تمتد يد " ديك الجن " إلى خمار " ورد " ، يرفعه عن شعرها :ما أجملك يا ورد .
تعَّرف " ديك الجن" عليها في دكان أبيها - بائع الأقمشة - في سوق حمص،" ورد" تساعد أبيها في البيع.من يومها وهي وديك الجن ؛يتقابلان خلسة، يحدثها عن أشعاره ، وتحدثه عن والدها ودكانه وزبائنه الذين يأتون - أحيانا - لمتابعتها،وعن أمل أبيها في أن يزوجها ليرتاح ويطمئن.
الوقت يمر يا عبد السلام .
هو اسمه الحقيقي" عبد السلام بن رغبان " ، و"ديك الجن" لقب غلب عليه .
مازال يتابع وجهها كأنه يراه لأول مرة :
إلى متى سنظل نتقابل بعيدا عن أعين الناس ؟!
داعب بأصابعه خصلة شعر انسدلت فوق جبهتها :
إنك أجمل فتاة في " حمص" .
لابد أن تفعل شيئا، كل يوم يأتي طالبو الزواج إلى أبي يريدون الزواج مني .
وماذا أفعل يا ورد ، نقودي لا تكفي لإتمام الزواج .
لماذا لا تعمل في التجارة مع أبي الطيب - ابن عمك - فقد اغتنى من التجارة .
إنني لا أجيد إلا قول الشعر .
أحست ورد أنه قد غضب من حديثها، فأصابعه تراخت ثم ابتعدت عن شعرها؛ وما عاد يتابع وجهها .
لا تغضب ، كل ما أريده أن يجمعنا بيت واحد .
وأنا أريد ذلك أيضا .
لماذا لا تقترض من أبي الطيب؟
سأفعل يا ورد من أجلك ، ولو أني لا أحب التعامل معه .
لم تخبره ورد بأن أبا الطيب واحد من راغبي الزواج منها ، وأنه يلح على والدها في ذلك ، لكن الوالد مصر على " ديك الجن " لأنه يعرف أن أبنته تحبه.
***
دق " ديك الجن " باب أبا الطيب، كان أبو الطيب مشغولا مع عامر صديقه وشريكه في التجارة . تمتد أيديهما - من وقت لآخر - إلى كئوس الشراب، يحكي أبو الطيب عما يقاسيه من عنت في حب ورد. وعامر هو أيضا مثله ، يحب فتاة لا ترضى به ، مشغولة بآخر أقل منه مالا. قال أبو الطيب : إن ورد لا تعرف مصلحتها ، فكيف تتركه من أجل شاب لا يعرف كيف يكتسب المال؟! يتنقل من بلدة إلى أخرى يقول الشعر، فيتعطف عليه البعض - أحيانا - بمكافأة أو هدية .
قال " ديك الجن" وهو يتابع كئوس الخمر أمامه ، وعامر الذي يتابعه بابتسامة واسعة :أريدك يا أبا الطيب ، في كلمة على انفراد .
أراد أبو الطيب أن يقول إن عامرا ليس غريبا، وعلى " ديك الجن " أن يقول ما يشاء أمامه ، لكن عامرا حمل كأسه وابتسم ثانية لديك الجن وذهب إلى حجرة بعيدة لكي يكمل شرابه .
أريد منك قرضا .
نقودي كلها تحت أمرك .
سأتزوج يا أبا الطيب .
أحس أبو الطيب أن الزوجة المقبلة هي ورد، لكنه منى نفسه بأن يقول ديك الجن اسما آخر غيرها .
هي ورد .
قالها " ديك الجن" غير مدرك بما يقاسيه أبو الطيب من آلام .
أعطاه النقود متمنيا ألا يحدث القران، وألا يتم الزواج، أن تكسر ساق " ديك الجن" وهو خارج من داره، أو يحدث مكروه آخر، المهم ألا يحدث الزواج .
لكن الزواج تم، وانفرد " ديك الجن " بورد، وانغمس أبو الطيب مع عامر - صديقه - في شرب الخمر ، ونفدت نقود " ديك الجن " ماذا يفعل، أسيظل دون عمل ، يقترض من ابن عمه ، ومتى سيسدد له ديونه ؟!
قال ديك الجن لورد:
- لا تهتمي، سأحضر مالا من " حماه " فقد مدحت رجلا هناك بشعري ووعدني بمكافأة سخية .
قابل ديك الجن ابن عمه قبل أن يسافر فاخبره بما ينوي فعله، فاعترض أبو الطيب قائلا:
أتدع زوجتك وتذهب بعيدا من أجل المال، خذ مني ما تشاء، ولا تترك زوجتك ؛ العروس .
لا، لابد أن أسافر .
سافر مادمت مصرا، وسأهتم بزوجتك في غيابك ، أخبرها بأن ترسل إليّ إذا احتاجت لشيء .
***
يكاد عامرا ألا يفارق أبا الطيب، فقد كان موجودا وقت زيارة " ديك الجن " له وسمع ما قيل، قال عامر:
أتعطيه مالا رغم ما تحسه نحو زوجته ؟
أنا لا أكرهه، كل ما أريده منه أن يترك ورد لي .
لو أطعتني ، سأجعلك تتزوجها .
كيف.
دعني أعمل ولا تعارضني في شيء.
***
استطاع ديك الجن أن يجمع مالا من حماه، أعطاه الناس - هناك - أكثر مما كان يتوقع. سار في السوق فرحا ، سيشتري لورد ما تتمناه .
اقترب منه رجلان، تحدثا معا وهو سائر قريبا منهما :
هل أنت واثق أن وردا هذه قد أحبت عامرا ؟
الكل في حمص يتحدثون عن ذلك . يقولون إنها لم تحفظ عهد زوجها الشاعر، وانتظرت سفره ليخلو لها الجو مع عامر هذا .
أؤكد لك أنها هي التي حرضته على السفر .
شد ديك الجن أحدهما إليه وصاح فيه : ماذا تقول ؟
دفعه زميله الآخر :
مالك يا رجل؟!، إننا نتحدث عن أحداث وقعت بعيدا عن هنا .
أعرف ورد هذه التي تحكيان عنها .
سخرا منه وضحكا: كيف يا رجل ، إنها تعيش في حمص .
أسرعا بعيدا، وظل هو يراقبهما مندهشا وشاردا .
سوف يعود حالا إلى حمص ، لن يشتري شيئا من السوق، بل لن يذهب إلى البيت الذي يسكنه الآن في حماه؛ لأخذ حاجياته ، لابد أن يقابل ورد ليعرف منها حكاية عامر هذا .
***
بعد أن تجاوز ديك الجن باب حمص بخطوات قليلة ؛ وجد أبا الطيب أمامه:
أبو الطيب، جئت لاستقبالي ؟
لا ، لم أكن أعلم أنك قادم .
ما الذي حدث لورد؟
تقصد حكايتها مع عامر ؟
قال ديك الجن في أسى: تعرف أنت أيضا ما حدث ؟
- هون على نفسك وطلقها ،النساء كثيرات .
دفع ديك الجن يد أبي الطيب الممتدة إليه وأسرع إلى بيته، فوجئت ورد به ، لكن راعها أن تراه مهموما ، متهدل الثياب، صاحت :
مالك ، هل حدث شيء؟
ساءك عودتي فجأة ؟!
لا ، إنما أنت شاحب ومهموم .
اقتربت منه جزعة عليه، ماذا حدث له في حماة، لقد خرج وهو سعيد وكله أمل ورغبة في الحياة . هل سرق اللصوص ما معه من نقود وهو عائد إلى حمص ؟ دفعها عنه صائحا :
- أنت همي وعذابي، سافرت من أجل أن أسعدك ، وعدت من أجلك .
أين أشياؤك ؟
من عامر هذا الذي يحكون عنه ؟
لا أعرف أحدا اسمه عامر.
ودق الباب وهما يتحدثان، أسرعت لفتحه، فصاح الذي بالباب:
افتحي يا ورد، أنا عامر، أسرعي بفتح الباب قبل أن يراني الناس .
نظرت ورد إلى الباب وإلى زوجها مندهشة، وصاح ديك الجن:
افتحي له ، ماذا تنتظرين؟!
صدقني، لا أعرفه .
هجم عليها ديك الجن وخنقها بيديه وهو يصرخ من الألم .