكتب في الطب والهندسة والحساب والفلك، وعين نفرًا من المترجمين كلفهم بترجمتها إلى اللغة العربية، لهذا ازدهرت في عهده كثير من العلوم، منها النحو والعروض والجغرافيا، وكلف آخرين برصد حركة النجوم والكواكب .
تمسح الغبار وتفكر أن اهتمام أبو "جعفر" بهذه العلوم يعود إلى الجينات التي ورثها عن أمه الأمازيغية "سلامة"، وان كان الاسم ليس أمازيغيا فهو تعريف من قبل المؤرخين، الذين يمتلكون السلطة من طرف الملوك والأمراء، لكن تتسرب إلى مخطوطاتهم ما لا يستطيعون الفَكاك منه، يدل عليه الأثر الذي يتجلى في تربية "سلامة" الأم ابنها تربية أمازيغيه، في مثل اللباس الخشن والمتقشف، فقد كان قميصه قصيرًا على شاكلة لباس المغاربة، وكان يحاذر أن يتسرب إلى بيته لهو أو طرب، عرف عنه أنه لم يكن يعطي مالًا لشاعر كتب عنه قصيدة، كان يرفض الثناء، وتميز بالصرامة والجد والورع، أمر ببناء مدينة بغداد على شكل دائري وفتحت الدائرة على أربع أبواب، لم تقتصر وشائج القربى بين المغرب والعراق على الزواج، بل عرف الحب. حب "شعيب" البغدادي ل "عائشة" الزمورية .
تمسح الغبار وتنتقل من العراق إلى البلد كوبا، تذكر عندما سافرت في رحلة منظمة إلى إحدى جزرها، لم يتيسر لها زيارة العاصمة هافانا، مثل صديقتها "لَيْلى"، التي أغرتها بزيارتها، أخبرتها أن ثمة حانة للنساء يجلسن فيها ويدخن السيجار، وكان حلمها أن تجلس مثلهن وتدخن السيجار مع النساء الكوبيات، صديقتها تريد أن توقظ الرجل النائم في أعماقها، أن تدخن في هافانا، سيجارًا في حضرة النساء، تستغرب من حكايات صديقتها التي توقظ الرجل المغيّب، كما يوقظ الرجل المرأة المغيّبة، هي أيضاً توقظ الرجل عندما تقوم بأعمال تحاكي فيها الرجل..
خرجت إلى حديقة بيتها تغني مقاطع من أغنية - أنا على قيد الحياة ل "سلين" ديون - سأحصل على أجنحة لأطير.. تغني وهي تُشذّب الأغصان الصفراء الميتة، إلتوى ظهرها وهي تسقي الورد، وتلتفت إلى بذور عباد الشمس وقد أثمرت، وإلى فاكهة الرُمٌان وقد نضجت، وأصبحت قطوفها دانية، تحصي عددها، وإذا بعصفور حَطٌ فوق غصن شجرة وأسقط رُمٌانة، هو داخل غرفة التلفاز يلهو بشاشة -أبل، تنظر إليه من خرم شباك نافدة غرفة التلفاز وتقول له :
- أنا عندما أكتب أكون صادقة، أكذب قليلًا، مثل كذب بعض الأعمال التي ينسبونها إليك وتغض الطرف عنها، في مثل الاعتناء بحديقة البيت، أنا يعجبني أن أقلب التراب وأزرع بُذُور يَقْطِين، التي حملتها من مونتريال يوم عيد -الهَالُوِين، عيد الرعب .
تشعر بصحبة مع التراب، التراب يطاوعها على البَوْح عندما تُقلبه، كأنها تُقلب حياتها الشخصية، التي تجد أنها أهم موضوع يمكن أن يتسرب إلى الرواية، خصوصاً عندما تكون الحصيلة خِبْرة تجربة وليست مشاعر مرارة، تُقلب التراب، لأن في قَلْبِها مرارة . تنتظر أن ترتقي إلى الخِبْرة فتسقط إبداعًا مُقدسًا، المهم أنها ستبدع يومًا ما، وتكتب رواية إذا تجلى النهار، ستتحدث عن "أزهار"، وعن أشياء جامدة وعزيزة تشبه مرارة زعتر جبال الريف .
تمسح الغبار عن الكتب، تبدو منشغلة وهي تقلب رسائل صديقاتها، يلتفت إليها. يلاحظ أنها لا ترغب في الاستماع إليه يقول لها :
- حديث ومغزل، أو كما يقال بلغة العصر: ميلتي تاسك Multi task
ينطلق في الحديث عن حضر موت، يبدو فقيهًا :
-إن حضرموت هي حضر مات، وهي جمع مؤنث سالم والمفرد حضرمة، بيروت هي بيرات...
يسقط كتاب من بين يديها وهي مازالت لم تمسحه، يعلم أنها لا تستمع إليه، لأنها لا تريد الاستماع إلى حضرموت، تردد بصوت خافت. تقول :
-عاود لراسك .
تقلب رسائلها الإلكترونية وتفكر في أن أصعب شيء عند الكتابة، هي النقط والفواصل . تحاول أن تكتب في انتباه حاد، كلما انتهت من جملة وابتدأت جملة جديدة، تضع بينهما نقطة لا فاصلة، ولو كانا مرتبطتين دلاليا. تجد أن الفاصلة توضع في قلب الجملة بين أجزائها، إن كان يخاف الغموض ويراد توضيح الأجزاء الملحقة وتتابعها، أما إن كانت الجملة مؤلفة من أجزاء معروفة مثل- جاء ت "ميلانيا" مسرعة، فلا توضع الفاصلة بين أجزائها . توضع الفاصلة في مثل-جاءت "ميلانيا" مسرعة ولكنها، خوفا من "ترامب"، أخفت وجهها بخمار أسود، هنا لابد من الفواصل في قلب الجملة لأن الكتابة فصلت بين (لكنها) وبين (أخفت) بفاصل هو- (خوفا من "ترامب" ) . إذن لا فواصل في قلب الجملة، إلا حينما نفصل بين عناصرها بفاصل، فيكون ذلك الفاصل محاطًا بفاصلتين واحدة في بدايته والثانية في نهايته .
تمسح الغبار. تبتسم وهي تواصل الانتباه إلى النقط والفواصل، و تتذكر صديقتها الروائية التي أخطأت في الدخول إلى غرفة برنامج أشراف، ودخلت إلى غرفة أنغام . سبق لها أن شاهدتها الأربعاء المنصرم، تتحدث في برنامج أنغام . بادرت فنقرت رقمها على الهاتف المحمول قائلة- لقد أصبت وأفلحت في الغناء والحوار. كنت أكاديمية متفردة .
