موقف دراماتيكي سياسي غريب الأطوار يتخلله رعب محتمل وفزع مابعده فزع له تبعات خطيرة ليس على بلاد فارس فحسب وانما على بقاع الشرق الأوسط عموما حينما اعلن الرئيس الاميركي دونالد ترامب مساء الثلاثاء الجاري 8/5 خبرا قاتما مثيرا لاحتمالات مخيفة قد لاتبشر بخير في المقبل القريب والبعيد عن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الذي عقد في لوزان مطلع نيسان / 2015 حتى ان الاتفاقية لم تنهِ سنواتها الثلاث ويعوزها بضعة ايام حتى تكتمل أمدها بالتمام والكمال .
من المؤسف ان النكسة الترامبوية الجديدة ستنسف آمال السلام والهدأة والاستقرار في منطقة الشرق الاوسط واذا كان إلغاء الاتفاقية يقتصر على تضييق الخناق على ايران وحصارها اقتصاديا وعسكريا ومقاطعتها تجاريا لهان الأمر ، لكن الخوف من احتمالات التصعيد العسكري سيما واننا نفهم تماما تمدد أذرع أخطبوط ايران في بلاد الشام والعراق واليمن وامتداد أراضيها الواسعة محاذاة دول الخليج العربي لبلاد فارس اضافة الى ان الهفوة الترامبوية الخطيرة غير المتزنة سرقت فرحة ايران وكما يقول المثل المصري الشائع ( جت الحزينة تفرح ما لقتهاش مطرح ) واتضح الان ان دبكات الرقص والغناء والهزج والتهاليل والرقص الذي سادت معظم مدن ايران وقتذاك يوم ابرام الاتفاقية النووية لم تفعل فعلها ولم تأتِ أكلها وعاد الحزن والخوف والترقب الى سابق عهده .
أتذكر وقتها بعد اتفاق لوزان حيث ساهمت دول 5+1 في صياغة الاتفاق المبرم بين الولايات المتحدة وايران كتبتُ مقالا بعنوان ( همسة في أذن محمد جواد ظريف ) ولم أخفِ قلقي واحتمال الإطاحة بالاتفاقية النووية رغم ان حبرها وقت ابرامها لم يجفّ بعد بسبب دوغماتية العمائم الراديكالية المتنفذة في ايران وسلطتها الواسعة ونفوذها الكبير واستنادها الى قوة الولي الفقيه وكذا مواقف الترامبوية الضيقة الافق الخالية من الحنكة السياسية والمرونة والسلاسة في التعامل مع الصلافة التي تتسم بها رؤوس العمائم المتطرفة الخالية من الاعتدال ، فهذه العمائم هي نفسها مَن عارضت اتفاقية لوزان اصلا حينما ابرمت بداية ابريل / 2015 وانهالت على وزيرالخارجية الايراني شتما وقذعا حتى انها سمّته واحدا من " عصابة نيويورك " وهو الوصف الذي تطلقه الجماعات الدينية المتطرفة على الساسة المعتدلين في بلاد فارس امثال الرئيس روحاني ومحمد جواد ظريف .
فالاثنان؛ الموقف الاميركي والايراني معاً يقع اللوم والتقريع عليهما حينما تكون مصائر البلدان وشعوبها بأيدي لاتعرف سوى العنف والتلويح بالتهديد ومسك السيف بالكف اليمنى والسوط باليسرى دون التبصّر بعواقب الامور وسعة الصدر وطول البال الذي لابد ان يتمتع بها السياسي الحاذق ومدّ بصره الى البعيد والاعتبار من الاحتمالات الممكن حدوثها ومدى خطورتها على الوضع الراهن وما بعد الراهن .
لا أخفي خشيتي وتخوفي من احتمالات قد لايحمد عقباها بعد انهاء معاهدة الاتفاق على لسان الرئيس الاميركي ترامب وقد تكون زيادة الطين بلّةً حلما نتمناه لكن الخشية هنا في زيادة النار سعيرا واللهيب حميما وكأن الحروب واعداد القتلى والجرحى والنازحين والمبتلين من كوارثها التي تتسع في شرقنا الاوسط لم تعد تكفي وتقول اريد مزيدا من الأهوال والنوائح وكثيرا من الأضاحي البشرية حتى تهدأ نفوس الموتورين من الساسة المعتوهين الراديكاليين والضيقي الصدور الذين ابتلينا بهم في هذا الزمن الوغد الاحمق .
جواد غلوم
jawadghalom@yahoo.com