أمُّنا التي في السماوات
أبقَي في عليائك
لاتهبطي إلينا
وليطُلْ مكوثُك هناك
لم نعد نتشوّق اليك
فقد أنجبتني رؤومٌ سومرية المحتد
تضاهيك رقّةً ورِفْعةً
تفوقكِ صلابةً وقوّةً
لها حبلٌ سرِيٌّ طويل ممتدٌّ
يترعُنا حناناً ، يملأ أفواهَنا
يتخمُنا خبزاً ودماً طاهراً نقيّاً
أمّي التي تجالسنا على حصيرٍ
نسَجتهُ بكفّيها الكريمتين
لو مال البيتُ فقراً وضنَكاً
وهدّ أركانَه العوزُ والضيق
قوّمتهُ بكفافِها ورفعتْهُ بظَهرِها الصلب
وان أجهشَ بالبكاء
وابتلّتْ خدودُه بالدموع
خطفتْ جهشتَه وألقتْها في صدرِها
اذا غاب نسلُها
احضرتْه ُبحديثها وقصصِها
ان افتقدت حميمَها ومهوى قلبها
حلّقت اليهِ بجناحيها
وان ضاقتْ سُفرتُها
وشحّت مائدتُها
أعدتْ كؤوسا مترعةً بالرضا
وملأت صحونَها بالقناعة
اذا تجهّم ربيبُها ووليدُ بطنها
ألبست محيّاه جمالا
قمّطتهُ بالابتسامات والهدهدات
اذا يبس ضرعُ صدرها وجفّ درُّهُ
هطلت عليه زخّاتٍ من حبّاتِ مطرِها
اذا غُلِّقت ابوابه وصدأت مصاريعُهُ
فتحته برتاجِ ترحابها
اذا انحسرَ ماءُ بيتِها وجزرتْ أوانيه
فيّضتهُ بغدائرها السخيّة
وان نبتتْ أشواكُ العداوة بين ظلالهِ
ودغلتْ خضرته
قصّتها بشفرة هدوئها وسماحها
وان سرى السقامُ في اركانه
طبّبته ببلسم دعائها وشكرها
وان اظلمّتْ نوافذُهُ
فتحتْه بستائرِ بهجتِها
وألقتْ ضوءَها بين جنباتِهِ
وان تداعت أعمدتُه ُ
ركزتْها بمساندِ إصرارها
وان اغبرّتْ جدرانُه
وعرّشت العناكبُ في زواياه
أزالته بطلاءِ قلبها الناصع البياض
هي ذي صائغةُ قلادة الحياة
قيثارتي السومرية
تعزفُ ألحاناً انْ جاعت
تهزجُ ان شبعت
تمرحُ ان اغتنتْ
تضحكُ ان افتقرتْ
خفيفٌ ناعمٌ أبيضُ كالقطْنِ ثقالُها
رياشٌ من خوافي البلابلِ عبؤها
شهْدٌ من حدائقِ الورد إكسيرُها
رَيٌّ من شفاه العذراواتِ مذاقُها
نبعٌ من جِنائن " ميديا " عذوبتُها
واحةٌ طافحةٌ بالمعينِ صحراؤها
عطرٌ من قوارير عشتار أنفاسُها
" هـي ذي أمّي عـلى سيمـائِها
أيــن في النـاسِ خليقٌ مثلها ؟!
مَن يـدانيها ويحذو حــذوَها ؟!
هـكـذا قــد طهّـرتْ أحـشـاءَهـا
نـشـرتْ ضحْـكتَها مـلء الفضا
أرضعـتـنا صبرَها مـن ثـدْيِها "
جواد كاظم غلوم
jawadghalom@yahoo.com