عادة مانسمع في احاديثنا اليومية ما يقال ان التجارة شطارة والتاجر الذكي من ينبش في ثنايا العادات والتقاليد ليبتكر ما يروّج لبضاعته التي يعزم على إنتاجها، ولاننا شعوب غريبة الاطوار والطباع ولدينا الكثير من القناعات الفكرية والمجتمعية الراسخة والتي تختلف كثيرا عن بقية السكان في هذه المعمورة وتتغلغل فينا الاعراف المجتمعية فلا نستطيع الفكاك منها بسهولة ومن هنا ينتبه بصر وبصيرة التاجر الى مايعوزنا ليعمل على ترويج بضاعته التي ينوي تسويقها الينا تحقيقا لربح وفير واستغلالا لحالة او نقطة ضعف او قناعة ثابتة من الصعب ان نحيد عنها .
من هذه الابتكارات التي يتم نشرها في مجتمعاتنا غشاء البكارة الاصطناعي بعد ان تيقن مروجو مثل هذا الغشاء انه سيجد سوقا وطلبات عليه مادام العقل البائس في مجتمعنا يعتبر قيم الشرف والعفاف لاتعدو كونها فسيولوجية بحتة وليست اخلاقية نابعة من قيم الطهر بحيث اصبح هذا الغشاء معيارا ومقياسا للعذرية وهو " الترمومتر " الذي يقاس بواسطته مستوى عفّـة النساء ودرجة طهرهن .
وقبل ان تنتشر انواع اغشية البكارة واصنافها عندنا؛ كانت النساء العازمات على الزواج واللائي مارسن الجنس غير المشروع قبلا وفضضن بكارتهنّ يلجأن الى حيلة تجميع كمية مناسبة من دم الطيور في كيس بالغ الشفافية ودسّه داخل فتحة المهبل بغفلة من العريس قبيل الدخول عليها فيما يسمى ليلة الدخلة وينتهي كل شيء وتنطلي الحيلة على العريس الفحل ليتبختر بعدها ويُري بطولته وما عملت فحولته من منازلة ليشاهدها أهله واهل العروس فيعودوا مطمئنين ويدعوا للزوجين بالرفاه والبنين والهناء في حياتهما كزوجين يلتئمان على المحبة والتواد والتراحم .
لكن هذه الحذلقة اعتبرت قديمة بعد شيوع عمليات الترقيع في عيادات طبيبات وأطباء الامراض النسائية التي تجري بشكل سري جدا وتتناقل النساء بينهن الخبر اليقين وكلٌ تحدث الاخرى وتدلّها على العيادة المناسبة الارقى والاكثر سترا فتستعيد المرأة عذريتها في اقلّ من ساعة بعد ان تدفع المقسوم أجرة العملية الباهظ وتعود الى اهلها لتنشغل بترتيب البقية الباقية من مستلزمات الزواج القريب واحتياجاته .
ربما يتذكر البعض من القرّاء الاعزاء الضجّة التي أحدثها غشاء البكارة الصناعي الآتي من اصدقائنا الصينيين احفاد الحكيم كونفوشيوس بداية العام / 2014 لتتخلص نسوتنا من مخاطر اجراء العمليات الجراحية في العيادات السرية الخاصة مثلما تخلصن من الطريقة البدائية القديمة باستخدام دماء الطيور سيما اننا نعرف مدى اهمية الحضارة الصينية في الحفاظ على القيم والعادات والتقاليد العالقة بنا وهم يعالجون اخطاءنا بمهاراتهم الصناعية لتهدئة خواطرنا وجلب افضل الطرق الابتكارية لمعالجة قلق البنت العازمة على الزواج وحل مشكلاتها المستعصية، اذ ان فقدان غشاء البكارة في نزوة جنسية ما، مع الحبيب اصبحت تشكل هاجسا مخيفا للمرأة وليس في مستطاعها اجراء عملية ترقيع خوفا من الفضيحة والانكشاف طالما هي وحدها من تعالج مشاكلها بنفسها دون ان يدري احد بها حتى من المقربين منها وقد خفّف الغشاء الصيني الجديد الكثير من الهواجس المصاحبة للمرأة لسهولة استعماله وحسن تصنيعه ورخص ثمنه قياسا الى العمليات الترقيعية المكلّفة .
هذا الغشاء المدهش والذي يعتبر قفزة نوعية وحلاً بديلا مريحا لهواجس فقدان الغشاء الطبيعي، فهو يشبه تقريبا الغشاء الطبيعي للمرأة لكونه عبارة عن حلقة مطاطية مستديرة وسطها سائل احمر يتمزق بسهولة عند ايّ اصطدام مع جسم اخر لفرط شفافيته؛ اذ يتمّ دسّه في فتحة المهبل بعمق حوالي 2/ سم فيلتصق تلقائيا ويتشابك مع جدران وأغشية المهبل ثم يلتحم في غضون وقت قصير لايتعدى النصف ساعة ويثبت في مكانه كأنه الغشاء الاصلي، وهو يشبه العلكة التي تمضغ في الفم بحيث يتشكل على شكل بالون وله القابلية على التمدد والانتفاخ داخل مهبل المرأة ويمكن للمرأة التحرك والمشي والعمل دون ان يصيبه ايّ فتق او تمزّق لكنه يتفتق حال ملامسته شيئا مثل جهاز الرجل الذكري ناضحا سائلا احمر اللون قانيا تخاله دما .
ويعدّ ظهور الغشاء الصيني طفرة نوعية في معالجة قضية استعادة العذرية التي كانت تؤرق المرأة بحيث انشغلت الصحافة بين مؤيدة ومعارضة، ولهذا شمّر رجال الدين عن سواعدهم لمعاركة صانعي هذا الغشاء الذي رآه البعض بانه مشروع انساني قبل ان يكون مشروعا تجاريا مربحا ويضع حدا لعذابات المرأة نفسيا وجهرت اصواتهم عاليا ضد هذا الابتكار باعتباره غير اخلاقي ويمس الشرف والحياء ويطمطم شرور المرأة ويغطي سوءاتها وآثامها طالما هي لم تحافظ على شرفها وطهرها وكأن هذه العفة والشرف عالق بغشاء شفاف واهن .
كما أعلن الكثير من الاطباء والطبيبات عن تذمرهم من هذا الاختراع واعتبروه خطيرا على صحة المرأة من الناحية العلمية البايالوجية ويؤثر على جهاز الفتاة التناسلي سلباً وقد تنتج عن ذلك التهابات ومضاعفات يصعب علاجها، ودعوا الى التحرّك السريع لمنعه وسحبه من دكاكين الصيدليات؛ ويبدو ان هذا الغشاء السحري زاحمَ أرزاقهم فلم يعد للعمليات الترقيعية التي تدرّ مالا وفيراً تجري كالسابق وانحسر كسبهم، مثلما اعتبره رجال الدين ستارا واهيا لتغطية جنوح النساء نحو توسعة العهر والدعارة ويجعل الفتيات تتمادى في الفسق دون رهاب اختفاء غشائها الطبيعي المخلوق لها كمعيار للشرف ودليل العفاف ولا تعبأ بمخاطر زوال بكارتها طالما سيتم رتقها بسهولة فاختلقوا له المساوئ ومحاذير الاستخدام وهوّلوا من مخاطره وفق ادّعاءاتهم .
ولاننا شعوب وضعت كل معايير الشرف والعفّة مختزلا في هذه القشرة الصغيرة التي تتمزق فور الايلاج، ونرفع قطرات الدم المصطبغة في المنديل والناتجة من تمزيقه لنعلن فخرا وزهوا اننا انتصرنا على العهر والرذيلة ومفسدة الجنس وان بناتنا العفيفات ولدن عذراوات وسيبقين عذراوات حتى يأتي نصيبهن في الزواج؛ فهذا هو وحده معيار الشرف؛ اما السلوك غير السوي للمرأة واقترابها من العلاقات المحرمة وعدم الحفاظ على طهارتها وولوجها طرق الحرام والوقوع بين احضان الرجال وتعدد العشاق فلا يعدو مهمّا طالما تبدّت قطرات الدم منها وتمزّق غشاؤها المصطنع في ليلة دخلتها مع حليلها الشرعي .
ولاننا بهذه السذاجة والمعايير الهزيلة في تحديد مدى شرف المرأة وعفّـتها فقد تناوشتنا الشركات المنتجة لاغراقنا بانواع عديدة من " فنكوشات " العذرية من مختلف المناشئ العالمية فمرة تظهر كبسولات لاتبلع عن طرق الفم كما اعتدنا ذلك بل يقوم المهبل نفسه بابتلاعها دفعا اليه في عمليات تضليلية خادعة على اساس كونه يعيد بناء الغشاء وتنميته مجددا وقامت شركات اخرى بطرائق تحايل ايضا فأنتجت مواد عشبية تباع بعشرات الدولارات على شكل اقراص وحبّات " تابلت " زعمت انها تنضح لونا احمر شبيها بالدماء وما على المرأة سوى حشرها داخل المهبل دون ان تسبب اضرارا جانبية لانها من طب الاعشاب البديلة غير الضارة كما تعمل ايضا على تضييق فتحة المهبل وفق مزاعمهم .
بل تمادت بعض الشركات بالسخرية منا فلم تكتفِ بابتزازنا ماليا فصنعت مؤخرا غشاء بكارة سمّوه ( بيوتي فيرجين ) سهل التركيب والاستعمال تستعمله النساء المتزوجات الكبيرات في السنّ حيث يُحشر في اجهزتهن التناسلية على سبيل الدعابة ومفاجئة الزوج بنضوح الدم اثناء الممارسة الجنسية المعتادة للتذكير بليالي الدخلة يوم كانت عذراء فيفاجأ الرجل بهذه الحالة الغريبة لخلق جوّ من نوستالجيا ممتعة اول ايام العرس .
لنقولها بكل صراحة انا عن نفسي لست أكيل اللوم على الفتاة التي فقدت عذريتها لسبب ما، وأبرر لها القيام بأي شيء من اجل استعادة عذريتها وبأي شكل من الاشكال سواء ترقيعا جراحيا او اية بدائل نافعة ترمّم هفوات الهوى والعشق المحرّم عندنا طالما هي مهددة بشرفها وتعيش خوفا دائما وقلقا وإرباكاً يقضّ مضجعها على الدوام وقد تتعرض للموت قتلا غسلا للعار اذ لم تجد آذانا صاغية وصدرا رحباً لتفهّم مشكلتها سواء من أهلها او وسطها المجتمعي او شريك حياتها .
ومن منا يتقبّل في بلداننا ويستوعب ويتفهّم ان تقول له قرينته الجديدة وتعترف انها أقامت علاقة محرّمة مع هذا وذاك وأدّى ذلك الى افتضاض بكارتها في مراحل حياتها وميعة صباها ؟؟
جواد غلوم
jawadghalom@yahoo.com